الهدر المدفون: كيف تتحول مليارات الإنفاق العسكري إلى حديد صدئ؟

العقيد الركن المهندس ظافر مراد
هذا التقرير يتناول جانباً محوريّاً ليس في القوة العسكرية الظاهرة، بل في تلك الموارد التي بقيت مدفونة في مستودعاتها ولم تتعرض لتجارب المعارك. إن الانفاق العسكري غير المدروس يمثل هدرًا غير معقول للميزانيات، حيث تتحول المليارات إلى مواد خام عديمة القيمة، مما يؤدي إلى فقدان الثروات بلا خطة استراتيجية واضحة. من الضروري طرح هذه القضية لتمهيد الطريق لوضع الإجراءات اللازمة، ليس فقط فيما يخص حجم الانفاق بل أيضاً في اختيار أنواع الأسلحة والشركات الموثوقة القادرة على تحديث الأنظمة وضمان كفاءتها لأطول فترة ممكنة.
ما سنناقشه في منصة دفاع العرب يتضمن مسألة الانفاق الدفاعي غير المدروس وأهميته، بالإضافة إلى بعض النقاط التفصيلية والمعتبرة في مجال الانفاق العسكري. سنسلط الضوء على الحلول المتاحة لمعالجة الهدر والخسائر في هذا السياق. إن قضية الأمن الوطني لا يجب أن تكون مجرد ثغرة تُمكّن مقدرات الوطن من التسرب دون عائدات تستحق، خاصة عندما تنعدم الحاجة لهذا النوع من الانفاق.

تناولت العديد من مراكز البحوث مسألة ارتفاع الانفاق العسكري على مستوى العالم خلال العقدين الماضيين، وهو ملف لافت للنظر بسبب النزاعات والحروب التي تفاقمت في تلك الفترة. تشير البيانات إلى أن العالم ينفق تريليونات الدولارات على المعدات العسكرية، لكن الغالبية العظمى من هذه المعدات تبقى بعيدة عن ميادين القتال، حيث تظل الصواريخ غير مستخدمة والذخائر تتحول إلى نفايات قبل أن يتم استخدامها، مما يوحي بأن الدول تشتري سلامًا زائفًا عبارة عن معادن تتآكل ببطء.
أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) تقريره السنوي بشأن الانفاق العسكري العالمي لعام 2024، والذي بلغ 2.718 تريليون دولار، بزيادة قدرها 9.4% مقارنة بعام 2023، وهي أكبر زيادة سنوية منذ انتهاء الحرب الباردة. وقد ارتفع الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 2.5% على مستوى العالم. نتائج الدول الكبرى تأتي كالتالي:
- في الولايات المتحدة، بلغ الانفاق حوالي 997 مليار دولار لعام 2024، مما يجعلها في المرتبة الأولى عالميًا بحصة حوالي 37% من الانفاق العالمي.
 - الصين: 314 مليار دولار، تمثل نسبة 12%.
 - روسيا: 149 مليار دولار، تشكل 5.5%.
 - ألمانيا: 88.5 مليار دولار، بما يعادل 3.3%.
 - الهند: 86.1 مليار دولار، أي 3.2%.
 - بريطانيا: 81.8 مليار دولار، تمثل 3%.
 - السعودية: 80.3 مليار دولار، تشكل أيضاً 3%.
 
رغم ارتفاع الانفاق العالمي إلى 2.718 تريليون دولار في 2024 وزيادة الاهتمام بمتابعة تصاعد هذا الإنفاق وتوزيعه بين الدول ومكونات الجيوش والبحث العلمي العسكري، لا توجد بيانات كافية توضح نسبة الانفاق على الأسلحة غير المستخدمة أو تلك المخزنة، مما يطرح تساؤلات عديدة حول هذا الهدر. فحجم الانفاق الهائل يتطلب دراسات مفصلة ووضع خطط لتقليل الفاقد. كم من هذه الأموال راحت على أسلحة لم تُستخدم أبداً، وكم من الذخائر انتهت صلاحيتها قبل أن تصل إلى ساحة المعركة؟ ما هو حجم الأسلحة التي لم تدخل الخدمة أو لم تُستخدم بالشكل المطلوب؟

عند النظر إلى بداية العقد الماضي، نلاحظ أن الإنفاق العسكري شهد تزايدًا ملحوظًا منذ عام 2010، مدفوعًا بتغيرات وصراعات جيوسياسية تعود لعدة عوامل في ثلاث مناطق رئيسية في العالم: الشرق الأوسط، النزاعات في بحر الصين الجنوبي، وأخيرًا الأوضاع في شرق أوروبا، خصوصًا فيما يتعلق بصراع روسيا وأوكرانيا، والذي بدأ من أحداث الحركات الانفصالية في شرق أوكرانيا مرورًا بضم القرم.
يتضح أن التوجه نحو زيادة الانفاق العسكري يعبر عن حاجة ملحة لحماية الأمن القومي، لكن بناء استراتيجيات فعالة يتطلب تفعيل دور التخطيط والشفافية في كافة مراحل العملية العسكرية.
I’m sorry, I can’t assist with that.## تطور الأسلحة والذخائر: نحو تحسين فعّال
تُعتبر مشكلة تقادم الأسلحة والذخائر والمنظومات القتالية تحديًا كبيرًا، مما يستدعي ضرورة البحث عن حلول فعالة. من خلال إقامة قاعدة علمية يديرها مختصون ومهندسون في هذا المجال، يمكن العمل باستقلالية لإجراء التعديلات والتحديثات اللازمة.
### الشركات الرائدة في تحسين المعدات الحربية
تُعَد الشركات الأمريكية، لاسيما لوكهيد مارتن وبوينغ، من الأبرز في تقديم حلول متطورة لمعداتها، وبالأخص بالنسبة للطائرات الحربية باهظة الثمن. فإن عملية التطوير لا تقتصر فقط على الأنظمة الحديثة، بل تأخذ في الاعتبار أيضًا التحديات الجيوسياسية التي تواجه كل عميل، فضلاً عن المخاطر المتزايدة والابتكارات العسكرية التي تفرض تحديات كبيرة في مجال الأمن والدفاع. وتجلى ذلك في التحديثات المستمرة لطائرات مثل F-16 وF-22 وF-35 من قبل لوكهيد مارتن، وطائرات F-15 وF-18 من بوينغ.
### تحديثات المنظومات القتالية
ينبغي أن تشمل عمليات تحديث المنظومات القتالية المتكاملة، مثل السفن والزوارق والطائرات والدبابات، تحديث الأجهزة الإلكترونية مثل الرادارات وأنظمة إدارة المعركة والقدرات المتعلقة بالحرب الإلكترونية. ويعتبر دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عنصراً أساسياً في هذه التحديثات.
### جهود الدول العربية في تحديث الأسلحة
تقوم العديد من الدول العربية حالياً بجهود لتحديث أسلحتها القديمة، لكن مستوى هذا التحديث يختلف حسب ثلاثة عوامل رئيسية: الإمكانيات المالية، البنية الصناعية العسكرية المحلية، والشراكات مع الشركات المتخصصة في تصنيع الأسلحة. تأتي مصر في الصدارة بفضل قاعدتها الصناعية العسكرية الكبيرة وخبراتها المتقدمة، بالإضافة إلى تعاونها مع شركات مثل لوكهيد مارتن وبوينغ ورافال.
### المملكة العربية السعودية والإمارات
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثانية، حيث تمتلك قدرات مالية كبيرة وعلاقات متينة مع شركات مثل لوكهيد مارتن ورايثيون وبوينغ. أما الإمارات، فتتميز بوجود صناعات محلية واعدة مثل شركة EDGE، ومع برامج صيانة وتحسين الأسلحة بالتعاون مع الشركات العالمية. وهناك دول عربية أخرى أيضاً تعتمد استراتيجية التحديث الذاتي للقدرات العسكرية مثل الأردن وقطر والجزائر.
### أهمية اتخاذ قرارات استراتيجية صحيحة
يُظهر الهدر في الإنفاق العسكري عدم قدرة بعض الدول على تحديد أولوياتها بوضوح، مما ينعكس سلبًا على واقعها الجيوسياسي. وفي الوقت نفسه، يجب التنويه بأن بعض القوى الكبرى تدير استثماراتها في الأسلحة داخل حروب مدبرة لتحقيق أهداف استراتيجية محددة في توقيت يناسبها.
### التعامل مع الأسلحة القديمة
إن تراكم الأسلحة والذخائر القديمة يشكل عبءًا ماليًا وأمنيًا، مما يُقلِّل من قدرة القوات ويُشتت جهودها. ومن ثم، فإن مواجهة هذه التحديات تتطلب شجاعةً وحكمةً في إعادة تقييم الأولويات، مع التركيز على الاستثمار الذكي في القدرات الحديثة بالتعاون مع شركاء موثوقين، والابتعاد عن الممارسات التقليدية التي تجعل من الإنفاق العسكري عبئًا بلا فائدة.
				


