
ا.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
تشهد الساحة الدولية تحولات كبيرة بفضل الثورة الصناعية الرابعة، حيث تعزز التكنولوجيا دور الأفراد وتمحو الفواصل بين الحروب والسلام، وتركز على العلاقة بين الأبعاد العسكرية والمدنية. في هذه المقالة، سنستعرض بإيجاز تأثيرات الثورة الصناعية الرابعة على حروب المستقبل وأمن الدول.
بداية، سيسهل شن الحروب بشكل ملحوظ، حيث سيزداد الاعتماد على الآلات التي تعمل عن بعد، مما يعزل المستخدمين عن ساحة المعركة ويمنحهم ميزة في القتال. ثانياً، ستتزايد سرعات القتل؛ حيث ستتخذ الآلات قرارات أسرع من ردود الأفعال البشرية، مما يتطلب إعادة تقييم العلاقة بين الإنسان والآلة. كما أشار اللواء الأمريكي “ويليام هيكس” في مؤتمر مستقبل الجيش عام 2016، قائلاً: “سيكون الصراع في المستقبل قريباً قاتلاً وسريعاً”.
ثالثاً، سيزداد الشعور بالخوف والقلق من قدرات الخصوم، بما في ذلك الابتكارات الاستراتيجية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء والتهديدات السيبرانية. ستجعل هذه الظروف الحكومات أكثر ميلاً لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة قبل أن يلحق بها المنافسون، مما يزيد من احتمالات الصراع الخاطئ نتيجة الثقة المفرطة في القدرة على الانتصار.
رابعاً، ستؤدي الطفرات التكنولوجية إلى إعادة تشكيل ميزان القوة بين القدرات الهجومية والدفاعية. على سبيل المثال، كانت هناك مبدأ “الضربة الثانية” في الردع النووي هو القدرة على الهجوم الانتقامي. ومع التطورات في الطائرات بدون طيار وأنظمة الهجوم السيبراني، يمكن هزيمة هذه الاستراتيجيات التقليدية بسهولة. تحدث الهجمات الإلكترونية حالياً على المؤسسات الحيوية بلا سابق إنذار، مما يزيد من تعقيد العمليات العسكرية.
توجيه “الضربة القاضية” أصبح ممكنًا بقوة. يواجه العالم صعوبة في إدارة سباق التسلح الجديد، حيث لعبت اتفاقيات الحد من التسلح دورًا رئيسيًا في الحد من استخدام الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية. لكن مع التطورات التكنولوجية التي تعكس ملامح الثورة الصناعية الرابعة، أصبح عدم اليقين حول توزيع الفوائد الاستراتيجية عقبة كبيرة أمام الاتفاقات الدولية. على سبيل المثال، النقاش الحالي حول الأخلاقيات والتطبيق العملي لحظر تطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل يعكس هذا التحدي، حيث لا يوجد توافق بين الخبراء حول ما إذا كانت هذه الأنظمة تمنح المدافع أو المهاجم ميزة.
نتيجة لذلك، سيكون هناك العديد من الفاعلين سواء كانوا دولًا أو كيانات غير حكومية، حيث أصبحت التكنولوجيا المتقدمة أكثر سهولة في الوصول. على عكس ما كان يحدث عند تطوير القنابل النووية، فإن إمكانيات التكنولوجيا الحديثة متاحة الآن لأكثر من 70 دولة تدير أقمارًا صناعية، وفي بعض الأحيان تقوم الجامعات والشركات بإطلاق أقمار صناعية نانوية. اليوم، يمكن حتى إجراء الهندسة الوراثية في المنزل، مما يولد العديد من المنافسين ويجعل من الصعب التوصل إلى اتفاقيات لمنع وقوع هذه التقنيات في الأيدي الخاطئة.
أيضًا، ستخلق التكنولوجيا منطقة رمادية، حيث ستُمكِّن الجهات الفاعلة غير الحكومية من إحداث فوضى كبيرة. كما ستؤثر على الاستقرار عبر تقديم خيارات جديدة للدول مثل حرب “مختلطة” واستخدام الوكلاء، مما يخلق حالة من عدم اليقين بين الحرب والسلام. في هذا السياق، تراجع السيطرة القانونية، حيث كانت الهيئات المسؤولة سابقًا عن توجيه القيود القانونية والأخلاقية على الحرب تتكون من مجموعة صغيرة من الدول. ولكن مع انحسار هذه السيطرة، زاد اعتماد الجيش على الكفاءات الخارجية، مما أدى إلى تحييد الجهود الحكومية لصالح الشركات الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، ستتوسع مجالات الصراع المحتمل مثل الفضاء الخارجي والمحيطات العميقة والقطب الشمالي، حيث تُعتبر هذه المناطق مصادر للمزايا الاقتصادية والاستراتيجية، مدعومة بالتقنيات الجديدة التي تستطيع تجاوز العقبات. على سبيل المثال، تتيح التكنولوجيا الحالية الوصول إلى الفضاء، مما يسمح للمتحاربين بمواجهة التهديدات المرتبطة بأنظمة الدفاع التي تعتمد على الأقمار الصناعية.
من الجدير بالذكر أن استخدام البشر كفئران تجارب بات واقعًا، حيث اعتبرت الصراعات السياسية “عالم الاستثناء”. وقد ظهرت هذه الفكرة من خلال دراسات الحرب الباردة التي كشفت عن استخدام الجنود كموضوعات بحث لتأثيرات الأسلحة الجديدة، وقد تكون هناك تجارب عسكرية جارية اليوم في مجالات تعزيز القدرات البشرية.
الأستاذ الدكتور غادة عامر: إنجازات وإسهامات رائدة في مجال الهندسة والتكنولوجيا
تجسد الأستاذة الدكتورة غادة عامر نموذجًا ملهمًا في مجال الهندسة، حيث تتولى منصب عميد كلية الهندسة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا. كما تشغل دور زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية الدفاع الوطني التابعة لأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وتعد سفيرًا تقنيًا لوكالة الفضاء المصرية للفترة ما بين 2022 و2024.
تتولى الدكتورة عامر رئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية للعلوم والتكنولوجيا، وهي أيضًا نائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا. ومن بين المناصب الأخرى التي شغلتها، كانت وكيلة كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث في جامعة بنها ومديرة مركز الابتكار وريادة الأعمال في أكاديمية البحث العلمي.
ولها دور بارز كرئيس تنفيذي ومؤسس مشارك لمختبر الابتكار ASTF، كما كانت رئيسة قسم الهندسة الكهربائية بجامعة بنها والمدير التنفيذي للأوقاف العالمية. إضافةً إلى جميع إنجازاتها، اختيرت كأحد أعضاء لجنة تحكيم جوائز “رولكس” للابتكار المقامة في سويسرا.
حازت جهود غادة عامر على اعتراف دولي حيث تم اختيارها من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات التعليم الهندسي (IFEES) ومجلس عمداء الهندسة العالمي (GEDC) في الولايات المتحدة، وذلك تقديرًا لتجربتها الملهمة كأحد النساء الرائدات في مجالات الهندسة والتكنولوجيا في قارة أفريقيا.








