أ.د. غادة محمد عامرمقالات رأي

ابتكارات العصر الحديث في ظل مخاطر صراع عالمي ثالث

أ.د. غادة محمد عامر
خبير الذكاء الاصطناعي – مركز المعلومات واتخاذ القرار – رئاسة مجلس الوزراء
زميل ومحاضر – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

لطالما أثار مفهوم الحرب العالمية الثالثة مخاوف عديدة ونقاشات لا تنتهي. وعلى الرغم من الأزمات العالمية الم devastative التي شهدها القرن العشرين، قد يظن البعض أن العالم سيتجنب وقوع نزاع كبير آخر. ومع تصاعد التوترات الدولية وانتهاكات القانون الدولي من قبل بعض الدول، يجب علينا أخذ هذه الفكرة مأخذ الجد، خاصةً فيما يتعلق بالأحداث الجارية في المنطقة العربية وأوروبا وآسيا. يمثل هذا السياق أفقًا يبدو أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال.

لقد كانت التكنولوجيا ونقل الأسلحة الحديثة في المعارك المعاصرة على علاقة وثيقة بالتطورات التكنولوجية. فلم يقتصر استخدام الحربين العالميتين في القرن العشرين على تكنولوجيا زمنهما فحسب، بل كانت أيضًا محركًا رئيسيًا متجددًا للابتكار. واستفادتا الصراعات العالمية بشكل كبير من التقدم الصناعي والعلمي، مما دفعها لتجاوز الحدود. إذ شهدنا التحول من المجزرة الصناعية التي شهدتها الحرب العالمية الأولى إلى الإبادة النووية في الثانية، ما أدى إلى علاقة متشابكة بين التكنولوجيا والحرب، دخلت فيها مرحلة جديدة من التهديدات.

لقد كانت الحرب العالمية الأولى تحولًا هامًا في التاريخ العسكري حيث أدت الثورة الصناعية إلى أهداف جديدة للحرب. أصبحت الصراعات تعتمد بشكل متزايد على الإنتاج والقدرات اللوجستية بجانب التكتيك الحربي. القوة النارية للمدافع الرشاشة والمدفعية شكلت خطرًا كبيرًا على العمليات التقليدية. كما أن استخدام الغاز السام لأول مرة خلال معركة أيبرس الثانية في 22 أبريل 1915 كان ابتكارًا مرعبًا، رغم أن قيمته الاستراتيجية كانت محدودة. بينما كان تطوير الدبابات عام 1916 علامة بارزة حيث ساهمت في اختراق الخطوط الألمانية عام 1918.

إذا كانت الحرب العالمية الأولى تعكس صراع الاستنزاف الصناعي، فإن الحرب العالمية الثانية قامت على نظام من التكامل التقني والتخطيط الاستراتيجي. اتسعت ساحات المعركة لتشمل الجو وأعماق المحيطات وكذلك مجال المعلومات. غيّرت التكنولوجيا ديناميكية الحرب بشكل جذري، وبفضل التطورات في الاستشعار والاتصالات، مثل الرادار، تمكنت القوات من تحقيق ميزة استراتيجية حاسمة.

في زمن الحروب، جلبت التطورات التكنولوجية تحولًا جذريًا في استراتيجيات الدفاع الجوي والعمليات البحرية. سمح استخدام الأجهزة الحديثة بالكشف عن طائرات وسفن العدو على مسافات بعيدة، مما أضاف بُعدًا جديدًا لتكتيكات الحرب. في هذا السياق، ساهمت ثورة التشفير وعلوم الحوسبة بإنتاج آلات تاريخية مثل “بومب” Bombe و”كولوسوس” Colossus، التي استُخدمت لفك شيفرتي “إنيغما” Enigma و”لورنز” Lorenz الألمانيتين. وقد شكلت هذه الآلات أساسيات الحوسبة الحديثة، مبدية بوادر لدخول عصر المعلومات.

لم تقف الابتكارات هنا، فقد كان المحرك النفاث، الذي تم تطويره في كل من ألمانيا وبريطانيا، السبب في تحويل نماذج الطائرات ذات الدفع المروحي إلى آلات عتيقة. أحدث هذا التحول قفزة نوعية في مجالات الطيران العسكري والمدني على حد سواء. وعلى الرغم من هذا، فإن المشروع الأكثر تأثيرًا كان “مانهاتن” – البرنامج السري الذي وُلد خلال الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة، والذي أدى إلى تطوير الأسلحة النووية. ظهور القنبلة الذرية لم يكن مجرد انفجار قوى عسكرية جديدة، بل كان تغييرًا جذريًا في طبيعة الصراعات، حيث جمع قوة تدميرية هائلة في سلاح واحد. تجلى ذلك في قصف “هيروشيما” و”ناغازاكي”، مما ساهم في إنهاء الحرب مع اليابان وفتح فصلاً جديدًا في السياسة العالمية، ميزه احتمال التدمير الكامل للبشرية.

التقنيات العسكرية لم تكن محايدة؛ بل كانت عوامل فعالة شكلت استراتيجيات وصاغت ملامح المعاناة البشرية.

تلك التقنيات ولدت من تفاعل معقد بين الطموح العسكري والقدرات الصناعية والإرادة السياسية، مما أدى إلى سباقات تسلح جعلت النزاعات أكثر شراسة. إذا نظرنا إلى المستقبل، فإن احتمالية اندلاع حرب عالمية ثالثة تبرز كتحذير من استمرار هذا الاتجاه، مع تزايد أدوار تقنيات المعلومات والاستقلالية. إن التحدي في القرن الحادي والعشرين يتجاوز مجرد الحد من تقدم التكنولوجيا، بل ينطوي على وضع أطر أخلاقية وقانونية تنظم استخدامها في الصراعات. يجب على المجتمع الدولي تعلم الدروس من الماضي لضمان أن تطور الشؤون العسكرية يسير ضمن معايير تعزز السيطرة البشرية والاستقرار.

سوف تكون ساحة المعركة في المستقبل شاملة بشكل متزايد، حيث سيتم خوض الصراعات في البر والبحر والجو والفضاء. في بداية النزاعات، قد تُستخدم تقنيات الحرب الإلكترونية لتعطيل البنى التحتية الحيوية. كما ستصبح الأقمار الصناعية هدفًا استراتيجيًا في ساحة القتال. وفي هذا السياق، سيعتمد تطور الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد على إدارة هذه الأنظمة، مع دمج البيانات والخدمات اللوجستية والتحكم في الأنظمة القاتلة ذاتية التشغيل.

يعتبر التحدي الأبرز في هذا الإطار هو تراجع السيطرة البشرية، حيث سيكون اتخاذ القرار في الحروب المستقبلية أسرع من قدرات الإنسان. سيصبح الذكاء الاصطناعي القادر على تجاوز ردود الأفعال البشرية خطرًا حقيقيًا، مما قد يؤدي إلى تصعيد غير قابل للسيطرة. هذا ناشئ عن إمكانية تفسير الذكاء الاصطناعي للبيانات بشكل خاطئ، مما يرفع من احتمال وقوع حوادث مدمرة. بالإضافة إلى ذلك، تبقى الأسلحة النووية التهديد الأعظم، ولكن قد تظهر مخاطر جديدة من تقنيات التكنولوجيا الحيوية وتلاعب المناخ.

مع تزايد هذه التحديات، تصبح دقة تقارير الوضع ومدى موثوقيتها محورًا أساسيًا في قياس المخاطر، خاصة في أوقات الأزمات العالقة. يجب على الدول أن تبذل جهدًا لضمان تقييمات الوضع التي لا تتأثر بالتحيزات، لأن الأخطاء في سيناريوهات الحروب قد تكون فتاكة وتتسبب في عواقب غير متوقعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى