الفخ المنصوب عبر العشائر

شكري كِربوغا
تحمل الشعب السوري في القرن الماضي أثمانًا باهظة. بعدما غادر العثمانيون، حل الاحتلال الفرنسي ليزرع الفتنة والفرقة بين مكونات المجتمع عبر سياسات “فرّق تسد”. ونتيجة لذلك، انفصمت العشائر، وتواجهت الطوائف فيما بينها، ولم تتمكن البلاد من التوحد تحت راية واحدة. ومع اقتراب العام 2025، يتبادر إلى الذهن سؤال: هل نجحنا في تغيير الوضع؟ للأسف، الإجابة هي لا. تبدو الأحداث التاريخية وكأنها تتكرر.
العرب العلويون في الساحل لا يزالون بعيدين عن الاندماج مع المركز. وفي درعا، تستمر الأوضاع المتوترة، بينما لا يزال الدروز في السويداء يتمسكون بمطالبهم. أما في الشمال، فتسيطر قوات “قسد” على الأراضي العربية وتعمل على تحقيق مشروع “كردستان”. بينما يتبنون شعارات “الحرية للجميع”، إلا أن ثروات الجزيرة، بما فيها النفط، تتدفق موجهة نحو تشكيلاتهم العسكرية فقط. والأسوأ من ذلك، أن هذا النظام يُقام في أرض عربية، ويعتمد بشكل كبير على مقاتلين عرب.
تكمن المشكلة الأساسية في هيكلية العشائر العربية المجزأة. إذ لا يزال المجتمع العربي يعرف نفسه من خلال هويته القبلية بدلًا من الهوية الوطنية العليا “السورية”. وعندما تفتقر البلاد إلى مشروع جامع، تتضاءل فرص العرب في تحقيق الفوز أمام تنظيمات أيديولوجية منظمة، مثل “قسد”. أما مشايخ العشائر الذين يظهرون على وسائل الإعلام باسم “قسد”، فهم في الواقع جزء من الفخ. يتفاخر كل منهم بقوة قبيلته وتاريخها، ولكنها ليست سوى صورة خداع، تتوارى خلفها مصالح أخرى. من جهة، تواجهنا “قسد”، المدعومة عسكريًا من الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، تجد العشائر العربية التي لا تزال تعتقد أنها قادرة على استعادة سوريا من خلال فخرها القبلي.
يطرح هنا سؤال ملح: لماذا انضمت العديد من العشائر العربية إلى “قسد”، بينما لم تتلق الحكومة السورية دعمًا من أي من العشائر الكردية أو العلوية أو الدرزية؟ إذا لم نجد إجابة صادقة على هذا التساؤل، فلن يكون هناك أي أمل في حلول مستدامة في سوريا. فالقضايا العالقة اليوم قد تتسبب في مشاكل أكبر غدًا. وبشكل خاص، إذا لم تُحل أزمة العلويين والدروز، ستتزايد المخاطر المتعلقة بتقسيم البلاد يومًا بعد يوم، تمامًا كما حدث في عام 1920. وإذا لم نتعلم من دروس الماضي، سنجد أنفسنا نشهد ذات المأساة مرة أخرى، ولكن مع وجوه جديدة.
أيضًا، فإن ضعف الحكومة المركزية والمواقف غير الحاسمة لها تعزز من غموض الصورة. ففي عام 2011، حينما انطلقت الانتفاضة، اختار بعض الشخصيات البارزة في سوريا ترك مناصبهم وأموالهم واللجوء، معتبرين أن الهروب كان أشرف من البقاء مع الظالم. وفي الوقت الذي كانت فيه “قسد” تقدم مشايخ العشائر بشكل يومي عبر شاشات التلفاز، لم يكن هناك صوت قوي للعائلات الكردية دعمًا للحكومة السورية. على الرغم من أن عشائر ككيان، وعائلتي أندر وتيمو قاوموا معاً حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد، ودفعوا أثمانًا باهظة، لم يُقدرهم دمشق وظلت عهودها لهم بلا وفاء.
وينطبق ذات الأمر على شخصيات مثل رياض حجاب، نواف الفارس، عائلة طلاس، وعائلة دندل، والبروفيسور محمود المسلط من عشيرة الجبور، بالإضافة لمئات الأسماء الأخرى. بخبراتهم ونفوذهم الإقليمي، كان بإمكانهم أن يلعبوا دورًا بارزًا في إعادة فرض الاستقرار على البلاد. ولكن تجاهل دمشق لهم يعكس تناقضًا كبيرًا. يجب أن نعي: الجيش هو من يحمي الدولة، لكن المدنيين هم من يتولون إدارتها.
المهمة الأساسية التي تتصدَّى لها سوريا اليوم تتمثل في إعادة بناء الهوية الوطنية “السورية”، بعيدة عن الانتماءات القبلية أو الطائفية أو القومية. حينما يتحقق ذلك، فقط حينها سنتمكن من تجنب تكرار التاريخ.
				


