
علي الهاشم – باحث ومختص بمجال الطيران و الأنظمة الدفاعية

في الفترة الأخيرة، تصدرت المسيرة الإيرانية “شاهد” المشهد العسكري العالمي، مما أثار جدلاً كبيراً حول جذور تصميمها. اعتقد الكثيرون أنها ابتكار فريد استنسخته القوى العظمى، إلا أن الحقائق التاريخية والتقنية تسرد رواية مغايرة تتطلب منا التعمق وفهم الأصول الحقيقية لهذا السلاح.
يعود التصميم الهندسي لهذه المسيرة، المعتمد على جناح مثلثي (Delta Wing) بمحرك خلفي وحواجز توازن طرفية، إلى المدرسة الهندسية الألمانية في الثمانينيات. في تلك الفترة، كانت ألمانيا متقدمة في تطوير المفهوم الحديث “للذخائر المتسكعة”، مما أفضى إلى إنشاء المسيرة “DAR” (التي تعني Die Drohne Antiradar)، وهي منصة مختصة في تحييد الرادارات المعادية.
انتقلت هذه التقنية بعد ذلك إلى العراق خلال حربه مع إيران، حيث قامت الشركة الألمانية بتحويل تكنولوجيا هذه المسيرة إلى بغداد. على الرغم من أن الحرب أعاقت تنفيذ البرنامج، إلا أن العمل استؤنف في عام 1993، مما أدى إلى تطوير عدة نماذج عراقية لا سيما “سراب 3” الذي يشبه النسخة الألمانية الأصلية.
بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، انتقلت مخططات هذه المسيرات إلى أطراف أخرى، حتى وصلت إلى طهران، لتكون الأساس الذي انطلقت منه عائلة “شاهد” الشهيرة. هذه المسيرات اليوم تلعب دورًا بارزًا في الصراعات بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك المواجهات الإيرانية الإسرائيلية.
تميز التصميم الألماني جعله معيارًا عالميًا اعتمدته العديد من الدول، بدءًا من “هاربي” الإسرائيلية وصولاً إلى النسخ المعاصرة الروسية والأمريكية. وبذلك، يظل هذا التصميم إرثًا تقنيًا ألمانيًا، وما نراه اليوم ليس سوى تطورات على أساس هندسي تم وضعه منذ عقود في برلين.








