Register To WDS
مقالات رأي

إبحار نحو التعاون: العلاقة بين الأمن البحري والتطور الاقتصادي في الشراكة البريطانية الخليجية

عمار جلو – كاتب صحفي وباحث في مركز الحوار للأبحاث والدراسات بواشنطن

الخليج: محور النظام الدولي
تتمتع دول الخليج، وحيث تبرز سلطنة عُمان، بمكانة استراتيجية في النظام العالمي نظراً لدورها الحيوي في استقرار أسواق الطاقة وضمان مرور التجارة البحرية عبر ممرات حيوية مثل مضيقي هرمز وباب المندب. ومع التغيرات المستمرة في المشهدين الاقتصادي والأمني، تسعى العواصم الخليجية لبناء شراكات عالمية تسهم في تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات النوعية، مما يعزز دور الشباب في اقتصاد المعرفة. هذه الأهداف تتماشى بشكل كامل مع رؤية عُمان 2040 ورؤية السعودية 2030 وما شابه من برامج تنموية خليجية.

في هذا السياق، تبرز الشراكة مع المملكة المتحدة كمؤشر عملي لدعم الاستقرار وبناء اقتصاد خليجي متقدم يقوم على الابتكار والمعرفة، مما يفتح آفاق مستقبلية جديدة طويلة الأمد تتجاوز النفوذ التاريخي.

دور المملكة المتحدة: من النفوذ إلى الشراكة
لطالما كانت منطقة الخليج مركزاً مهماً في السياسة الخارجية البريطانية. ومع ذلك، فإن العلاقة الحديثة تتجاوز الأبعاد التاريخية لتعزز شراكة قائمة على مصالح أمنية واقتصادية مشتركة. تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تؤكد على أن التعاون يسعى لتعزيز القدرات الإقليمية ودعم مشاريع مستقبلية، مما يعكس استراتيجية جديدة تركز على النمو والتعاون الصناعي والتكنولوجي.

هذا التوجه يؤكد عليه كل من صندوق الاستراتيجية الخليجية والمراجعة الدفاعية لعام 2025، حيث أصبح دور “المستشار الدفاعي الأول للشرق الأوسط” في وزارة الدفاع دليلاً على التزام دفاعي مستدام، يتجاوز التعهدات العابرة. تلعب سلطنة عُمان هنا دوراً مركزياً من خلال دبلوماسيتها المتوازنة، مما يساهم في تعزيز استقرار المنطقة وأمن البحار.

المملكة المتحدة كعنصر استقرار وشريك استراتيجي
تتبنى المملكة المتحدة منهجاً عملياً في تعاونها الأمني مع دول الخليج، حيث تركز على تعزيز القدرات الوطنية لتطوير جاهزيتها الدفاعية بدلاً من الاعتماد الكلي على القوى الخارجية. يظهر ذلك من خلال البرامج التدريبية المتقدمة والشراكات في التصنيع الدفاعي. على سبيل المثال، التعاون بين مؤسسات خليجية وشركات بريطانية مثل Quantexa يعزز القدرة على اتخاذ القرارات الإقليمية، ويساهم في بناء أنظمة رقمية لمواجهة التهديدات المستقبلية.

كما يشير تحليل مركز Janes، فإن الهدف الأساسي للوجود البحري البريطاني هو “منع التصعيد وتعزيز الاستقرار، وليس فرض الهيمنة”. هناك أمثلة عديدة على التعاون العسكري بين لندن والعواصم الخليجية مثل:

  • تدريبات ومناورات متعددة الجنسيات بواسطة مجموعة الحاملة البريطانية، مما يسهم في تحسين التنسيق العملياتي وحماية خطوط الملاحة.
  • نشر طائرات التايفون في قطر، حيث يعمل السرب البريطاني-القطري المشترك (السرب 12) كوحدة ثنائية.
  • تعزيز التعاون البحري، حيث تُعتبر برامج الفرقاطات البريطانية نماذج تصدير دولية، مع استخدام تصميم Type-26 في دول مثل كندا وأستراليا وبعض الدول الأوروبية.
  • مشاركة المملكة المتحدة في حماية الملاحة من خلال وجودها الدائم ضمن عملية Kipion ومساهمتها في القوة البحرية المشتركة في البحرين.

الشراكة المبنية على التعاون
تعتمد الاستراتيجية البريطانية في الخليج على تعزيز قدرات الشركاء، مما يسهم في استقرار المنطقة بشكل فعّال ومؤثر.

تتجه العلاقة البريطانية – الخليجية اليوم نحو نموذج أكثر استدامة وواقعية، قائم على تعاون أمني فعّال. هذه الشراكة تركز على تعزيز قدرات الدول في مجالات الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا، بدلاً من فرض الوصايات. وفي هذا الاتجاه، تم تطوير برامج تدريب شاملة للقوات البحرية والجوية، بالإضافة إلى مشروعات تصنيع دفاعي مشترك في دول مثل السعودية والإمارات، مع نقل تكنولوجيا متقدمة وخبرات في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.

البعد الاقتصادي والتنموي
شراكة المملكة المتحدة مع دول الخليج لا تقتصر فقط على الأمن، بل تمتد لتشمل الاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا، بما يتماشى مع جهود دول المنطقة في تنويع مصادر الدخل وتطوير سلاسل إنتاج مبتكرة. تتداخل رؤى عمان 2040 والسعودية 2030 وبرامج الإمارات مع الاستراتيجيات الصناعية البريطانية التي تستهدف تعزيز التصنيع المتقدم والطاقة النظيفة.

في هذا الإطار، شهدت العلاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية تقدمًا كبيرًا في 28 أكتوبر 2025، مع الإعلان عن حزمة شراكة واستثمار مدعومة من وكالة تمويل الصادرات البريطانية (UKEF)، التي تشمل مجالات التمويل والبنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة. يهدف هذا التعاون إلى دعم القدرات التصنيعية المحلية وتعزيز الابتكار.

وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أكد خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، أن الشراكة الاقتصادية تستهدف “خلق فرص حقيقية في التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المستقبلية”. كما تجري لندن ومجلس التعاون حالياً مفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة، التي قد تعزز حجم التجارة حتى 16% سنويًا.

تتميز سلطنة عمان بنشاط تجاري متزايد مع الشركات البريطانية، بفضل بيئة استثمارية متطورة وموقع استراتيجي يجعلها نقطة وصل بين الخليج والأسواق الآسيوية والأفريقية، مما يعزز مكانتها كوجهة للأعمال.

إن هذا التحرك لا يعبر فقط عن مصالح اقتصادية متبادلة، بل يهدف إلى بناء اقتصاد يعتمد على المعرفة والتكنولوجيا، مما يعزز الاستقرار الإقليمي ويزيد من تنافسية دول الخليج في المستقبل. تشير المؤشرات الاقتصادية إلى تقدم ملحوظ، حيث تُعتبر الاستثمارات البريطانية من بين الأهم في السوق العماني.

الدبلوماسية البحرية: الردع من خلال الحضور
تُعتبر الدبلوماسية البحرية أداة رئيسية للتعاون بين المملكة المتحدة ودول الخليج، حيث تسهم في ضمان أمن الممرات البحرية وحماية تدفق التجارة والطاقة. يعتمد هذا النموذج على مبدأ “الأمن من خلال الحضور المستمر”، ويشمل دوريات مشتركة وتمارين متعددة الجنسيات وتبادل الخبرات في مجالات الأمن البحري.

في السنوات الأخيرة، قامت بريطانيا بتعزيز مشاركتها في حماية الملاحة عبر التحالفات البحرية الدولية في الخليج والمحيط الهندي، بما في ذلك وجود وحدات البحرية الملكية ضمن قوة الأمن البحري الدولية (IMSC) والعمليات البحرية المشتركة (CMF) في البحرين. تلعب لندن دورًا محوريًا في تعزيز حرية الملاحة وحماية خطوط التجارة العالمية.

تتواجد سلطنة عمان كشريك رئيسي في هذا السياق، نظرًا لموقعها الاستراتيجي الذي يجعلها نقطة انطلاق تجارية وقاعدة لتنسيق أمن المنطقة، مما يعزز دورها في الأمن البحري.

تستمر المملكة المتحدة ودول الخليج، بما في ذلك سلطنة عُمان، في الالتزام بتعزيز الشراكات الفعّالة بينهما. يهدف هذا التعاون إلى تحقيق استقرار اقتصادي طويل المدى وتطوير أدوات مشتركة لحماية المصالح المتبادلة. في إطار الجهود، تتضافر الجهود في مجالات الأمن البحري والطاقة النظيفة والتكنولوجيا والتعليم، مما يعزز قدرة المنطقة على التكيف مع التغيرات العالمية ويخلق بيئة اقتصادية تنافسية.

أثناء زياراته إلى مسقط والدوحة، أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن التعاون مع دول الخليج هو جزء من رؤية لندن لعالم تُدار فيه العلاقات عبر شراكات بناءة والاستثمار في الاستقرار والتنمية. وأشار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أيضًا إلى أن موقع الخليج ودوره في الأسواق العالمية يجعله شريكًا طبيعيًا في صياغة مستقبل أكثر توازنًا وتعاونًا.

مع توسع مشاريع الدفاع المائي وتبادل الخبرات الصناعية، تصبح بريطانيا لاعبًا رئيسيًا في تطوير القدرات الإقليمية. المشاريع البحرية المشتركة، مثل برامج الفرقاطات Type 26 وType 31، توفر قاعدة متينة للتعاون في مجالات التكنولوجيا والصناعات المستقبلية.

إن استقرار الخليج ليس مجرد قضية إقليمية، بل إنه عنصر محوري في استقرار النظام الاقتصادي العالمي. مع تطور الأوضاع الجيوسياسية، يظل التعاون مستمراً لتعزيز الأمن في الممرات البحرية، وتطوير اقتصادات مبتكرة تعتمد على التكنولوجيا، مما يجعل الشراكة البريطانية – الخليجية مثالاً يحتذى به في التعاون الفعّال الذي يحمي المصالح المشتركة ويخلق فرصًا جديدة.

خاتمة: مسؤولية مشتركة لتحقيق الأمن والازدهار
تتجه العلاقات البريطانية – الخليجية الآن نحو مرحلة جديدة، قائمة على الشراكة المستدامة المبنية على الثقة والمصالح المتبادلة. إن استقرار الخليج وازدهاره يشكلان أساسًا للاستقرار العالمي، حيث ترى بريطانيا في التعاون مع دول مجلس التعاون جزءًا من رؤيتها لعالم يرتكز على الترابط والتعاون. مع تسارع التحولات الإقليمية والدولية، تبقى المملكة المتحدة شريكًا موثوقًا لدعم أمن الخليج وتعزيز فرصه الاقتصادية في إطار مسؤولية مشتركة لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى