Register To WDS
العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

صراعات الإيمان في القوات المسلحة الصينية: من الأحلام العسكرية إلى التحديات الفعلية

العقيد الركن م. ظافر مراد

منذ انطلاق الإصلاحات التي قام بها دنغ شياو بنغ في عام 1978، اتخذ جيش التحرير الشعبي الصيني خطوات هامة نحو التحول من كيان عقائدي تقليدي إلى جيش حديث. وقد تسارعت هذه التغيرات بشكل ملحوظ عقب حرب الخليج الأولى، حين أدركت القيادة الصينية الفرق التكنولوجي والعملياتي بينها وبين الجيوش الغربية. ومع عام 2015، بدأت مرحلة جديدة من الإصلاحات التي شملت إعادة هيكلة القيادة وتعزيز المفاهيم اللوجستية، بالإضافة إلى توسيع القدرات البحرية ووحدات الصواريخ الاستراتيجية بشكل سريع.

على الرغم من التقدم الملحوظ، لا يزال تحديث الجيش الصيني يواجه تحديات بنيوية وعقائدية عميقة، مما يجعل من قوته مشروعًا غير مكتمل ويطرح تساؤلات حول جدية جاهزيته العسكرية في الميدان.

جيش حديث مع ثغرات عميقة

يعتبر جيش التحرير الشعبي اليوم قوة ضاغطة متزايدة في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ، مستندًا إلى اعتقاد بكين بأن الهيمنة الإقليمية هي مفتاح النفوذ العالمي. ومن هنا بدأ الجيش الصيني يحقق توسعًا نوعيًا وكميًا واضحًا، حيث تفوق عدد سفنه على البحرية الأميركية، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد الطائرات المقاتلة في الأعوام المقبلة، مدعومًا بتكنولوجيا متقدمة ومنصات حديثة.

لكن العديد من الباحثين العسكريين يعبرون عن شكوكهم حول قدرة جيش التحرير الشعبي على الانخراط في نزاعات شاملة خارج مجاله الإقليمي، أو منافسة الولايات المتحدة في الصراعات التقليدية الطويلة. تشير الأبحاث المعاصرة إلى أن التحديات أمام الجيش الصيني لا تتعلق فقط بالجانب التقني، بل تشمل أيضًا العقيدة العسكرية وهيكل القيادة، والعلاقة بين الجيش والحزب الحاكم، بالإضافة إلى التحديات في جذب الكفاءات المتميزة.

تقرير وزارة الدفاع الأميركية يؤكد أن الجيش الصيني يهدف إلى أن يصبح قوة عسكرية متكاملة تعمل عبر مختلف الأصعدة: البرية، البحرية، الجوية، الفضائية، والسيبرانية. ومع ذلك، يظل هناك نقص في القدرات الأساسية، خاصةً في قيادة العمليات المشتركة والخدمات اللوجستية، مما يُعتبر تحديًا رئيسيًا أمام الجيش.

العقيدة، التفويض، ومرونة العمليات

تشير دراسات من RAND إلى وجود قصور هيكلي في التفويض والمرونة داخل الجيش الصيني، حيث تحد هيكلية القيادة الصارمة والرقابة السياسية من قدرة القادة على التكيف مع الظروف غير المتوقعة. ويستند الباحث تيموثي هيث في دراسته عن الجاهزية القتالية إلى أن التركيز المفرط على الولاء السياسي يعوق الكفاءة العملياتية، الأمر الذي يمثل عقبة أمام الاستعداد لمواجهات كثيفة.

هذه التحديات تعكس طبيعة القيادة العسكرية في الصين، إذ يخضع جيش التحرير الشعبي للسيطرة المركزية للحزب الحاكم، مما يجعل القرار العسكري جزءًا من النظام السياسي المركزي. هذا النموذج يعزز مفهوم “القيادة بالأوامر” على حساب “القيادة بالمهمة” التي تعتمدها الجيوش الحديثة، مما يشكل غياب اللامركزية ضعفًا بنيويًا حاسمًا في بيئات القتال المعاصرة.

الخبرة القتالية والتجارب الميدانية

على الرغم من التحديثات الكبيرة، يواجه جيش التحرير الشعبي نقصًا كبيرًا في عنصر حاسم لبناء جيوش فعالة: الخبرة القتالية الحديثة. فمنذ حرب فيتنام عام 1979، لم يُخض الجيش الصيني أي مواجهة عسكرية حقيقية، مما يثير تساؤلات حول جاهزيته للقتال في سيناريوهات معقدة.

العسكرية الصينية والتحديات المعاصرة

يعتبر عدد من الخبراء الغربيين أن نقص الخبرة الميدانية يضع حدوداً على قدرة أي جيش، بما في ذلك جيش التحرير الشعبي، في إدارة النزاعات في ظروف واقعية تتطلب اتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط. وفقاً لتقارير CNA، تبقى فكرة تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ومتناسقة في الجيش الصيني قريبة من الطموحات التنظيمية بدلاً من أن تكون واقعاً عملياً مثبتاً، حيث تلقي فجوات التنسيق بين القوات البرية والجوية والبحرية بظلالها على فعالية العمليات.

الانتشار العالمي والتحديات الاستراتيجية

رغم التقدم التكنولوجي والقدرات الصناعية المتزايدة، يفتقر الجيش الصيني إلى شبكة انتشار عالمي تتيح له لعب دور أمني دولي موثوق. باستثناء قاعدة واحدة في جيبوتي، تظل الإمكانيات الصينية محدودة في دعم العمليات بعيدة المدى، مما يعوق قدرتها على حماية خطوط التجارة والطاقة، أو حتى المساهمة الفعّالة في إدارة الأمن البحري الدولي.

تزداد أهمية هذا النقص بالنسبة لدول الخليج العربي، التي تعتمد أمنها البحري على قوى تتمتع بخبرة واسعة في حماية الممرات البحرية الحيوية. فإن محدودية الانتشار الصيني، وعدم وجود سجل عملي في إدارة الأمن البحري خارج حدود الصين، يثير تساؤلات حول موثوقية الصين كقوة أمنية في مناطق حساسة مثل الخليج العربي وبحر العرب.

التطلعات حتى 2049: مزيج من الجودة والكمية

تُصنف الصين كالدولة الثالثة عسكرياً على مستوى العالم وفقاً لموقع Global Fire Power، مع تطلعات لتصدر الترتيب بحلول عام 2049. يستند هذا الطموح إلى قاعدة تصنيع عسكري ضخمة وتحسينات ملحوظة في بعض التقنيات المتطورة.

مع ذلك، يحذر باحثون مثل ميك رايان من معهد CSIS أن التقدم التكنولوجي لا يضمن التفوق في العمليات العسكرية. بينما أثبتت العديد من الأنظمة الغربية كفاءتها في حروب حقيقية مثل العراق وأوكرانيا، لا تزال الأنظمة العسكرية الصينية بحاجة إلى اختبارات ميدانية لتقييم جدواها الفعلية.

تشير هذه الحقائق إلى أهمية تقييم الشراكات الدفاعية، خاصةً لدول الخليج التي تسعى إلى تنويع مصادر تأمين الأسلحة. على الرغم من الجاذبية السعرية للأنظمة الصينية، إلا أن غياب سجل موثوق من العمليات العسكرية يؤكد ضرورة الفصل بين العوامل الاقتصادية وفاعلية الأداء القتالي في البيئات المعقدة.

استنتاج استراتيجي

لا يمكن إنكار ما حققته الصين من تقدم ملحوظ في تطوير قدراتها العسكرية والبنية الصناعية المتقدمة، لكن هذا التقدم يواجه تحديات عديدة مثل نقص الخبرة القتالية وضعف الانتشار العالمي. هذه العناصر تشكل جوهر الجاهزية العسكرية لديها.

تظهر قوة الصين اليوم كمصدر محتمل للتأثير أكثر من كونها مصدرًا موثوقًا. إذ تُظهر التجارب التاريخية أن القوة العسكرية لا تُقاس فقط بمدى تطور المعدات، بل بقدرتها على العمل في حالات القتال الفعلية تحت الضغط. لذا تبقى قدرة الصين على أن تصبح شريكاً أمنياً فاعلاً، سواء على المستوى العالمي أو في مناطق حساسة كمنطقة الخليج العربي، مرتبطة بتجاوز الفجوات العملياتية والعقائدية، وليس بزيادة وجودها الاقتصادي أو الدبلوماسي فقط.

تواجه الصين حالياً مفترقا استراتيجيا حاسما: إما أن تحقق تقدمًا ملموساً نحو الجاهزية العسكرية الفعلية، أو أن تؤكد مرة أخرى القاعدة التاريخية التي تفيد بأن صعود القوى الكبرى يحتاج إلى اختبار فعلي في ميدان القتال.

نقلاً عن موقع الرؤية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى