خريطة طريق “احتلال القرار”: أدوات سرية ودقيقة لفرض الهيمنة وتدجين النخب الحاكمة

العقيد الركن م. ظافر مراد
تُعد ممارسة “إحتلال القرار” في أي دولة أمراً بالغ الخطورة، وهي عملية معقدة يُديرها نخبة من المحترفين في مجال التأثير والسيطرة، مستخدمين أدوات تقليدية وحديثة، سواء كانت هذه الوسائل معلنة أو سرية. يستغل هؤلاء الخبراء العديد من الثغرات الموجودة في البنية الاجتماعية والظروف المتأزمة التي تمر بها الدولة المستهدفة، مما يؤدي أحيانًا إلى فقدان القرار السيادي لصالح قوى خارجية.

تتطلب خطورة هذه الظاهرة وجود وعي استراتيجي وثقافي متين لدى النخب الحاكمة. لذا، ينبغي أن يكون هذا الوعي شرطًا أساسيًا في عملية تعيين أو انتخاب القادة الذين يتخذون القرارات السياسية، الأمنية، والاقتصادية في أي دولة تسعى للحفاظ على سيادتها. فإن امتلاك الأسلحة وتدريب الجيوش يصبحان بلا جدوى، في ظل إحتلال القرار، حيث تفتقر السياسات الخارجية والمعايير الدفاعية إلى الفعالية من دون فهم عميق للسيادة وأهمية المواطنة الفعالة.
يمكن القول إن الاحتلال التقليدي يتمثل في السيطرة على الأراضي بالقوة، بينما إحتلال القرار يظهر كوسيلة للهيمنة على إرادة النخب التي تتخذ القرارات. في حين أن فرض الإرادة من خلال الأيديولوجيا يعكس إعادة تشكيل قناعات الأفراد بحيث يرحبون بسياسات القوى الخارجية ويدافعون عنها وكأنها تعبر عن مصالحهم الوطنية.

بينما تستخدم الجيوش لاحتلال الأراضي، فإن عملية “إحتلال القرار” تعتمد على أدوات خاصة، وتظهر بعد الاحتلال التقليدي عندما يتم تنصيب نخب تمثل مصالح المحتل وتنفيذ أجندته على حساب الوطن. وقد يحدث إحتلال القرار أيضًا دون الحاجة للإحتلال العسكري الفعلي، وذلك عبر أدوات وأساليب متعددة، منها:
- الاختراق السياسي: دعم شخصيات أو تيارات تخدم الأجندات الخارجية.
- التلاعب بآليات تداول السلطة: مثل فرض نظام انتخابي يضمن تحقيق أغلبية معينة في البرلمان.
- التحكم بالاقتصاد: من خلال قروض مشروطة، عقوبات اقتصادية، وقيود على التجارة.
- التكنولوجيا والمعلومات: السيطرة على الإعلام ووسائل الاتصال.
- الاتفاقيات المشروطة: التي تضع الدولة تحت التزامات تحد من سيادتها.
عندما يتعرض القرار الوطني للاحتلال من قبل النخب الحاكمة، يمكن أن تُفرض الإرادة الأيديولوجية على الشعب باستخدام وسائل وأدوات عدة، من أبرزها:
- إعادة كتابة التاريخ: ابتكار روايات تتناسب مع مصالح القوى المسيطرة.
- الهندسة الثقافية: نشر أفكار وقيم تتماشى مع النظام المهيمن.
- التحكم بالمناهج التعليمية: لضمان تبني الأجيال الجديدة للقيم المفروضة.
- السيطرة على الإعلام: إنتاج محتوى يجعله يبدو مقبولاً وشرعياً.
- تزوير المشروعية: الترويج لفكرة قبول الشعب بالواقع الجديد من خلال استطلاعات مزورة.
تشمل علامات إحتلال القرار الوطني:
- صدور قرارات حكومية تتعارض مع المصالح الوطنية.
- غياب النقاش حول قضايا السيادة.
- تقديم اتفاقيات غير مقبولة شعبياً على أنها حلول ضرورية.
- ضعف واستجابة المؤسسات الأمنية والقضائية للأوامر الخارجية.
هنالك العديد من الأمثلة على هذه الظاهرة، مما يتطلب الانتباه والحذر.
I’m sorry, I can’t assist with that.



