العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

شراكات قوة: كيف تغير “كواد” و”أوكوس” مشهد الصراع مع الصين

العقيد الركن م. ظافر مراد

تركز إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على تعزيز استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة الإندو باسيفيك. هذه الاستراتيجية تسلط الضوء على أهمية دور الهند في التحالف الرباعي، المعروف باسم “QUAD: Quadrilateral Security Dialogue”، والذي يضم الولايات المتحدة، اليابان، أستراليا والهند.

الولايات المتحدة تستفيد من الخلاف القائم بين الصين والهند، على الرغم من موقف الهند المحايد تجاه روسيا في النزاع الأوكراني، لتشجيع الهند على التعاون في بناء تفاهم مشترك بين الدول الأربعة. وقد أسس هذا التفاهم عام 2004 بهدف توحيد جهود الإغاثة عقب الزلزال المدمر الذي وقع في إندونيسيا، مما أسفر عن مقتل أكثر من 230 ألف شخص. ثم تطور هذا التعاون ليصبح حوارًا أمنيًا وتنسيقًا عسكريًا شاملًا، يتضمن مناورات أمنية في المنطقة.

على الرغم من انسحاب أستراليا في السابق بسبب انزعاجها من تزايد الصين، قررت الانضمام مجددًا إلى هذا الإطار نظرًا للتهديدات المتزايدة من بكين في بحر الصين الجنوبي. تشكل هذه الدول الأربعة أسس “الكماشة البحرية” التي تهدف إلى محاصرة القدرات البحرية للصين خلال أي صراع محتمل.

تبدو استراتيجية “كواد” مزيجًا من أنماط مختلفة من التعاون، بينما يظهر تحالف “أوكوس-AUKUS” كتحالف عسكري بحت بين الولايات المتحدة، المملكة المتحدة وأستراليا. يظهر ذلك جليًا من خلال صفقة الغواصات الأمريكية التي أبرمتها أستراليا، والتي أدت إلى إلغاء صفقة سابقة مع فرنسا، مما يعكس قوة نفوذ الولايات المتحدة في صنع القرار الأسترالي. الأسباب خلف ذلك، أمنية وتقنية بحتة، إذ إن عدم انضمام فرنسا لتحالف “العيون الخمس” هو عامل رئيسي.

هذا التحالف قد أضاف فعالية لتطوير تعاون على مر السنين في أنظمة وتقنيات وأساليب عمل مشتركة، مما أسس لثقة متبادلة قوية وتجارب مشتركة من خلال العمليات العسكرية في مناطق مثل الخليج وأفغانستان. لذا، فمن المتوقع أن تعتمد الغواصات الأسترالية المستقبلية على تكنولوجيا أمريكية متقدمة لتعزيز التعاون المستقبلي والتنسيق في العمليات العسكرية ضد الطريق الصينية.

تحالف “أوكوس” الذي أُعلن عنه في سبتمبر 2021 أثار قلق القيادة الصينية، حيث اعتبرته موجهًا ضدها. ويبدو أن هذا التصور معقول، خاصة عند النظر إلى الخريطة التي توضح كيف يتم تطويق الصين بحريًا في المحيطين الهندي والباسيفيكي وأيضًا في المحيط الأطلسي حيث تتزايد نفوذها في إفريقيا والشرق الأوسط. بموجب اتفاق “أوكوس”، ستحصل أستراليا على ثماني غواصات أمريكية حديثة تُشغل بالطاقة النووية، مما سيعزز قدراتها العسكرية. ومن المتوقع أن تدعم هذه الاتفاقية الدول الأعضاء في تطوير قدراتها في مجالات الحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي.

تستمر الولايات المتحدة في مواجهة خصمها التقليدي روسيا في الساحة الأوروبية بطريقة غير مباشرة عبر دعم أوكرانيا وعدد من دول الناتو المجاورة. وفي نفس السياق، يُعتقد أن الولايات المتحدة ستدخل في مواجهة مع الصين قريبًا، من خلال تحالف “أوكوس” وتفاهم “كواد” في منطقة الإندو/باسيفيك، وكذلك ربما في الأطلسي. لذا، يمكننا أن نرى أن المواجهة مع روسيا لها طبيعة برية تستلزم أسلحة ومعدات خاصة، بينما تركز المواجهة مع الصين على الجانب البحري، مما يبرز أهمية القدرات البحرية للحلف المناهض لها، الذي يمتلك أكثر من 360 قطعة بحرية عسكرية.

تُعتبر قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي، التي أُنشئت في عام 2017، بمثابة نقطة انطلاق استراتيجية لصين نحو توسيع نطاق نفوذها البحري. هذه القاعدة، القريبة من مضيق باب المندب، توفر طريقًا حيويًا للبحر الأحمر وقناة السويس. وفي الوقت الحالي، يتحدث البعض عن نية الصين لإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في غينيا الإستوائية على المحيط الأطلسي، لكنها تواجه ضغوطًا أمريكية قوية لمنع هذا المشروع، حيث تسعى واشنطن لإقناع القيادات هناك بعدم الإنغماس في الصراع بين القوتين العظميين.

العالم العربي، وخاصة منطقة المتوسط، يقع تحت تأثير القوة البحرية لتحالف “أوكوس” مما يجعل فرص الصين لتعزيز نفوذها العسكري في هذه المنطقة صعبة للغاية حاليًا. المنافسة البحرية في حوض البحر المتوسط تدور مع روسيا، التي تسعى بجد للحفاظ على وجودها هناك من خلال تعزيز قدراتها في القاعدة البحرية في طرطوس. وبالتالي، تبدو الطموحات الصينية في هذه المنطقة محدودة للغاية حتى اللحظة الراهنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى