أسامة إبراهيم سرايامقالات رأي

قوة الذكاء الاصطناعي: ملامح صراعات الغد

أسامة إبراهيم سرايا

قبل عدة أيام، خلال زيارتها لقاعدة مشاة البحرية الأميركية في ولاية كارولاينا الشمالية، ألقت السيدة الأولى ميلانيا ترامب خطاباً لم يحظَ بالاهتمام الكافي رغم أهميته.

تحدثت السيدة الأولى في الولايات المتحدة عن حروب المستقبل وكيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على طبيعة الحروب التي نعرفها، حيث أكدت أن الذكاء الاصطناعي سوف يحدث ثورة غير مسبوقة في مجالات الحرب وتصنيع الأسلحة لم يشهدها العالم منذ وضع صيغ الأسلحة النووية.

تعتبر تصريحات السيدة الأولى دقيقة في تفاصيلها، لكن التفاصيل دائماً تحتوي على جوانب خفية.

على مر القرون، منذ اكتشاف الإنسان لصناعة السلاح واستخدامه سواء لمساعدته في الحياة اليومية أو في الصراعات مع الآخرين، كانت الأمور تتسم بالبساطة.

تجلى هذا البساطة في أن الأسلحة التقليدية بجميع أنواعها كانت تعتمد على مشغل بشري، حيث يُعد هذا الفرد الوحيد القادر على اتخاذ القرار بغض النظر عن صحة هذا القرار من عدمه. ولكن، فإن الصيغة الجديدة للحروب التي يحملها لنا الذكاء الاصطناعي تعبر عن تعديل جذري في هذا النظام، مما يقلص من قدرة البشر على اتخاذ القرارات ويُتوقع أن يؤدي إلى تحولات هامة في شكل الحروب وأساليب خوضها.

المخاطر المحتملة التي يمثلها الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة مثل البيولوجيا والفضاء السيبراني أصبحت واضحة، حيث يتمكن من إزالة الحواجز البشرية مما يمكّن الأنظمة من تنفيذ هجمات أسرع وعلى نطاق أوسع، وهو نفس النمط الذي يظهر بوضوح عند تطبيقه على الأنظمة العسكرية التقليدية.

يفترض العديد من الاستراتيجيين أن التطور في مجال الأسلحة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي يسير بخطوات لم يسبق لها مثيل، وغالباً ما تكون نتائجها غير مدروسة، إذ يتابع المجتمع العسكري والصناعي عن كثب مدى النجاحات التي تحققها الآلات في الإدراك والاستجابة السريعة والمتطورة لأي بيئة قتالية، بغض النظر عن التعقيدات الميدانية، سواء في القدرة على تجاوز أنظمة الدفاع الأوتوماتيكية المبكرة أو تنفيذ مناورات دقيقة تفوق قدرة المشغل البشري، بالإضافة إلى تكاليف منخفضة مقارنة بالآلات التقليدية. هذه النجاحات تجعل متخذ القرار يميل نحو تقليل الاعتماد على العنصر البشري لتحقيق الأهداف المنشودة.

في بحثهما “مخاطر الذكاء الاصطناعي: من القدرات الخطيرة إلى التهديدات الوجودية” الذي تم نشره قبل عدة أسابيع، يضع الباحثان ماركوف غراي وشربل رافاييل خريطة شاملة لمخاطر الذكاء الاصطناعي، بدءاً من الأضرار الحالية ووصولاً إلى التهديدات الوجودية التي قد تؤثر على مستقبل الإنسانية.

يقسم المؤلفان المخاطر إلى ثلاثة أنواع رئيسية، مع مجموعة من العوامل التي قد تُعزز شدة المخاطر أو تفاقم نتائجها.

يعتبر البحثان أن أكبر خطر يكمن في سوء الاستخدام البشري للذكاء الاصطناعي، سواء كان ذلك بتصميم أسلحة بيولوجية أو تنفيذ هجمات سيبرانية أو التوسع في استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل.

تعتبر الأبحاث أن مخاطر الأسلحة ذاتية التشغيل قد تخرج عن السيطرة، خاصة أن النظام المعتمد على الذكاء الاصطناعي قد أظهر قدرة ملحوظة على التخلي عن القواعد أو تنفيذ انقلابات خادعة أو عمليات تضليل واسعة لنماذج تصرف بشكل مختلف عن النوايا المطروحة بعد القيام بتحسينات ذاتية دون تدخل بشري.

الجدير بالذكر أن العديد من الدراسات المتعلقة بالتخطيط العسكري وإدارة الحروب قد أظهرت أن نماذج الذكاء الاصطناعي كثيراً ما توصي باللجوء إلى خيارات أكثر عدوانية مقارنة بالدراسات التي تعتمد على استراتيجيات بشرية، بما في ذلك الاقتراح باستخدام الحل النووي في سيناريوهات محاكاة لخطط عسكرية متعددة.

تعتبر النتائج الكارثية المحتملة مثيرة للقلق، إذا تم تنفيذها فعلياً من قبل نماذج قادرة على اتخاذ قرارات تؤدي إلى انتصار عسكري سريع وحاسم، حتى لو مكّن ذلك من فقدان حياة الملايين أو تدمير دول كاملة بدون أي شعور بالذنب أو رحمة، والتاريخ مليء بالأمثلة التي لعب فيها العنصر البشري دوراً محورياً في اتخاذ القرارات الإنسانية خلال اللحظات الحرجة، مثل أزمة صواريخ كوبا أو قرار الضابط السوفييتي ستانيسلاف بيتروڤ بعدم التصديق على تحذير الإنذار المبكر الذي كان يشير إلى إطلاق صواريخ.

خمسة صوراخ نووية أميركية تجاه الاتحاد السوفيتي.

تشير النزاعات والحروب العصرية إلى العديد من الأمثلة لاستخدام أسلحة مستقلة ذاتية التشغيل، وهو ما يدل على سرعة دمج هذه التقنية في الميدان الفعلي. وثقت التقارير المقدمة إلى مجلس الأمن استخدام طائرات مسيرة ذاتية التشغيل في ليبيا عام 2021، وكذلك تقارير أخرى تؤكد استخدام الطائرات المسيرة في النزاع الروسي الأوكراني من الجانبين. كما وجدت تقارير تفيد بأن الجيش الإسرائيلي اعتمد نفس النهج خلال النزاع في غزة. ومن الأمثلة المشهورة اختبار وكالة داربا الأميركية لنظام ذكي خلال إحدى مناورات القتال الجوي لمقاتلات إف 16، حيث استطاع الطيار المعتمد على الذكاء الاصطناعي تحقيق انتصار على طيار متمرس من سلاح الجو الأميركي، مع دقة فوق العادة في التصويب وتنفيذ مناورات معقدة لا يستطيع الإنسان مجاراتها.

إن الضغط المتزايد الناتج عن الأسلحة ذاتية التشغيل يقود نحو سباق تسلح تكنولوجي مقلق. خاصة عندما تقوم دولة ما بتطوير قدرات عسكرية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يدفع الدول الأخرى لمضاهاة هذه القدرات سريعاً للحفاظ على التوازن الاستراتيجي. الإدراك الشائع بأن الحفاظ على التوازن العسكري أمر بالغ التعقيد يتطلب أخذ كثير من العوامل بعين الاعتبار، بما في ذلك الضغوط الاقتصادية والتكاليف المرتفعة للبرامج العسكرية التقليدية، والقدرة على اتخاذ القرارات السريعة في الميدان، والكم الهائل من البيانات والمعلومات، والعقبات المتعلقة بالاتصالات والبيئات القتالية المعقدة.

نتيجة لهذه التحديات، تركز العديد من برامج التطوير العسكري بشكل متزايد على نظم قادرة على العمل بإشراف بشري محدود أو بدونه. هذه الاستقلالية ستغير مضمون الصراعات المستقبلية التي ستعتمد على مجموعات ضخمة من الأنظمة الذكية التي تتخذ قرارات متناسقة بسرعة تفوق قدرة البشر على المتابعة أو السيطرة. إن الأتمتة الكاملة ستؤدي تدريجياً إلى تقليص الضوابط البشرية التقليدية التي حدت من التصعيد في الماضي، مما يمثل مخاطر كارثية خاصة إذا كانت هذه الأنظمة مرتبطة بأسلحة دمار شامل أو أنظمة إنذار نووية.

العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى