ترجماتد. ظافر محمد العجميمقالات رأي

“السماء الحرة: الأثر الحيوي للقوة الجوية الكويتية في تحرير الوطن”

د. ظافر محمد العجمي

بينما تتردد مختلف الروايات حول الأحداث التاريخية، نجد أن العديد من القصص المتعلقة بالبدايات تعتمد أقل على الواقع. الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت في عام 1990 يمثل جزءًا من فترة لا زالت تعيش في ذاكرة المجتمع. فالبداية المثارة تروى عادةً بفجر يوم الخميس 2 أغسطس 1990، ولكن الحقيقة تتجاوز ذلك بواقع ست ساعات. من هنا، يحق للقارئ أن يسأل: ما هو مصدر التوقيت الدقيق؟ وكيف نقيّم الفرق الذي قد يبدو ضئيلاً في خضم لحظات الغزو والاحتلال التي دامت سبعة أشهر وأثرت بشكل كبير على حياة الكويتين.

بالنسبة لتوقيت تلك الأحداث، يُعتبر رجال قوة حرس الحدود الكويتية الأكثر تأهيلاً لمعرفة التفاصيل. فكان وجوبهم يحتم عليهم التواجد على الحدود مع العراق. أفاد هؤلاء أن القوات العراقية بدأت هجومها على مراكز حرس الحدود في الساعة الثامنة مساء يوم الأربعاء الأول من أغسطس 1990. ومع ذلك، تم تفسير ذلك بشكل خاطئ، كتحرشات غير ذات دلالات جوهرية، في حين كان الوضع يُشير لهجوم شامل.

أما بالنسبة للفترة الزمنية الفائقة بين التوقيت المتداول، فسنكتشف من خلال الأرقام التي حققتها القوة الجوية الكويتية ضد القوات العراقية في وقت أقل بكثير. كان صدام حسين، وفياً لتراث حكمه المتجذر منذ عام 1936، ينظر إلى الكويت كخيار سهل لحل الأزمات السياسية والاقتصادية. مع فشل محاولاته في ابتزاز الكويت، قرر الغزو. وبحلول مساء 4 أغسطس 1990، كانت القوات العراقية قد سيطرت بالكامل على الأراضي الكويتية، مما أدى إلى دعوة الملك فهد بن عبد العزيز للمساعدة العسكرية من الدول الصديقة في 6 أغسطس. تبع ذلك قرار الرئيس جورج بوش بإرسال سرب من مقاتلات F15 إلى السعودية، ثم وصول القوات المصرية والمغربية والسورية على مراحل مختلفة في أغسطس.

في نهاية القرن العشرين، كان العالم منقسماً بين قوتين تتصارعان وتختبران بعضهما البعض في حروب بالوكالة، وسط أجواء الحرب الباردة. ورغم التوترات المستمرة، جاء نداء الشيخ جابر الأحمد في الأمم المتحدة لاستنكار العدوان العراقي على الكويت. هذا النداء اتحد حوله جنود من جنسيات مختلفة لتشكيل تحالف عسكري يضم 34 دولة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن بخصوص انسحاب القوات العراقية.

أوضاع القوة الجوية الكويتية

تجسيداً لمبادئ الإيمان، انخرطت القوة الجوية الكويتية في الثاني من أغسطس 1990 في خمس معارك جوية متزامنة ومتنوعة. شملت المعارك: المعركة الجوية في قاعدة علي السالم، والمعركة الجوية في قاعدة أحمد الجابر، بالإضافة إلى معارك لواء الدفاع الجوي من مواقع متعددة في الكويت، ومعركة الدفاع عن المطار الدولي، والمعركة الجوية البرية في جزيرة فيلكا. بعد إسقاط 50 طائرة عراقية، جاء قرار فك الاشتباك مع العدو، مع التزام القوات بعدم ترك سلاحهم حتى في حالة الموت.

في منطقة الخفجي، تم الهبوط لعشر طائرات هليكوبتر من نوع بيوما وسوبر بيوما و15 طائرة غزال، مع الأمل في التزود بالوقود وشن هجوم جديد على قوات العدو. ومع ذلك، كانت الطائرات النفاذة غير قادرة على اللجوء إلى الهبوط بسبب غياب المدارج في المدينة القريبة من الكويت. بينما تمكنت 23 طائرة سكاي هوك A-4 و15 طائرة ميراج من الوصول إلى قاعدة الظهران الجوية في المملكة العربية السعودية، حيث كانت تتبقى لها وقود كافٍ.

على الجانب الآخر، هبطت 3 طائرات هيركوليز C-130 و6 طائرات تدريب هوك، بالإضافة إلى طائرة DC9 في البحرين. رغم الظروف، لم يكن هناك ما يعوق شغف الطيارين الكويتيين لاستعادة وطنهم. انشغل الجميع في الاستعداد والتدريب، حيث توزعت الطائرات بين قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران وقاعدة الملك فهد في الطائف، بالإضافة إلى القاعدة البحرية في الجبيل. تم التنسيق مع الفرنسيين والأميركيين لتوفير القطع والذخائر المطلوبة، وقد تمكن رجال القوة الجوية من تجهيز طائرات سكاي هوك A-4 للطيران اعتبارًا من 19 سبتمبر 1990.

لكن في نهاية سبتمبر 1990، صدرت تعليمات كانت بمثابة صدمة، إذ تقرر نقل القوة الجوية الكويتية إلى مطارات بعيدة مثل خميس مشيط والطائف والبحرين والإمارات. كانت هناك مخاوف من أن يهاجم الطيارون الكويتيوون القوات العراقية قبل تكامل قوات التحالف. تم إرسال الطيارين للتدريب في قطر والإمارات، ولكن الأمور تبدلت في 14 أكتوبر 1990، حيث عادت طائرات سكاي هوك A-4 إلى الظهران بعد اجتماع عسكري كويتي في فندق الخليج بالدمام.

في هذا الاجتماع، تم تحديد تقسيم الوحدات القتالية بحضور الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح. كان قائد القوة الجوية العقيد محمد الرزوقي، وقامت الوحدات بالتوزيع كالتالي:

  1. مفرزة طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK بقيادة العقيد الركن طيار يوسف الضويان ومساعده العقيد أحمد القامس، ومقرها في قاعدة الملك خالد الجوية.
  2. مفرزة طائرات بيوما وسوبر بيوما في قاعدة الملك فهد الجوية تحت قيادة العقيد محمد السري.
  3. مفرزة الهوك برئاسة المقدم بدر العيسى في قاعدة الملك خالد.
  4. مفرزة طائرات الغزال تحت قيادة العقيد محمود الرزوقي، بمساعدة العقيد ناصر جحيل في قاعدة الملك عبدالعزيز.
  5. مفرزة طائرات الميراج بقيادة العقيد إبراهيم الكندري في قاعدة الملك فهد الجوية.
  6. مفرزة النقل في قاعدة جدة الجوية برئاسة العقيد علي الحجي.

اتسمت مفرزة طائرات سكاي هوك A-4 بالتمرين مع القوات الجوية الملكية السعودية، والبحرية الأميركية، وسلاح الجو الأميركي. كما شاركت طائرات الهليكوبتر الكويتية في عمليات درع الصحراء، حيث أسندت للواء البريطاني جرذان الصحراء. وقد قامت بنقل الألوية المقاتلة عبر المناطق الحدودية، بالإضافة إلى حماية مناطق الرماية والمشاركة في دوريات مع المارينز، والتعامل مع حالات الإخلاء الطبي والبحث والإنقاذ.

في العمليات العسكرية العراقية، تم استخدام طائرات Mirage F1 لدور العدو خلال تمرين حرب ضد القاذفات الأمريكية العملاقة من نوع Boeing B-52، وكذلك ضد طائرات General Dynamics F111 بعيدة المدى.

بتاريخ 27 نوفمبر 1990، أعيد تشكيل المفارز لتصبح سلاح طيران الكويت الحرة باختصار Free Kuwait Air Force بالشكل التالي:

  • مفرزة رقم 12 – طائرات سكاي هوك A-4 Skyhawk بقيادة العقيد الركن طيار يوسف الضويان، مقرها قاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الظهران.
  • مفرزة رقم 20 – طائرات البيوما والسوبر بيوما والغزال في قاعدة الملك عبد العزيز البحرية بالجبيل، بقيادة المرحوم العقيد ناصر جحيل.
  • مفرزة رقم 8 – طائرات الميراج بقيادة العقيد ابراهيم الكندري في قاعدة الملك فهد الجوية بالطائف.
  • مفرزة رقم 30 – طائرات النقل بقيادة العقيد علي الحجي.
  • مفرزة رقم 25 – طائرات الهوك التدريبية، بقيادة المقدم بدر العيسى في الإمارات العربية المتحدة.
  • مفرزة رقم 40 – طائرات دي سي 9 بقيادة العقيد سعود الهزاع في الرياض.
  • مفرزة التعاون مع المارينز، بقيادة العقيد فهد القحطاني في الجبيل، ويعاونه المقدم محمود بوشهري، المقدم عبد الرحمن الزايد، والنقيب ظافر العجمي.

تم طلب تجهيز طائرات الغزال الكويتية بصواريخ من نوع هوت HOT، إذ بلغ عددها 350 صاروخاً من قبل الفرنسيين، بالإضافة إلى صواريخ ماجيك Magic وقنابل بلوغا Bloga من الأمريكيين. كما تم طلب تزويد طائرات سكاي هوك A-4 Skyhawk بصواريخ سايد وايندر SideWinder والقنابل العنقودية وذات الأغراض المتعددة GB.

” أين هم ؟ “

في يوم الخميس 29 نوفمبر 1990، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 678، الذي حذر فيه العراق بأنه في حال عدم انسحابه من الكويت قبل 15 يناير 1991، ستستخدم جميع الوسائل اللازمة لإعادة السلام والأمن الدوليين إلى المنطقة. يشير أحد شهود تلك الحقبة من جنرالات صدام إلى أن الطاغية كان في 15 يناير في مسرح عمليات الكويت بمعنويات مرتفعة. في الساعة 18:00، أثناء تفقده لبعض الدفاعات العراقية الساحلية، نظر إلى ساعته وابتسم قائلاً “أين هم ؟”

كما سأل الفريق الركن أياد الراوي، قائد الحرس الجمهوري، عن نسبة توقعه للهجوم الذي انتهت مدة إنذاره، فأجابه بأن احتمالية الهجوم المعادي لا تتجاوز الواحد بالألف. في هذه السياق، كتب وزير الخارجية السوفيتي السابق يEvgeny Primakov في مذكراته عن حرب الخليج 1991 أن صدام كان يعتقد أنه يمتلك الوقت دائماً للمناورة، وأن التفاوض الأنسب سيكون عندما لا يوجد وقت، أي في 15 يناير 1991 وما بعده. ولكن 24 طائرة مقاتلة من نوع الشبح Stealth Fighter F-117A كانت أسرع في المناورة من صدام. في الساعة 3:35 من صباح يوم الخميس 17 يناير 1991، بتوقيت الكويت، انطلقت الشرارة الأولى لمعركة تحرير الكويت تحت الاسم الرمزي عاصفة الصحراء Desert Storm، حيث هاجمت الشبح تبعها 400 طائرة أخرى لتحقيق السيادة الجوية على مسرح العمليات. وركزت الهجمات الجوية على تدمير الأهداف الاستراتيجية في العمق العراقي، بما في ذلك تشكيلات الحرس الجمهوري والدفاعات الجوية العراقية، مما ساهم في تحييد فعالية مراكز القيادة والسيطرة العراقية.

عاصفة الصحراء

تباينت المدارس الفكرية العسكرية حول مبادئ الحرب. اعتبر الاستراتيجي البروسي كلاوزفيتز Carl von Clausewitz أن مبادئ الحرب تشمل الاقتصاد في الجهد، تركيز القوة، الدفاع، الهجوم، التفوق العددي، المفاجأة، والإدارة. بينما رأى نابليون بونابرت Napoleon Bonaparte أن مبادئ الحرب تشمل الهجوم، السرعة، المفاجأة، الحشد، والأمان.

بعد الحرب العالمية الأولى، تطورت قوانين العلم العسكري على يد عدد من المؤرخين العسكريين والمفكرين، وتشكّلت مبادئ الحرب الأمريكية والبريطانية والسوفيتية والفرنسية على يد مؤرخين مثل ليدل هارت وفوللر. تنوعت مبادئ الحرب من خمس إلى ثلاث عشرة مبدأ، مما يعكس تنوع بيئات وأفكار الباحثين والمفكرين.

في عالم العسكرية، رغم اختلاف المبادئ المتبعة، إلا أن هناك مبدأ واحد اتفق الجميع عليه، وهو عنصر المفاجأة. يُشير العقيد محمود الرزوقي، الذي شغل منصب آمر القوة ثم نائب للأمر خلال الحرب، إلى أن التحضيرات لبدء الحملة الجوية كانت مشددة، حيث تم إبلاغ المعنيين فقط على أساس “Need To Know”. وقد أدرك قرب نشوب الحرب من خلال مؤشرات عدة، مثل زيادة رحلات الصهاريج الجوية من الرياض واستدعاء العقيد طيار يوسف الضويان في 16 يناير لمركز العمليات الرئيسي في الظهران. وفي هذا السياق، كان نائب رئيس الأركان اللواء علي المؤمن في أحد الفنادق في الطائف، ولاحظ جنرال أمريكي يعرفه، يسأله بخصوص استعداده ليوم الخميس قبل الحرب بيوم.

تلقى العقيد رياض الصالح، رئيس مكتب الارتباط الكويتي في الرياض، اتصالًا عاجلاً في ليلة 17 يناير، حيث تم طلب إخراج طائرة كويتية من طراز دي سي 9 من المجال الجوي السعودي، مما كان يعني فتح ممر جوي لمقاتلات التحالف لتنفيذ الضربة الجوية الأولى.

في تمام الساعة الثامنة من مساء 16 يناير 1991، تم استدعاء العقيد يوسف ضويان آمر المفرزة 12 إلى مركز عمليات التحالف في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية. عاد إلى أسراب سكاي هوك A-4 Skyhawk الكويتية، وفقد بعضًا من هدوئه، لكن كان عليه المحافظة على السرية القصوى لإتمام العمليات. في الثانية فجراً، بدأ الفنيون بتذخير الطائرات بالقنابل، بينما استعد الطيارون واستقبلوا توجيهات العمليات. ووجّهت أصوات تكبير من المجموعات التي تجتمع للشكر لله مع بدء المحركات في العمل.

شاركت طائرات سكاي هوك الكويتية في الضربة الافتتاحية للحرب الجوية، والتي استمرت 39 يوماً. في تمام الساعة 8:15، وبقيادة العقيد يوسف ضويان، أقلعت ست طائرات متوجهة إلى مسرح العمليات الكويتية، حيث هاجمت موقعاً لصواريخ أرض-أرض معادية في شمال اللواء 35 ودمرته، وعادت في الساعة 9:45. ونظيرها، أقلعت مجموعة ثانية بنفس عدد الطائرات في الساعة 8:19، مستهدفة موقعاً آخر لصواريخ فروغ 7 جنوب قاعدة علي السالم الجوية، حيث نجحوا في تدميره والعودة سالماً في الساعة 9:47.

الموجة الثالثة من هجمات الطائرات الكويتية أقلعت أيضًا في مجموعتين مكونتين من 8 طائرات في الساعة 14:24 و16:05، وكانت مهمتها ضرب أهداف عراقية في منطقة الصبيحية، وقد عادت جميع الطائرات سالمة عدا الطائرة رقم 828 بقيادة المقدم محمد مبارك، التي أسقطت من قبل الدفاع الجوي العراقي. سجلت دراسة للحرب الجوية 1991 أن إسقاط القنابل في البداية كان أقل من المتوقع؛ بسبب الارتباك ومناورات النجاة والتدريب الذي تم التركيز عليه. ومع ذلك، كان من المؤلم للبطل الكويتي أن يعود دون تدمير الأهداف، مما جعله يعود لطائراته لتدميرها، ولكنه وقع في الأسر بعد إصابة طائرته.

عادت مجموعة رابعة مكونة من 4 طائرات في الساعة 14:30 تحت قيادة المقدم خميس سلطان فرحان، حيث قصفوا راجمات صواريخ متحركة وعادوا بنجاح في الساعة 16:10. تم تنفيذ عمليات ناجحة أخرى في اليوم الأول، حيث تم إسقاط 24 جهاز استشعار، مما ساهم في تدمير دبابات وآليات العدو.

قبل بداية الحرب البرية، انضمت سرب من طائرات الغزال الإماراتية إلى المفرزة 20 وتم طلاء طائراتها باللون الرمادي، ونقلت إلى قاعدة رأس المشعاب قرب الخفجي. وقد حققت طائرات الغزال أول انتصار لها، حيث تمكنت من اقتناص دبابتين عراقيتين على الحدود الكويتية السعودية بفضل التنسيق بين الطيارين الكويتيين والإماراتيين.

نتحدث هنا عن طائرات الميراج Mirage F1 الكويتية التي تم استبعادها من المواجهة نظرًا لتشابهها مع الطائرات العراقية من نفس النوع. هذا القرار أدى إلى عدم مشاركتها في الضربات الأولى. على الرغم من محاولات العقيد محمود الرزوقي، مدير العمليات، لإقناع العميد أحمد السديري بالعودة عن هذا القرار، إلا أن المخاوف استمرت. لاحقًا، وبفضل نجاح الحملة الجوية التي بدأت في 27 يناير 1991، إذ أعلنت القيادة المركزية أن القوة الجوية العراقية لم تعد موجودة كقوة قتالية فعالة. ومع ذلك، أثبتت صواريخ العراق أرض جو نجاحًا أكبر بكثير من طائراته، حيث كانت كثافة الدفاعات الجوية أعلى من أي مدينة في شرق أوروبا خلال الحرب الباردة. حتى حول بغداد، كان هناك أكثر من سبعة أضعاف عدد قاذفات الصواريخ مقارنة بهانوي في حرب فيتنام. كان من الضروري إنشاء ممرات لإتاحة الفرصة لطائرات الحلفاء لمهاجمة الأهداف الحيوية داخل العراق. ولأن الكويتيين كانوا يعرفون التضاريس جيدًا، كان من الطبيعي أن تُستخدم طائرات الميراج. وقد بذل الضباط الكويتيون، الرائد يوسف الشايع والرائد عبدالكريم السمدان، مجهودات لإقناع المسؤولين بالموافقة على مشاركة الميراج. وبفضل دعم المقدم السعودي محمد العايش، تمت الموافقة على نقل طائرات الميراج Mirage F1 من الطائف إلى الظهران، حيث قامت بأول مهمة قصف في 5 فبراير 1991. ومع عدم التخطيط لمشاركتها، كان ذلك يعني استهلاكًا سريعًا للقنابل، مما أدى لتوقف الأسراب الكويتية عن العمل. لكن التدخل الفوري للجنرال هورنر، قائد القوات الجوية الأميركية، فتح مخازن الذخائر لتلبية احتياجات القوات الجوية الكويتية.

تغذية القوات الكويتية

رغم أن العراقيين كانوا على دراية بهزيمتهم المحتملة، إلا أنهم شكلوا خصماً صعباً. في تلك الأثناء، تحدث الفريق رعد الحمداني، قائد اللواء المدرع 17، عن محنة قواته أثناء الضربات الجوية. حيث وصف كيف استيقظ في أحد الأيام على صوت أحد جنوده الذي نادى عليه قائلًا “الجو مليء بالطائرات”. لاحقاً، كانت وسائل الدفاع الجوي في العراق تطلق النيران دون جدوى ضد عدو غير مرئي، مما دفعه للتفكير في جدوى الرد العاطفي. وقد أدت الأيام ال39 القادمة إلى تحويل مناطق القتال إلى مناطق مليئة بالصواريخ والقنابل، خاصة من طائرات B-52. ولأن الخيارات كانت محدودة، قرر الحمداني تحسين أرزاق جنوده، حيث اعتمد على الخبز المنقوع بالماء. في أحد الأيام، تذكر وجود أكياس من الحنطة كعلف للخيول في الإسطبلات الكويتية، فقام بإرسال شاحنات لجلبها، وكانت هذه الحنطة أفضل بكثير مما كان يتناوله جنوده.

وفقًا للخبير العسكري أنتوني هورنر، فقد شهدت حرب تحرير الكويت ثورة في مجالات التكنولوجيا والمعلومات، حيث كان تفوق الحلفاء التكنولوجي يجعل العراق يبدو كأنه “رجل أعمى”. لكن الأمور لم تكن دائمًا بهذا الشكل، حيث كان عدد الطيارين والفنيين الكويتيين في العمليات العسكرية لا يتجاوز الألف. ومع ذلك، كان الكويتيون الأكثر خبرة ومعرفة بمسرح العمليات والأكثر حماسة للقتال. ورغم أن طائراتهم كانت قديمة ولا تستطيع الطيران ليلاً، فقد سجلت ساعات الطيران أكثر من 3273 ساعة من خلال 2028 مهمة.

تتميز طائرات حرب تحرير الكويت بتاريخ قتالي ثري، حيث اعتمدت على تجارب سابقة من حروب مثل فيتنام وحرب 1967م، بالإضافة إلى النزاعات الإقليمية العديدة. تمكنت القوة الجوية الكويتية من تحقيق أهداف الحملة الجوية، مما أسهم في الضغط المستمر والمتزايد على القوات العراقية خلال عمليات الكويت.

على الرغم من مرور ما يقارب عقدين على انطلاق الحملة الجوية لتحرير الكويت، ورغم وفرة الصور للطائرات والصواريخ المستخدمة، استطاعت صورة واحدة أن تتميز وتبقى في الذاكرة؛ فهي لطائرة الغزال الكويتية، بقيادة المقدم عبيد العنزي، التي حلقت على ارتفاع منخفض ونجحت في أسر 400 جندي عراقي شمال الخفجي. لم يشهد التاريخ مثل هذه الحادثة، حيث استسلم جنود مشاة، وهم على الأرض، لطائرة تحلق في السماء.


[1] صابر السويدان وظافر العجمي، تاريخ الجيش الكويتي، الطبعة 2، 1999، ص428.

[2] صابر السويدان، القوة الجوية الكويتية، الطبعة 2، 1994م ص97.

[3] السويدان، مصدر سابق، ص98.

[4] رعد مجيد الحمداني (فريق ركن قائد فيلق الحرس الجمهوري 2)، قبل أن يغادرنا التاريخ، الدار العربية للعلوم، بيروت 2007، ص237.

[5] يفغيني بريماكوف، حقول ألغام السياسة، دار الفكر، دمشق، ص160.

[6] صابر السويدان وظافر العجمي، تاريخ الجيش الكويتي، الطبعة 2، 1999، ص451.

[7] انتوني كوردسمان، دروس الحرب الحديثة، ترجمة ابوغزالة، 1997م، ص527.

[8] انتوني كوردسمان، دروس الحرب الحديثة، ترجمة ابوغزالة، 1997م، ص599.

[9] السويدان، تاريخ القوة الجوية، ص100.

[10] السويدان، تاريخ القوة الجوية، ص101.

[11] صابر السويدان وظافر العجمي، تاريخ الجيش الكويتي، الطبعة 2، 1999، ص451.

[12] انتوني كوردسمان، دروس الحرب الحديثة، ترجمة ابوغزالة، 1997م، ص558.

[13] الحمداني، مصدر سابق، ص237-238.

[14] انتوني كوردسمان، دروس الحرب الحديثة، ترجمة ابوغزالة، 1997م، ص15.

[15] كوردسمان، مصدر سابق، ص577.

[16] صابر السويدان وظافر العجمي، تاريخ الجيش الكويتي، ص453.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى