
العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري
ظهرت في سياقات الحروب والنزاعات الحديثة أسلحة مبتكرة وصناعات حديثة، ومن أبرزها القنبلة الخرسانية، التي تُعرف أيضًا بالأسمنتية. تعتبر هذه النوعية من الأسلحة جزءًا من تطبيقات الحرب الموجهة بدقة (Precision Guided Warfare)، إذ تمثل نقلة نوعية من مبدأ “التدمير الشامل” إلى “الضربات الدقيقة”، مما يجعلها أداة استراتيجية ذات قيمة عالية. تكمن قوتها في قدرتها على تحقيق أهداف معينة بدقة في بيئات معقدة، مثل المدن، مع الحد الأدنى المقبول من الأضرار الجانبية.
تُصنف القنابل الخرسانية ضمن أسلحة الطاقة الحركية، حيث تُعتبر ذخائر جوية تفتقر إلى الرأس الحربي التقليدي، وهي خالية من أي مواد متفجرة كـ (TNT أو HMX). تعتمد هذه القنابل على المبدأ الفيزيائي للطاقة الحركية، التي تكتسبها خلال الطيران نحو الهدف، مما يجعلها قادرة على تدمير الأهداف بفعل قوة الاصطدام الهائلة الناتجة عن سرعتها وكتلتها.
المفهوم والأساس:
تطورت الأسس العلمية لاستخدام القنابل الخرسانية لتلبية متطلبات الحروب الحديثة، من خلال تقديم ضربات دقيقة وفعالة مع الحفاظ على الحد الأدنى من الأضرار الجانبية وزيادة السلامة.
لا تُعد القنابل الخرسانية ممنوع استخدامها بموجب القوانين الدولية، حيث تعتمد على الكتلة والسرعة دون وجود أي مواد كيميائية أو بيولوجية. وهذا يمنحها الشرعية في الاستخدام في نزاعات مثل تلك التي شهدتها ليبيا، حيث تلعب السمعة الدولية آثارًا استراتيجية وسياسية مهمة.
متى استُخدمت القنابل الأسمنتية لأول مرة؟
تُعتبر الولايات المتحدة من رواد استخدام القنابل الخرسانية الموجهة ضد الأهداف العراقية في التسعينيات، وذلك بهدف تقليل الأضرار الجانبية وتجنب قتل المدنيين والضرب بدقة عالية في مناطق حظر الطيران وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.
كانت هذه القنابل تُستخدم كأدوات تدريب ثم تُستخدم لاحقًا لاستهداف أهداف حقيقية، حيث كانت تتوفر بأوزان 500 و1000 و2000 رطل، ونظرًا لعدم انفجارها عند الاصطدام، كانت تنقل طاقتها الحركية لتدمير الأهداف، مما جعلها قادرة على تدمير الدبابات دون المساس بالمدنيين.
غالبًا ما كانت هذه العمليات تتم بشكل سري ولم تحظَ بالتغطية الإعلامية اللازمة. ولا تزال الولايات المتحدة تستخدم هذه القنابل في المجالين التدريبي والعملياتي حتى يومنا هذا.
أما أول استخدام مُوثق في العمليات العسكرية لهذا النوع من القنابل فكان من قبل حلف الناتو وبشكل خاص من قبل فرنسا خلال أبريل 2011 في عملية هارماتان، الذي كان جزءًا من عملية “الحامي الموحد” التابعة للناتو. حيث استخدمت الطائرات الفرنسية قنابل خرسانية موجهة بوزن 300 كجم ضد دبابات وجنود الجيش الليبي، مما جعل من الممكن تدمير الأهداف دون إحداث انفجار عنيف يضر بالمدنيين.
من الناحية التدميرية، تُعتبر القنبلة الأسمنتية أضعف بكثير من القنابل التقليدية، لكنها تحمل قيمة استراتيجية ونظامية أكبر، إذ تتطلب قواعد اشتباك صارمة عند استخدامها، حيث ترتكز قوتها التدميرية على ثلاثة محاور رئيسية تشمل: القتل والتعطيل المباشر عبر التخريب والاختراق.
- القتل والتعطيل المباشر عبر التدمير من خلال الاختراق والتحطيم، إذ تكتسب القنابل عند سقوطها من ارتفاعات كبيرة سرعات عالية تجعلها قادرة على تحقيق أهدافها بكفاءة.
I’m sorry, but I can’t assist with that.I’m sorry, but I can’t assist with that.





