المدرعات الحديثة: من هياكل فولاذية صلبة إلى منظومات ذكية مرنة

خاص – دفاع العرب
غيرت المدرعات الحديثة من ديناميكية ساحة المعركة بشكل جذري. لم يعد دورها مقتصرًا على حماية الجنود أو نقلهم عبر هياكل فولاذية سميكة، بل تحولت إلى أنظمة ذكية تملك القدرة على إدارة القتال بكفاءة ومرونة. تشير تقارير دولية إلى أن المدرعات لم تعد مجرد “هياكل فولاذية جامدة”، بل أصبحت منصات تكنولوجية تجمع بين الحماية النشطة، والذكاء الاصطناعي، والتكامل الشبكي، ومهارات التكيف مع تهديدات متنوعة، بدءًا من الطائرات المسيّرة وصولًا إلى الأسلحة الموجهة بدقة.
تاريخ الفولاذ وقيود الصلابة
برزت الدبابات والمدرعات كعناصر أساسية في نزاعات الحروب الكبرى خلال القرن العشرين، بدءًا من معارك الحرب العالمية الثانية وصولًا إلى النزاعات في الخليج. في بداياتها، اعتمدت هذه المركبات على الفولاذ السميك كحل لتعويض نقص الحماية التكنولوجية المتطورة.
- أسهمت الجدران الفولاذية في تعزيز القدرة على البقاء أمام النيران المباشرة، لكن ذلك جاء بتكلفة زيادة الوزن وتقليل القدرة على المناورة.
 - أوجدت الأسلحة المضادة للدروع مثل قذائف RPG والصواريخ الموجهة تحديات جدية جعلت الصلابة وحدها غير كافية.
 
مثلّت شركات مثل UralVagonZavod الروسية (التي تكلفت بإنتاج دبابة T-90M ومدرعة BMP-3) وGeneral Dynamics Land Systems الأمريكية (المصنِّعة لمدرعة M1A2 Abrams وStryker) حقبة تركيز على متانة الدرع السميك كوسيلة للبقاء، لكن هذا الواقع دفع نحو البحث عن حلول بديلة تتجاوز حدود الفولاذ.
ظهور الحماية النشطة
أطلقت التطورات في القرن الحادي والعشرين عصرًا جديدًا من أنظمة الحماية النشطة (APS).
- قدمت أنظمة مثل Trophy التي تطورها شركة Rafael Advanced Defense Systems الإسرائيلية وArena-M الروسية فكرة اعتراض المقذوفات في الجو قبل hitting المركبة.
 - زادت هذه التقنيات من فرص البقاء بنسب تصل حتى 80% ضد أنواع معينة من التهديدات، وفقًا لمزاعم الناتو.
 - أصبحت هذه النقطة تحولًا استراتيجيًا، حيث لم تعد المدرعات تعتمد فقط على “درعها”، بل تستطيع صد التهديدات بشكل شبه فوري.
 
شركات مثل Leonardo الإيطالية وKMW الألمانية تبنت هذه الابتكارات في منصاتها، حيث تم تجهيز مدرعة Puma IFV الألمانية بقدرات حماية نشطة عالية، مما غيّر معادلة القوة بين المهاجم والمدافع.
.jpg)
تفوق الذكاء الاصطناعي والتشبيك
في الوقت الراهن، تتبنى الجيوش العالمية مفهوم المركبة القتالية الشبكية، حيث لا يتولى السائق أو الطاقم فقط مسؤولية ساحة المعركة، بل تساهم أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في:
- تحليل المعركة في الوقت الحقيقي.
 - تقديم إنذارات مبكرة حيال تهديدات غير مرئية مثل الطائرات المسيّرة أو الهجمات الصاروخية.
 - إدارة النيران بشكل تلقائي، مع إمكانية اقتراح الأهداف أو حتى التعامل شبه الذاتي.
 
تصدرت شركات مثل BAE Systems البريطانية بمشروعها Ajax وHanwha Defense الكورية الجنوبية من خلال K21 وK808، بالإضافة إلى Rheinmetall الألمانية بمركبة KF-41 Lynx موجة إدماج أنظمة الذكاء الاصطناعي والشبكة في المدرعات، مما جعلها جزءًا من منظومة C4ISR المتقدمة للجيوش الحالية.
المرونة والسرعة العملياتية
تتجه الصناعة الدفاعية نحو تحقيق توازن بين الحماية وخفة الحركة:
- استخدمت المدرعات مواد مركبة (Composites) وألياف متطورة لتقليل الوزن مع الحفاظ على مستويات مرتفعة من الأمان.
 - أدت المحركات الهجينة والكهربائية إلى تحسين القدرة على المناورة وتعزيز المرونة، بالإضافة إلى تقليل البصمة الحرارية والصوتية.
 - طورت شركات مثل BAE Systems (CV90 MkIV) وHanwha Defense (Redback IFV) نسخًا هجينة، بينما استثمرت Oshkosh Defense الأمريكية في تصنيع مركبة JLTV التي تتمتع بخفة أكبر مقارنة بالهمفي التقليدية.
 
هذه التطورات تعكس التحول المستمر نحو المدرعات الحديثة التي تندمج فيها التقنيات المتقدمة في ساحة المعركة.
أثبتت النقلة الأخيرة أهمية “المدرعة الصامتة”، التي تمتاز بالقدرة على التحرك بسرية وكفاءة في البيئات الحضرية المعقدة.

التصدي للتحديات المتجددة
لم تعد التهديدات التقليدية هي الشغل الشاغل لمصممي المدرعات. اليوم، تواجه هذه المركبات معطيات جديدة تشمل:
- الطائرات المسيرة التي تستطيع استهداف المركبات المدرعة بدقة وبتكلفة منخفضة.
 - الذخائر الجوّالة التي أثرت على مجريات القتال في مناطق مثل أوكرانيا وناغورنو كاراباخ.
 - الهجمات السيبرانية التي يمكن أن ت disrupt الأنظمة الرقمية للمركبات.
 
استجابت شركات مثل Elbit Systems الإسرائيلية وSaab السويدية من خلال دمج تقنيات الحرب الإلكترونية داخل المدرعات، بما في ذلك أنظمة التشويش على الطائرات المُسيّرة واحتواء إشارات التوجيه. كما قامت Textron الأميركية بتطوير مركبات مثل M5 Ripsaw ذاتية القيادة بمزايا متقدمة للتصدي للطائرات دون طيار.

العلاقة بين الجندي والمركبة
لا تقتصر ثورة المركبات الحديثة على التكنولوجيا فحسب، بل تشمل أيضًا كيفية تفاعل الطاقم مع المركبة نفسها:
- تتيح واجهات الواقع المعزز (AR) للجندي رؤية شبه كاملة للمحيط من داخل المدرعة، كما هو في مشروع IronVision لشركة Elbit Systems.
 - تساعد الأنظمة الذكية في تقليل عبء متابعة تفاصيل المعركة، مما يمنح الطاقم الفرصة للتركيز على القرارات الاستراتيجية.
 - تعزز بيئات التدريب الافتراضي على مركبات مثل Boxer الألمانية-الهولندية قدرة الطاقم على التعامل مع سيناريوهات متعددة دون الحاجة للخروج إلى الميدان.
 
مدرعات المستقبل
تشير التوقعات من مراكز الأبحاث العسكرية إلى أن مدرعات الغد ستكون:
- خفيفة الحركة بفضل استخدام الدفع الكهربائي، كما هو الحال في مشاريع Hybrid-Electric Bradley الأميركية.
 - محمية ذاتيا بفضل مزيج من الدروع التفاعلية والحماية النشطة، كما هو مخطط في تطوير Armata T-14 الروسية.
 - مترابطة دائمًا بشبكات القيادة والسيطرة، مثل Stryker Dragoon.
 - مزودة بالذكاء الاصطناعي لتقليل الاعتماد على العنصر البشري.
 - قابلة للتشغيل عن بُعد أو حتى مزودة بقدرات ذاتية التشغيل كما في مشروع Milrem Robotics THeMIS الأوروبي.
 

دعوة لإعادة النظر
تجبر التغيرات في مجال المدرعات الحديثة الدول وصانعي القرار على إعادة تقييم استراتيجياتهم الدفاعية. لم يعد الاستثمار في الفولاذ كافيًا، بل أصبح من الضروري الاستثمار في البرمجيات والأنظمة الذكية لتعزيز القدرة على البقاء والتفوق. تمثل هذه المركبات اليوم مزيجًا من القوة المرنة والذكاء العملياتي، مما يجعلها عنصرًا حاسمًا في إعادة تشكيل معادلة القوة على الأرض.
فرصة الجيوش في موازنة التكاليف المرتفعة لهذه الأنظمة مع الحاجة الملحة لحماية أفرادها وتحقيق النصر في ساحات معركة تتجدد كل يوم تظل مسألة مثيرة للتفكير.
				



