سباق التسليح الخفي: لماذا تبحث القوات الجوية الأمريكية عن “شاهد” إيرانية؟

خاص – Defesa Arabia
تشهد ساحة القتال في أوكرانيا حاليًا تحولًا جذريًا يتطلب مراجعة شاملة لأساليب الحروب الحديثة. في صلب هذا التغيير، تتألق الطائرة المسيّرة الإيرانية شاهد-136 كسلاح ذو كفاءة عالية وتكلفة منخفضة، مما يجعلها تحديًا غير مسبوق أمام أنظمة الدفاع الجوي التقليدية.
وفي مسعى استراتيجي ملحوظ، تسعى القوات الجوية الأمريكية للحصول على نسخة مطابقة لهذه الطائرة الانتحارية، وليس بهدف استخدامها في الهجمات، بل لتحليل خصائصها وفهم تقنياتها. هذا الاتجاه، الذي تم الكشف عنه في تقارير صحفية أمريكية، يوضح أن واشنطن وحلفاءها لا يعتبرون “شاهد” مجرد تهديد عابر، بل شكلًا جديدًا للحروب غير المتكافئة يتطلب تطوير استراتيجيات دفاعية مبتكرة.
تحليل التهديد: التكلفة كعامل استراتيجي
تظهر طائرة شاهد-136 كيف يمكن لتكنولوجيا بسيطة أن تحدث دمارًا واسع النطاق. تكلفتها منخفضة تمكّن روسيا من استخدامها بالمئات في هجمات شبه يومية تستهدف البنية التحتية الأوكرانية. يستغل الكرملين الفجوة الكبيرة في التكلفة؛ حيث أن ثمن الطائرة لا يتجاوز بضعة آلاف من الدولارات، بينما تكلف الصواريخ الاعتراضية الغربية ملايين، مما يؤدي إلى استنزاف سريع لمخزونات الدفاع الجوي الأوكرانية ويعرض المدنيين للخطر.
واستجابةً لهذا الواقع، تدرك القوات الجوية الأمريكية أن الحل يتجاوز تعزيز الأنظمة الدفاعية، بل يرتكز على فهم “شاهد” بشكل معمق. وستسمح النسخة المقلدة بمحاكاة خصائص الطائرة، مثل المسار الصوتي والبصمة الحرارية وطريقة الطيران، مما يتيح تطوير وسائل مواجهة أكثر فاعلية وأقل تكلفة، سواء من خلال أنظمة تشويش متطورة أو تقنيات رادارية ذكية أو حتى أسلحة ليزر وطائرات اعتراضية مسيّرة.
المواصفات المطلوبة: أداة تدريب بدلاً من سلاح جديد
طبقًا لمستندات رسمية نشرتها مجلة Air & Space Forces Magazine، حددت القوات الجوية الأمريكية معايير دقيقة للنسخة المقلدة: يجب أن تكون نسخة طبق الأصل من الطائرة الإيرانية من حيث التصميم والوظائف، تعمل بالغاز، وبمدى يتجاوز 50 ميلاً، ووزن يتراوح بين 55 و1320 رطلاً، مع قدرة على التحليق على ارتفاع منخفض (أقل من 18 ألف قدم) وبسرعة متوسطة (أقل من 250 عقدة).
يدل هذا على أن الهدف ليس ابتكار سلاحٍ جديد، بل تطوير منصة تدريبية لمحاكاة سلوك الطائرة بدقة. من المخطط أن تبدأ العملية بطلب 16 طائرة، مع إمكانية إضافة 20 أخرى لاحقًا، مما يعكس جديّة واشنطن في مواجهة هذا التهديد.
الهندسة العكسية: تحليل الخطر لفهمه
تعتبر الهندسة العكسية جزءًا حيويًا من سباق التسلح، حيث تتيح تفكيك الطائرة وتحليل مكوناتها من المحرك إلى الأجنحة ونظام التوجيه، مما يكشف النقاط القوية والضعيفة في التصميم الإيراني. تشير التقارير إلى أن “شاهد” تعتمد على مكونات تجارية متاحة عالميًا، ما يجعل إنتاجها بكميات كبيرة سهلًا، ولكنه يفتح أيضًا المجال لاكتشاف نقاط ضعف يمكن استغلالها.
فهم نظام التوجيه بشكل خاص يُعتبر حيويًا، لأنه يمكن أن يساعد في تطوير وسائل تشويش تتصدى للطائرة قبل وصولها إلى الهدف، بالإضافة إلى تصميم شبكات دفاعية تعتمد على أجهزة استشعار متعددة لمراقبة ومواجهة هذا النوع من التهديدات منخفضة التكلفة.
الأبعاد الاستراتيجية: ما وراء أوكرانيا
تعلم واشنطن أن “شاهد-136” لم تعد سلاحًا يخص روسيا فقط، بل أصبحت نموذجًا قد تقوم دول وجهات غير حكومية بتقليده حول العالم. هذا الأمر يحمل مخاطر استخدام الطائرة في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، حيث يمكن أن تشكل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفائها على الصعيدين البري والبحري.
تشير هذه الاتجاهات إلى أن الحروب المستقبلية لن تُحسم فقط بامتلاك الأسلحة المتطورة والنفيسة، بل بتطوير القدرة على التكيف والابتكار في مواجهة تهديدات بسيطة ومنخفضة التكلفة قد تؤدي إلى عواقب استراتيجية ضخمة.
سباق جديد في ميدان الحرب
أثبتت طائرات “شاهد” أنه في بعض الأحيان تكون البساطة أكثر قوة من التعقيد. تدفع هذه المشاهد الدول الكبرى إلى إعادة تقدير أولويات استثماراتها الدفاعية، من التركيز على شراء أنظمة باهظة الثمن إلى ابتكار حلول ذكية ومرنة للتعامل مع تهديدات ذات تكاليف زهيدة.
يبقى السؤال: هل ستتمكن القوات الجوية الأمريكية من صياغة استراتيجيات دفاعية فعالة ضد هذا السلاح القاتل ذي التكلفة المنخفضة؟ المؤكد أن سباق التسلح قد دخل مرحلة جديدة، حيث تتفوق القدرة على التكيف والابتكار على مجرد امتلاك الترسانة الأضخم والأغلى.
				



