
مقابلة حصرية مع فيليب دوهاميل: مستقبل الحرب الإلكترونية
في معرض دبي للطيران، أتيحت لــ رماية الفرصة لإجراء مقابلة حصرية مع فيليب دوهاميل، نائب الرئيس التنفيذي لأنظمة المهام الدفاعية في شركة تاليس. كانت هذه المقابلة تهدف إلى استكشاف الحلول المتطورة في مجال الحرب الإلكترونية (EW) التي توفرها تاليس، بالإضافة إلى تسليط الضوء على استراتيجيتها لمواجهة التهديدات الحديثة المعقدة.
التوجهات الجديدة في الحرب الإلكترونية: تكنولوجيا متقدمة للطائرات بدون طيار
تقدم تاليس في المعرض حلولاً فريدة للحرب الإلكترونية لكافة أنواع المنصات، ولكن أبرز الابتكارات كانت تلك التي تتعلق بتطوير حمولات متخصصة للطائرات بدون طيار وأنظمة غير مأهولة. يعتبر نظام CURCO مثالًا بارزًا على هذه التقنية، حيث يُستخدم كحمولة استخبارات إلكترونية (ELINT) للطائرات الصغيرة جداً، قادرة على رصد الرادارات وأنظمة التوجيه.
يتضح من حديث دوهاميل أن مفهوم الحرب الإلكترونية في تاليس يعتمد على “المستشعرات أولاً”. ذلك يعني أن الأنظمة تأتي بعد تلك المستشعرات، مما يمكّن المشغلين من اتخاذ الإجراءات بناءً على البيانات التي تُجمع.
هذا التقدم في الحمولات المخصصة للأنظمة غير المأهولة هو استجابة طبيعية للتغيرات الجذرية في طبيعة التهديدات التي تواجهها القوات الحديثة في ساحة المعركة الرقمية.
بيئة تهديدات متزايدة التعقيد: كيف تتأقلم تاليس؟
تشهد بيئة التهديدات تطورًا سريعًا، وهذا ما يوضحه دوهاميل من خلال تحليل ثلاثة عوامل رئيسية:
- كثافة الطيف الكهرومغناطيسي: حيث تضاعف عدد الرادارات المتاحة في الفضاء، مما يزيد من صعوبة الكشف.
- مرونة التهديدات: حيث تستطيع الرادارات الحديثة تغيير خصائصها باستمرار، مما يجعل التعرف عليها أكثر تعقيدًا.
- ظهور تهديدات جديدة: مثل أنظمة التشويش المحمولة جواً والمثبتة على الطائرات بدون طيار، وهذا يزيد من تعقيد ساحة المعركة.
الصراعات الحديثة، مثل تلك التي حصلت في أوروبا الشرقية، أثبتت أن الحرب الإلكترونية أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. إن التفاعل بين الكثافة والمرونة والتهديدات المستحدثة يستدعي إعادة التفكير في الاستراتيجيات، وهو ما تبنته تاليس من خلال ابتكارات متعددة الأبعاد.
استراتيجية تاليس: الركائز الأساسية للابتكار
لمواجهة هذا التعقيد المتزايد، يشير دوهاميل إلى أن استراتيجية تاليس لا تقتصر على تقنية واحدة بل تتضمن بنية متكاملة. يشبه هذه الاستراتيجية “كرسيًا بثلاث أرجل وقاعدة”، حيث يكون كل جزء من هذا النظام بالغ الأهمية لتحقيق النجاح.
- المكونات الإلكترونية (الأجهزة): تتألف الركيزة الأولى من التحول الجذري من الكشف التناظري (Analog).
التحول الرقمي في رماية: أساسيات هامة
التوجه نحو الكشف الرقمي يتطلب تكنولوجيا متطورة. تلك التكنولوجيا تشمل مكونات مادية جديدة وقوية قادرة على التعامل مع نطاقات ترددية واسعة، تمتد من بضعة ميغاهرتز إلى عشرات الجيغاهرتز.
بنية النظام الحديثة
تصميم أنظمة جديدة تماماً يصبح ضرورة بعد دخول هذه المكونات الجديدة والبيانات الضخمة. الأمر يتطلب طرقاً مبتكرة لمعالجة وتنظيم هذا التدفق الهائل من المعلومات.
البرمجيات والذكاء الاصطناعي
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في هذا التطور. وما يؤكده دوهاميل هو أن تطبيق الذكاء الاصطناعي أصبح ممكناً بفضل الأجهزة والأنظمة الجديدة التي تنتج كميات هائلة من البيانات. النظام الرقمي الحديث ينتج تيرابايت من البيانات، مقارنة بأنظمة التناظر القديمة التي كانت تنتج كيلوبايت واحدة في الثانية، مما يمثل زيادة هائلة تصل إلى مليار ضعف.
منهجيات التطوير العصرية
تلك المنهجيات هي ما يربط الأجزاء المختلفة من النظام معاً. بالرغم من تعقيد الأنظمة، إلا أن تقنيات الهندسة الحديثة تسمح بتقديم جدول زمني لتطوير فعال، مما يساعدنا على إدارة التعقيد بكفاءة.
وسط هذه العناصر الأساسية، يظهر الذكاء الاصطناعي كعامل تمكين رئيسي، لم يعد خياراً بل أصبح حاجة ملحة للتعامل مع هذا الواقع الرقمي الجديد.
عقل العملية: الذكاء الاصطناعي الموثوق
هذا الكم الهائل من البيانات يستدعي خيارات متطورة. استثمار تاليس في مفهوم “الذكاء الاصطناعي الموثوق” يعزز قدرة تحويل البيانات الأولية إلى معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ. يقدم هذا الذكاء الاصطناعي أمثلة عملية تبرز فاعليته:
- الرادار الذكي: يساعد في تحديد الأهداف المهمة بسرعة خلال الظروف التكتيكية المزدحمة.
- أداة الذكاء الاصطناعي الذهبي: تقوم بتسريع التحضيرات للحرب الإلكترونية من خلال تحليل بيانات ضخمة لتحديد التهديدات المحتملة.
تاليس تؤكد على سياستها الأساسية من خلال مفهوم الذكاء الاصطناعي الموثوق، الذي يقدم مقترحات للمشغل لكنها تضمن دائمًا أن القرار النهائي بيد الإنسان لضمان السيطرة على اتخاذ القرار.
لضمان هذا المبدأ، تم إنشاء منظمة عالمية للذكاء الاصطناعي تُعرف بـ “CortAIx”، وهي مسؤولة عن تقديم ضمانات حول أمان وموثوقية أنظمة الذكاء الاصطناعي. هذه التقنيات تمهد لموجة جديدة من الابتكارات المستقبلية.
رسم ملامح المستقبل: ابتكارات الحرب الإلكترونية
حددت تاليس اتجاهات المستقبل في مجال الحرب الإلكترونية على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، والتي تشمل:
- توسيع نطاق المستشعرات: لتغطية ترددات أعلى وأدنى، مواكبةً لتطورات الرادارات.
- زيادة سرعة الكشف الرقمي: مضاعفة السرعة بمعدل يصل إلى 10 أضعاف خلال 5-7 سنوات.
- تطوير خوارزميات جديدة: لتعزيز الكفاءة في البيئات المكتظة.
- الحرب الإلكترونية التعاونية: حيث تتواصل الأنظمة بشكل متسق.
استراتيجية متكاملة لمواجهة تحديات الغد
تجري مقابلة فيليب دوهاميل، حيث تكشف أن شركة تاليس لا تكتفي فقط بمواكبة التطورات في الحرب الإلكترونية، بل تسعى لتشكيل مستقبل هذا المجال من خلال استراتيجية شاملة. تجمع هذه الاستراتيجية بين الأجهزة المتطورة، والبرمجيات الذكية، والذكاء الاصطناعي الموثوق، ومنهجيات التطوير المتقدمة.
من خلال التزامها القوي بدعم الاحتياجات التشغيلية لشركائها في المنطقة، تعمل تاليس على وضع نفسها في مقدمة الشركات التي تقدم حلولاً دفاعية فعالة، تلبيةً لتحديات الغد المعقدة.
نهج مخصص للشرق الأوسط: تلبية الاحتياجات التشغيلية للمنطقة
توثق تاليس التزامها العميق تجاه عملائها في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. تعتبر الشركة المحلية، “TSMR technologies”، جزءاً حيوياً من استراتيجيتها لضمان تقديم خدمات التطوير والإنتاج والدعم، مما يمنح القوات الإقليمية “أقصى درجات الاستقلالية”.
عند مناقشة التعديلات اللازمة لتتناسب مع البيئة القاسية في المنطقة، أوضح دوهاميل أن الأنظمة صُممت “منذ اليوم الأول” لمواجهة المتطلبات العالمية، مثل الحرارة والغبار والرمال التي تميز بيئة الشرق الأوسط. كمثال، ذكر رادار “Grandmaster”، الذي تم تصميمه مع أخذ هذه الظروف بعين الاعتبار منذ بدايات تطويره.
اختتم دوهاميل حديثه بنبرة مرحة، مشيراً إلى أن التعديل الأكثر أهمية يكمن في تغيير لون الطلاء من الأخضر إلى “التمويه الصحراوي”.
الكشف متعدد المستشعرات (Multi-sensor detection)
يجمع الكشف متعدد المستشعرات بيانات الحرب الإلكترونية مع مستشعرات إلكترونية أخرى لتقديم رؤية أكثر شمولاً ودقة للوضع التكتيكي.
إن هذه الرؤية المستقبلية تتجاوز التطوير التقني، وتمتد لتشمل التزاماً عميقاً بتكييف هذه القدرات لتلبية المتطلبات الفريدة لمنطقة الشرق الأوسط.




