العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد: بين السلام والتحول الاستراتيجي

العقيد الركن م. ظافر مراد

لقد جاء الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد الأمريكية في قطر ليفتح فصلًا جديدًا في النزاع، يحمل في طياته تناقضات تعكس ضبابية الموقف السياسي رغم وضوح الصورة العسكرية، حيث تقترب الحرب على إيران من تحقيق أهدافها المعلنة بخصوص تدمير برنامجها النووي وتقويض قدراتها الصاروخية الاستراتيجية.

هذا الهجوم، بما يحمله من مضامين وتأثيرات، يمكن اعتباره بمثابة رسالة سلام إلى الولايات المتحدة، متزامنًا مع بدء مساع دبلوماسية سرية انطلقت من موسكو وانتقلت إلى إحدى الدول الخليجية، تركز على مفاتيح التفاوض وسبل الوصول إلى السلام. تتجلى التحديات في استمرار المسار الدبلوماسي عبر عدة نقاط رئيسية؛ أولًا، تحجم إسرائيل عن قبول أي هدنة للبدء في التفاوض، مُصممة على مواصلة ضرباتها لتحقيق ما تسعى إليه. ثانيًا، فإن الشروط المفروضة لتحقيق السلام تبدو صعبة للغاية على إيران وكأنها اتفاقية استسلام. ثالثًا، يتداول حديث جدي عن تغيير النظام في إيران كأحد أهداف الحرب، بالإضافة إلى كونه نتيجة غير مباشرة لنهايتها، وقد سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن حذر القيادة الإيرانية من هذا الاحتمال، وهو ما يشكل قلقًا متزايدًا لدى المسؤولين الإيرانيين.

في أعقاب هذا الهجوم، أدانت دولة قطر الاعتداء معلنةً أنها أحبطته، بينما شكر الرئيس ترامب القيادة الإيرانية على إبلاغ واشنطن مسبقًا عن الهجوم لتفادي سقوط ضحايا، مضيفًا أنها يجب أن تتقدم في خطوات السلام. بذلك، وضع ترامب الكرة في الملعب الإيراني، في وقت تستفيد فيه إسرائيل من سيطرتها الجوية في الأجواء الإيرانية، لاستكمال تدمير قائمة أهدافها الثانوية والقضاء على القيادات البديلة، مع التركيز على مستودعات الصواريخ وقواعد إطلاقها.

في مقابل ذلك، تتأمل إيران في استراتيجية حرب الاستنزاف عبر الصواريخ، مع الضغط على المجتمع الإسرائيلي، آملة في أن يتيح لها الوقت لتحسين وضعها في المفاوضات. يجدر بالذكر أن قرارها باستهداف القاعدة الأمريكية في قطر يحمل بعض العتب على بعض دول الخليج وتهديدًا للآخرين، مما أثار موجة من الاستنكار.

تبدو الأمور اليوم في مرحلة حرجة، حيث الخيارات أصبحت محدودة بالمقارنة مع السابق، فهل ستسود البراغماتية على الأيديولوجيا في إيران؟ هذا السؤال قد يفتح نقاشات واسعة حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين إيران وإسرائيل، وكيفية تفسير تلك العلاقة وتبريرها في حال تحقيق السلام. إن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، تصر على سلام نهائي ومعلن، فهل يحتمل النظام الإيراني أن يقبل سلامًا قد يكون أشد خطرًا من الحرب نفسها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى