
العقيد الركن ظافر مراد
التاريخ غالبًا ما يُدون عبر الأحداث الدموية والصراعات الحاسمة، مما يؤدي إلى تغييرات جذرية تعيد تشكيل موازين القوى على الصعيدين الإقليمي والعالمي. لقد كانت النزاعات الكبرى على مر العصور إشارة لانتهاء إمبراطوريات وبروز أخرى جديدة. على الرغم من التزوير والتحريف الذي لحق بالحقائق التاريخية، تبقى حقيقة واحدة ثابتة: معايير النصر والهزيمة لا تكمن في النتائج الفورية بعد الحرب، بل تكشف عنها الأبعاد الزمنية الطويلة. فالنجاح في التعامل مع أي واقع جديد، سواء جاء به انتصار أو هزيمة، يعتمد بشكل كبير على الحكمة والرؤية والاستراتيجيات المطبقة.
تَفكَّك الإتحاد السوفياتي بعد عقود من انتصاره في الحرب العالمية الثانية، بينما أدركت كل من ألمانيا واليابان كيف تُعززان قوتهما الاقتصادية بعد هزيمتهما. يعود هذا الفارق في الأداء إلى الخيارات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها قيادتهما، والتي ابتعدت عن الطموحات غير المنطقية وركزت على البناء والتنمية، مما ساهم في تقدمهما الإقليمي والدولي.
وفي الأغلب، عندما تتضح معالم نتائج الصراع، فإن الاعتراف بالهزيمة يكون خطوة شجاعة، في حين أن إنكارها يعد خطيئة كبرى. في بعض الأحيان، تستمر الحروب بلا جدوى، فقط لتراكم المزيد من الخسائر والانهيارات. مثالٌ معاصر هو الوضع الحالي في أوكرانيا، حيث يبدو أن روسيا ماضية في تنفيذ استراتيجياتها، في حين يتردد الغرب في تقديم المزيد من الدعم أو الانخراط في مواجهة مباشرة. الرئيس الأوكراني يشير حاليًا إلى قبوله حلًا سلميًا يحقق الحماية لأراضيه تحت مظلة الناتو، مما يعكس بالواقع اعترافًا بالهزيمة بعد فوات الأوان.
إن الإقرار المبكر بالهزيمة يُوفر فرصة تاريخية لا تُعوّض لتغيير النهج وفهم الظروف المحيطة. يتطلب هذا الموقف تقييم كيفية إدارة الصراع وتحليل البيئة الاستراتيجية سواء كانت داخلية أو خارجية. إن معالجة الحقائق والاعتراف بالأخطاء والتشتت في القوى قد يعني تجنب جريمة تاريخية بحق الشعب والوطن، لذا يجب تجنب تضليل الواقع بخطابات غير واقعية.
لا يمكننا تجاهل أهمية تقديم الحقائق في الساحة السياسية والعسكرية. إن القادة والمحللون يتحملون مسؤولية كبيرة في عرض المعلومات بوضوح وشفافية علمية. هذه ليست مجرد مسؤولية أكاديمية بل واجب وطني وإنساني أيضاً.
لذا، يجب أن نتخلص من الأوهام ونبدأ في إعادة بناء أوطاننا. هذا يتطلب منا التركيز على تحصين مجتمعاتنا وتعزيز الاقتصاد وتقديم رؤية مستقبلية شاملة ودقيقة.
الحرب ليست مجرد صراع أو دمار، بل هي لتحقيق أمن ورفاهية الشعوب. لذلك، حان الوقت للتوقف عن التسويق السياسي وخداع الجماهير، والبدء في العمل نحو مستقبل أفضل.








