صواريخ توماهوك: هل ينهار الردع النووي بقرار واشنطن تسليم صواريخ كروز بعيدة المدى لكييف؟

أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مخاوفه من أن احتمال تسليم صواريخ توماهوك الأمريكية بعيدة المدى لأوكرانيا قد يؤدي إلى “تصعيد نوعي جديد” في التوترات بين البلدين. أقر بوتين بأن دعم كييف بهذه الصواريخ “القوية” يُشكل تهديداً ملحوظاً لروسيا، إلا أنه أصر على أن ذلك لن يؤثر بشكل جوهري على مجريات المعركة، محاولاً التقليل من الأثر الاستراتيجي لتلك الأسلحة، بينما يحذر في نفس الوقت من تداعيات سياسية أكبر.
في تصريح مباشر، قال الرئيس الروسي: “يستحيل استخدام صواريخ توماهوك دون مشاركة فعلية من القوات الأمريكية. وهذا سيمثل تصعيداً جديداً تمامًا بين واشنطن وموسكو”.
يشكل هذا التحدي أمام الولايات المتحدة موقفاً صعباً، إذ أن أي عملية نقل لهذه الصواريخ، التي قد تصل مدى طيرانها من 1250 إلى 2500 كيلومتر، ستعتبر بمثابة توغل غير مباشر أو مباشر أمريكي، مما يزيد من خطر التصعيد بشكل لم يُشهد منذ بداية النزاع.
توماهوك: بين القدرات ومخاطر الحروب النووية
يمتاز توماهوك بمواصفات تقنية تجمع بين المرونة والقدرة التدميرية. يعمل بسرعات دون سرعة الصوت، ويبلغ طوله 6.25 متر (بدون المعزز) و5.55 متر (مع المعزز)، بقطر 0.52 متر ووزن يصل إلى 1315 كيلوجرام. مزود برأس حربي وزنها 454 كيلوجرام، ويعمل بمحرك توربيني مروحي.
تاريخ الإصدار وتطور القدرات القتالية
خضعت صواريخ توماهوك لتطورات متعددة زادت من كفاءتها القتالية وزعزعة قدرتها التدميرية، حيث تم استحداث عدة نسخ منها. تضمنت الإصدارات الأولية نماذج مثل توماهوك الهجومية النووية (TLAM-N) وصواريخ توماهوك المضادة للسفن (TLAM-A و TLAM-N).
جاء إصدار البلوك 2 (Block II) و3 (Block III) و4 (Block IV) كتعزيز لقدرات الصاروخ:
- البلوك 2 (TLAM-C و TLAM-D): صُمّم نموذج TLAM-C لمهاجمة الأهداف المحصنة، بينما خُصص TLAM-D لاستهداف الأهداف “الضعيفة” مثل تجمعات القوات والطائرات.
 - البلوك 3 (Block III): تضمن تحسينات إلكترونية تتيح تنسيق الهجمات بشكل أفضل.
 - البلوك 4 (Block IV): هو الأحدث، ويمكنه الطيران لعدة ساعات، مُزوداً بوصلة بيانات ثنائية الاتجاه تساعد في تلقي بيانات حول تصحيحات المسار.
 
في عام 2016، طلبت البحرية الأمريكية ميزانية قدرها 434 مليون دولار لتعديل 245 صاروخًا من طراز TLAM-E لأغراض هجومية ضد السفن، مما يعزز من قدرة الصاروخ على استهداف سفن العدو لنطاق يصل إلى 1000 ميل بحري في السنوات القادمة.
تحليل التأثيرات الاستراتيجية: إعادة تقييم مفهوم “الردع”
تتركز التحديات الاستراتيجية حول قدرة توماهوك على الوصول إلى عمق الأراضي الروسية، وخاصة موسكو، ما يعزز القلق من تقويض الفلسفة الدفاعية الروسية القائمة على مفهوم العمق الاستراتيجي. وتبرز هنا المخاطر الرئيسية:
- الازدواجية النووية (Dual-Capability): بينما سيكون من المحتمل تزويد الصواريخ برؤوس تقليدية، فإن قدرة الصاروخ على حمل رؤوس نووية تجعل من الصعب على روسيا تحديد طبيعة الهجوم أثناء الاشتباك، مما يقرب الفوضى من اتخاذ القرارات في حالات التوترات العالية.
 - رفع مستوى التدخل: إن تصريح بوتين يشير بوضوح إلى أن استخدام هذه الصواريخ يستلزم “مشاركة مباشرة” من العسكريين الأمريكيين، حتى لو كانت هذه المشاركة تقنية. في نظر موسكو، هذا قد يُعتبر تدخلاً حقيقياً من جانب الناتو، مما يمنح روسيا مبررات لتوسيع ردها ليشمل أهدافاً بعيدة عن أوكرانيا.
 
أو استهداف نقاط إطلاق الصواريخ (مثل السفن والغواصات) في البحر الأسود أو مناطق أخرى قد يؤدي إلى تحول الصراع من طابع إقليمي إلى طابع دولي.
* **انخفاض الثقة الدولية**: يعتبر تسليم أسلحة هجومية ذات مدى بعيد لطرف في صراع مع قوة نووية عظمى سابقة لم تحدث خلال عقود. هذا الإجراء يهز الأساسيات التي تقوم عليها اتفاقيات الحد من التسلح، ويعيد إشعال سباق تسلح جديد يعتمد على قدرات الضربات العميقة وأنظمة الردع غير المحدودة.
## **استنتاج: على حافة الهاوية**
يُظهر الجدل حول صواريخ توماهوك أن العالم يواجه مفترق طرق خطير. الولايات المتحدة تدرك المخاطر المحيطة، ورغم ذلك، تسعى لتزويد أوكرانيا بالقدرات اللازمة لضرب المنشآت العسكرية الروسية خلف خطوط المواجهة، وهو ما يُشكل تحدياً لتلك الآلة الحربية. من جانبها، ترى روسيا في هذه الخطوة تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي، مما يستدعي ردًا استراتيجيًا غير تقليدي.
ويعكس التصعيد الحالي مدى هشاشة مفهوم الردع في ظل عالم متعدد الأقطاب. ينبغي على صانعي القرار في واشنطن وموسكو أن يعوا أن الحد الفاصل بين الردع والتصعيد النووي أصبح غامضًا للغاية. المرحلة المقبلة تتطلب حكمة استثنائية وضرورة البحث عن قنوات اتصال سرية وفعالة لتفادي أي خطأ في التقدير قد يؤدي إلى أزمة يصعب التعامل معها.
فهل ستتمكن وسائل الدبلوماسية الخلفية من كبح “مرحلة التصعيد الجديدة” التي حذر منها الكرملين، أم أن الرغبة في تغيير موازين الحرب ستتغلب على منطق الحذر الاستراتيجي؟
				



