
رائد الحامد
تشير الزيارات المتكررة للقطع البحرية البريطانية في منطقة الخليج العربي، ضمن عملية «هايماست»، التي تقودها حاملة الطائرات «إتش إم إس برينس أوف ويلز»، إلى التزام طويل الأمد وليس مجرد استعراض للقوة. هذه التحركات تعكس رغبة بريطانيا في العمل كشريك لمؤازرة الأمن والاستقرار، بعيدا عن محاولات الهيمنة من القوى الأخرى بما فيها الولايات المتحدة.
يعد الخليج العربي محوراً حيوياً للتجارة وحركة الشحن حتى وسط التكهنات والتوترات الناجمة عن الأنشطة الحوثية في البحر الأحمر. وبانتقال التركيز الأمريكي نحو المحيطين الهندي والهادي، تجد بريطانيا نفسها في وضع يتطلب تعزيز وجودها وزيادة التأثير في المنطقة، مما يتماشى مع تطلعاتها للشراكة التاريخية مع دول الخليج التي تستند إلى روابط تمتد لعدة عقود.
يوفر الالتزام البريطاني القوي فرصة لتعزيز الثقة، خصوصاً في الوقت الذي تحتاج فيه دول الخليج إلى ضمانات أمنية ضد تهديدات محتملة من إيران أو حلفائها. لقد حافظت بريطانيا على وجود عسكري فعال في المنطقة من خلال شبكة دعم قوية، مما يعكس اهتمامها بالحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية الملاحة الدولية.
للزيارة البحرية البريطانية دلالات تتجاوز التكرار، فهي تدل على التزام وشراكة قوية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسعيها لتشكيل سياسة «بريطانيا العالمية». في العقد الماضي، شهد الخليج تحولات ملحوظة في العلاقات، مع إعادة تشكيل التحالفات الكبرى في وقت تشهد فيه الملاحة البحرية تحديات متزايدة.
تبين الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر الضعف في الممرات المائية وكذلك أهمية وجود عسكري رادع لضمان حرية الملاحة. ويعكس تصاعد أنشطة توسيع مصادر الطاقة في دول الخليج تحولًا اقتصاديًا مهمًا يهدف إلى تجاوز كونها مجرد مصادر للنفط.
بينما تستمر الولايات المتحدة في الحفاظ على علاقات دفاعية مع دول الخليج وتشجيعها لتحمل مزيد من المسؤوليات في إدارة الأمن الإقليمي، يتيح ذلك لبريطانيا ملء الفراغ وتعزيز وجودها بالمنطقة.
تعتبر بريطانيا موقعًا استراتيجيًا فريدًا في منطقة الخليج، حيث تسعى لتكون «مكملة» لدور واشنطن، من خلال توفير وجود دائم وقدرات نوعية تفضل الولايات المتحدة عدم الالتزام بها بشكل مستمر. هذا الالتزام الطويل الأمد يمنح بريطانيا فرصة لتكون «شريكًا موثوقًا» في وقت تحتاج فيه دول الخليج إلى تعزيز الضمانات الأمنية في مواجهة تهديدات محتملة، لا سيما من إيران وأتباعها.
ترتبط هذه الشراكة «المفترضة» بين بريطانيا ودول الخليج بوجود عسكري مستمر في المنطقة، متجسدًا في قواعد عسكرية بارزة، مثل القاعدة البحرية في البحرين والقاعدة المشتركة في الدقم في سلطنة عمان. تلك القاعدة تستضيف المعدات البحرية وتساعد في تأمين مسارات الإمداد، بالإضافة إلى كونها مركزًا لصيانة القوات البريطانية. كما تساهم هذه العلاقات في إجراء تدريبات عسكرية مشتركة تسهم في تعزيز قدرة القوات البريطانية على التعامل مع البيئات الصحراوية، مثل تلك الموجودة في عمان.
تعكس عملية «هايماست»، التي تقودها حاملة الطائرات «أمير ويلز»، النهج البريطاني الجديد المبتكر. فهي تجسد أكبر وأشمل عمليات سابقة، حيث تُظهر كفاءة القوة الجوية البحرية البريطانية. وتتضمن هذه المهمة استخدام سربين كاملين من طائرات F-35B البريطانية، المعروفة بقدرتها على الهجوم والردع، إضافةً إلى سفن حراسة لحماية حاملة الطائرات من التهديدات الجوية والبحرية.
يُعتبر اختيار المسار الذي تسلكه العملية عبر البحر الأحمر والخليج العربي وصولًا إلى المحيطين الهندي والهادئ جزءًا مهمًا من السياسة البريطانية تجاه الشرق. هذه السياسة تعكس التزام بريطانيا بالأمن الملاحي في الخليج والبحر الأحمر، وترسيخ حركة الشحن الدولية ضمن رؤية شاملة تتعلق بالأمن العالمي للمياه الإقليمية والدولية.
بالمقارنة، تتبع الصين نهجًا يركز على المصلحة الاقتصادية وتجنب تدخلها في الشؤون الداخلية للدول. لذلك، تُعتبر الصين بلدًا يمكن بناء علاقات صداقة معه في إطار اقتصادي بعيد عن أي قيود سياسية أو تدخلات داخلية. هذا يميزها عن النهج البريطاني أو الأمريكي، اللذين يمزجان بين المصالح الاقتصادية وقضايا مثل حقوق الإنسان.
يبقى النهج البريطاني مرنًا وقابلاً للتكيف مع الظروف الإقليمية المتغيرة. بدلاً من التنافس المباشر، تحاول بريطانيا تقديم نفسها كشريك يجمع بين الحماية العسكرية والمهارة الدبلوماسية. هذا يجعل دورها في المنطقة فريدًا، حيث تقدم مستوى من التعاون مختلف عن كل من الصين والولايات المتحدة.
في عالم يشهد تغييرات وتحولات سريعة في التحالفات، تؤكد بريطانيا بشكل مستمر أن شراكتها مع الخليج ليست مؤقتة. إن الوجود الإنمائي للقوات البريطانية في البحرين وعمان هو حجر الزاوية لهذا الالتزام. عملية «هايماست» هي دليل عملي على قدرة بريطانيا على تعزيز التعاون في المنطقة، بعيدًا عن الأساليب المتبعة من قبل القوى الأخرى. تتطلب قدرتها على الحفاظ على هذا الدور استثمارات مستمرة في قواتها المسلحة، خاصةً مع التزام الحكومة بزيادة الإنفاق الدفاعي.
ستظل الشراكة البريطانية مع دول الخليج ركيزة أساسية للأمن الإقليمي، ليس فقط في مواجهة التهديدات المباشرة مثل هجمات الحوثيين، ولكن أيضًا في توفير بيئة مستقرة تساعد دول الخليج على تنفيذ خططها للتنويع الاقتصادي.





