
ا.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
الحروب عبر التاريخ تتميز بتغيراتها المستمرة وابتكاراتها. تطورت الحرب، بدءًا من السهام والرماح وصولًا إلى البنادق، ثم انتقلت إلى الدبابات والمدفعية، وبعدها إلى الأسلحة النووية. كذلك، غزت القوات الجوية والبحرية الفضاء الجوي والبحار. في العصر الحالي، تشهد الأسلحة الذكية والأسلحة الكيميائية والبيولوجية على انطلاقة جديدة، رغم وجود معاهدات لمنع استخدامها. ومع ظهور الحروب السيبرانية وحروب الفضاء، يتجلى التغيير في استراتيجيات الحروب بشكل واضح.
أحدث الأسلحة مثل الطائرات بدون طيار والذخائر الذكية والذكاء الاصطناعي لم تُغير فقط قواعد اللعبة، بل رسّخت مفاهيم جديدة في ساحات المعارك. مثال بارز هو الصراع الأخير بين أذربيجان وأرمينيا، إذ اعتمدت أذربيجان على طائرات “هاروب” التي طورتها إسرائيل، مما أدى إلى تدمير كبير دون الحاجة لعدد كبير من القوات أو المعدات التقليدية. هذا الأمر يبرز مدى القوة التدميرية الدقيقة للطائرات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

بعد حرب “ناغورنو كاراباخ”، يطرح سؤال حول تأثير هذه الحروب على الاستراتيجيات العسكرية للدول. جاء الرد سريعًا مع بدء عملية “Guardian of the Walls” التي نفذتها إسرائيل ضد غزة في مايو 2021. استعملت هذه العملية الذكاء الاصطناعي في تنسيق الضربات على أهداف حركة حماس والجهاد الإسلامي، مستعرضةً مدى التحضير الدقيق والمعتمد على البيانات التي تم جمعها على مدى عامين.
تُعتبر البيانات في الوقت الحالي بمثابة الذهب الجديد، وتستثمر فيها الدول المتقدمة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي. استخدم الجيش الإسرائيلي استراتيجيات متقدمة مثل ذكاء الإشارة والذكاء البصري والذكاء الجغرافي لبناء منصة شاملة تجمع المعلومات مباشرة من الميدان. يمكّن ذلك من تحليل البيانات واستخراج المعلومات الحيوية الضرورية لدعم العمليات العسكرية.
في سياق تنفيذ الضربة، قام ضباط استخبارات النخبة في الجيش الإسرائيلي، من الوحدة 8200، بتطوير خوارزميات وبرامج معقدة مثل “Alchemist”، “Gospel”، و”Depth of Wisdom”. هذه البرامج تم استخدامها بفعالية خلال الأعمال القتالية لتقديم توصيات دقيقة وعملية للضباط في جهاز الاستخبارات العسكرية لتحديد “أهداف نوعية” ومن ثم إبلاغ سلاح الجو بها لتنفيذ الضربات. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الأقمار الصناعية من وحدة 9900 في التعرف الفوري على التحولات في التضاريس، مما يمكّن الجيش من تحديد مواقع إطلاق الصواريخ خلال العمليات الحربية. وقد تمكن جنود الوحدة 9900، بفضل صور الأقمار الصناعية، من تحديد 14 منصة صواريخ بالقرب من مدرسة. مما يدل على أن الذكاء الاصطناعي كان عنصراً حاسماً في تعزيز قوة الجيش الإسرائيلي. كما أشار مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي ساعد في تسريع الحصر الدقيق للأهداف، مما أدى إلى تقصير مدة العمليات القتالية بشكل كبير.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد تم استخدامه في هجمات سابقة، إلا أن هذا العرض يظهر بوضوح قدرته على تغيير مجريات المعارك. فقد أنشأت وحدة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي فرق بحثية مخصصة لاستغلال الذكاء الاصطناعي في الحروب، والتي تتنبأ بإطلاق صواريخ العدو ومواقعها وأوقاتها، مما يزيد من فعالية أداء الجنود بحماية أنفسهم. ومن الأمثلة البارزة، وحدة Lotem التابعة لمديرية J6 / C4i، التي تركز على تطوير برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في التطبيقات العسكرية. تمكّن إحدى التطبيقات المطورة عقب عملية “الجرف الصامد” في عام 2014 الجنود من التنبؤ بإطلاق صواريخ من غزة من خلال جمع البيانات من أجهزة استشعار ميدانية ومصادر أخرى، مما يساعد في تحديد المناطق الأكثر احتمالاً لإطلاق هذه الصواريخ.
استثمرت إسرائيل بشكل كبير في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته العسكرية على مر السنين، حيث وضعت التعلم الآلي والحرب الإلكترونية في صدارة أولوياتها. هذا التوجه تعزيزه شعور دائم بالتهديد، نظراً لما تقدره من موقف عدائي تجاهها. إن تطورات الحرب الحديثة، كما أظهرت حرب “حراس الجدران”، تدل بوضوح على دور الذكاء الاصطناعي في الصراعات المستقبلية. يجب أن نكون مستعدين لمواجهة أشكال الحرب الجديدة التي تلوح في الأفق، ولكن هل يعني ذلك أن الحروب التقليدية قد انتهت؟ ليس بعد؛ ستبقى الدبابات والمدفعية أدوات رئيسية، لكن أساليب استخدامها ستحتاج إلى التكيف. لتحقيق النصر في الحروب الحديثة، فإن الأمر يستلزم التكامل بين القوات البرية والجوية والبحرية والفضائية، مع القيادة المدعومة بالذكاء الاصطناعي والذكاء السيبراني. لذا حينما يتحدث مسؤول عسكري من دولة متقدمة عن “التخطيط لخوض الحرب الأخيرة”، فإن ذلك يستدعي منا الجدية والتفكير العميق في ما يقال.
الأستاذ الدكتور غادة عامر، عميد كلية الهندسة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وباحثة مشهورة في مجالات التكنولوجيا، تشغل أيضًا مناصب هامة مثل زميل ومحاضر في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا، وسفيرة تقنية لوكالة الفضاء المصرية للفترة 2022-2024. كما كانت لها أدوار مؤثرة كوكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث بجامعة بنها، ومديرة مركز الابتكار وريادة الأعمال في أكاديمية البحث العلمي في مصر.
الابتكار والتميز في جامعة بنها
تعتبر جامعة بنها من أبرز الجامعات في مجال التعليم العالي، حيث تساهم جهود العاملين فيها في تطوير البحث العلمي. تسلط الجامعة الضوء على الابتكار من خلال استقطاب الكفاءات التي تحظى بالتقدير محليًا وعالميًا.
قصة ملهمة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا
الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لمختبر الابتكار ASTF، والمدير السابق لقسم الهندسة الكهربائية بجامعة بنها، تلقت شهادة تقدير عالمية لدورها الفعال في تعزيز الوعي بأهمية الابتكار في مجالي الهندسة والتكنولوجيا. كما تم اختيارها كعضو في لجنة تحكيم جوائز “رولكس” للابتكار في سويسرا.
علاوة على ذلك، تم التعرف على جهودها من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات التعليم الهندسي IFEES ومجلس عمداء الهندسة العالمي GEDC في الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل منها نموذجًا يحتذى به للنساء في مجالات العلوم والهندسة في إفريقيا.





