
تمتد مكانة الجيش المصري من عقود مضت، حيث يتصدر كواحد من أبرز القوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. يساهم في ذلك تكامل استراتيجيات متعددة تشمل التسليح المتنوع والخبرة الواسعة والقدرة الفائقة في إدارة المناورات والعمليات المتنوعة.
وفقًا لتقرير Global Firepower 2025، يحتل الجيش المصري المرتبة التاسعة عشرة عالميًا، مما يعكس بشكل واضح تطور قدراته وتحسين أنظمة تسليحه الرئيسية، لا سيما في المجالات الجوية والبحرية والبرية.
تؤكد أ.د. غادة محمد عامر، خبيرة الذكاء الاصطناعي بمركز المعلومات واتخاذ القرار ورئاسة مجلس الوزراء، أن “الجيش المصري يخطو خطوات مدروسة نحو دمج التكنولوجيا المتقدمة في أنظمته القتالية، ليس فقط لمواجهة التطورات العالمية، بل لتطوير نموذج دفاعي عربي قادر على اتخاذ قرارات سريعة ودقيقة في بيئات معقدة ومتغيرة.”
- السيطرة الجوية: سلاح الجو المصري
يجسد سلاح الجو المصري تنوعًا مذهلاً، إذ يجمع بنجاح بين الطائرات الغربية والشرقية، مما يتيح له مرونة عملياتية وقدرات تكتيكية متقدمة.
تشكل مقاتلات رافال الفرنسية الأساس الرئيسي للقوة الجوية الحديثة، حيث تنفذ ضربات متقنة بفضل رادار AESA وصواريخ ميكا وسكالب. تم تصميم أنظمة رافال بحيث تعمل بسلاسة مع منصات أخرى، مما يزيد من التنسيق بين قوات الجو المصري. تساهم هذه الطائرات أيضًا في تأمين المجال الجوي واعتراض الطائرات المعادية على مسافات بعيدة، مما يُعزز القدرات الاستراتيجية للجيش.
تستمر F-16 الأمريكية في القيام بدور حيوي في الدفاع الجوي، مدعومة بطائرات الإنذار المبكر E-2C Hawkeye التي توفر تغطية رادارية شاملة.
تشير د. غادة عامر إلى أن “الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أصبحا محورين أساسين في ضمان التفوق الجوي، حيث يعمل الجيش المصري على تطوير خوارزميات تحليل بيانات الطيران القتالي، مما يحسن من زمن الاستجابة ودقة التنبؤ بالتهديدات.”
- درع الأرض: القوة المدرعة والمدفعية
تحافظ القوات البرية المصرية على صدارة اعتمادًا على تجربة ميدانية غنية وقدرات صناعية قوية. تُعتبر دبابة M1A1 Abrams القوة الضاربة الرئيسية، حيث يمتلك الجيش أكثر من 1100 دبابة تُجمع محليًا.
تخطط القاهرة لتحديث أسطولها من خلال دمج دبابات حديثة مثل K2 Black Panther الكورية أو T-90MS الروسية، مما يعزز مرونة القوات عند التعامل مع تحديات متعددة.
تعتمد المدفعية المصرية على أنظمة متقدمة مثل M109A5 Paladin وراجمات BM-21 Grad، بالإضافة إلى راجمات محلية تمثل قوة نارية مدمرة في الدعم الميداني.
تؤكد د. غادة عامر أن “التحول نحو الأتمتة المستخدمة في أنظمة المدفعية والدبابات يشكل المستقبل في الاشتباك البري، حيث بدأت القوات المصرية في اختبار حلول الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الإسناد الناري وتقليل الأخطاء.”
- الهيمنة البحرية من المتوسط إلى الأحمر
تعكس البحرية المصرية تطوراً كبيراً في استراتيجياتها البحرية، مما يضمن تفوقها على السواحل المصرية. تتجه البحرية نحو تعزيز قدراتها من أجل تأمين المصالح الوطنية عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
شهدت القوات البحرية المصرية تحولاً كبيرًا في العقد الأخير، مما جعلها من القوى البحرية الأكثر تطورًا في الشرق الأوسط.
لقد عززت القاهرة إمكانياتها الاستراتيجية من خلال اقتناء حاملتي المروحيات من طراز ميسترال (Mistral)، التي تسمح بنقل القوات والمعدات وتشغيل مروحيات هجومية مثل Ka-52K.
تساهم الفرقاطات الحديثة مثل FREMM Tahya Misr والفرقاطات الألمانية MEKO A200 في تأمين حركة الملاحة في قناة السويس والبحر الأحمر.
بدورها، دخلت غواصات Type 209/1400mod الألمانية الخدمة، مما زود مصر بقدرة ردع تحت الماء تتسم بالصمت في أعماق المحيطات.
تؤكد د. غادة عامر أن “الجيل المقبل من الحرب البحرية سيكون مبنيًا بالكامل على الأنظمة الذاتية والمراقبة الذكية”. وقد أضافت أن هذا الاتجاه يدفع مصر نحو تعزيز قدراتها في تحليل البيانات البحرية، مما يضمن السيطرة الكاملة على المسارح البحرية وحماية الممرات الاستراتيجية.
- الدفاع الجوي: شبكة متكاملة ومتعددة الطبقات
منذ حرب أكتوبر عام 1973، تطورت عقيدة الدفاع الجوي المصري بشكل مستقل. تشمل الأنظمة الحالية “بوك-M2E”، و”تور-M2″، و”S-300VM Antey-2500″، بالإضافة إلى أنظمة محلية مثل “طير الصباح”، تحت إشراف هيكل قيادة سيطرة رقمي متكامل (C2).
تتيح هذه الشبكة متعددة الطبقات القدرة على رصد ومعالجة التهديدات الجوية بدقة عالية وبأوقات استجابة أقل. تعتمد في ذلك على التكامل بين الرادارات والبطاريات الصاروخية ووحدات الحرب الإلكترونية.
د. غادة عامر تُبرز أن “الأنظمة الذكية تُعتبر عنصر الأمان ومستقبل الدفاع الجوي المصري، خاصة في إدارة التشويش الإلكتروني والتصنيف التلقائي للأهداف”. حيث أصبحت الخوارزميات قادرة على تمييز التهديدات الحقيقية من الزائفة بدقة تفوق قدرة الإنسان، مما يعزز من ردع مصر الجوي.
- الصواريخ والطائرات المُسيَّرة: تكنولوجيا الردع الصامت
في وقت مبكر، أدركت مصر أن حروب المستقبل تُعتمد على الدقة والبيانات بدلًا من العدد، فقامت باستثمار كبير في برامج الصواريخ والطائرات غير المأهولة.
ركزت الهيئة العربية للتصنيع على تطوير المنظومات المحلية مثل “صقر 45″ و”صقر 80” بمدى يتجاوز 80 كم، بينما وزارة الإنتاج الحربي تعمل على تطوير منصات ذكية لإنشاء توجيه رقمي للصواريخ أثناء الطيران.
كما أنتجت مصر طائرات Wing Loong وCH-5 الصينية بالتعاون مع بكين، مما يوفر قدرات استكشاف وضربات دقيقة بتكلفة منخفضة.
تضيف د. غادة عامر أن “الاتجاه نحو الذكاء الاصطناعي والحوسبة الذكية سيحول المنظومات إلى شبكة قتالية مترابطة، قادرة على اتخاذ قرارات شبه ذاتية، مما يزيد من قدرة الردع بدقة وبتكلفة منخفضة.”
- القوة البشرية والعقيدة القتالية: سر الصلابة الكامنة
يضم الجيش المصري أكثر من 450 ألف جندي، مدعومين بنظام احتياطي فعال، ويخضعون لتدريب متطور في الأكاديمية العسكرية ومراكز التدريب المشتركة.
تركّز القيادة على دمج التكنولوجيا الرقمية في التعليم العسكري، مثل المحاكاة التكتيكية والواقع الافتراضي، لتطوير التفكير التحليلي لدى الضباط.
نحو جيش ذكي شامل الطيف
يوضح مسار التطوير العسكري المصري أن القوة الحقيقية لا تكمن فقط في اقتناء الأسلحة الحديثة، بل في بناء منظومة ذكية متكاملة قادرة على التفاعل مع التهديدات المعقدة بكفاءة عالية. إن دمج الذكاء الاصطناعي في نظم القيادة والتحكم والتدريب يمثل الخطوة التالية نحو جيش ذكي شامل.
تختم أ.د. غادة عامر بتصريحها: “الجيش المصري لا يسعى للتحديث فقط، بل للتحول المعرفي. عندما تصبح المعلومة والسلوك والآلة جزءًا من منظومة واحدة، نكون أمام قوة لا تُقهر.”
بينما تتجه القوى العسكرية حول العالم نحو شبكات الحرب والبيانات، تثبت القاهرة التزامها بأن تكون في مقدمة من يمتلك مفاتيح المستقبل العسكري الذكي، حيث تبقى المعادلة واضحة: من يمتلك القرار الآلي الواعي، يمتلك القدرة على الردع الحقيقية.





