القاهرة وبكين: نظرة عميقة على أحدث الأسلحة الصينية في الترسانة المصرية

شهدت الفترة الأخيرة تحولًا ملحوظًا في العلاقات العسكرية لمصر، متجهة نحو شراكات جديدة بعيدًا عن المصادر التقليدية. فقد أبرمت القاهرة عدة عقود مع الصين للحصول على أنظمة وأسلحة متطورة.
من أبرز هذه الصفقات، طائرات مقاتلة من طراز J-10CE (نسخة التصدير من Chengdu J-10C)، حيث أفادت التقارير أن مصر أتمّت طلبية أولية في 19 أغسطس/آب 2024، مع استلام الدفعة الأولى من الطائرات في أوائل عام 2025.
كما عززت الصين القدرات الدفاعية الجوية المصرية من خلال تزويدها بنظام الدفاع الجوي بعيد المدى HQ-9B، الذي يعتبر النظير الصيني لصواريخ S-400، وقد تم تأكيد صفقة نشر هذا النظام في مصر.
إلى جانب ذلك، طوّرت مصر قدراتها الجوية بدون طيار عبر الحصول على الطائرات المسيّرة Wing Loong-1D، وهي منصة تمكنها من تنفيذ ضربات دقيقة ومهام مراقبة طويلة المدى. وبالتوازي، يجري العمل على الإنتاج المحلي لطائرات بدون طيار من طراز ASN-209 بدعم تقني صيني، مما يعزز الشراكة الصناعية بين البلدين.
وفي مجال القوات البحرية، دخلت مصر في مفاوضات متقدمة لشراء غواصات من الفئة الصينية Type 039A (الفئة Yuan)، مع ضمان نقل تكنولوجيا التصنيع، ما يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الأسطول البحري المصري.
تضمنت مجالات التعاون الأخرى توفير أنظمة رادارية متقدمة وصواريخ جو-جو (مثل صاروخ PL-15 طويل المدى الذي يُجهز به الطائرات الصينية) لسد الثغرات في التسليح المصري على الحدود. لم يتم الإعلان عن القيم الرسمية لهذه العقود بدقة، لكن بعض التقارير أشارت إلى أن تكلفة الوحدة الواحدة من طائرة J-10C تُقدر بنحو 40-50 مليون دولار، وهو سعر أقل بكثير من المقاتلات الغربية المماثلة. تجدر الإشارة إلى أن هذه الصفقات عادة ما تتضمن شروط نقل التقنية والتصنيع المشترك في حالات مثل إنتاج الطائرات بدون طيار والغواصات، مما يساهم في تنمية الصناعة الدفاعية المحلية في مصر.
دوافع مصر للتوجه نحو الصين
تُحفز مصر هذه الصفقات بدوافع استراتيجية وسياسية متعددة:
أولًا، القيود الأمريكية والأوروبية المفروضة على تسليم التكنولوجيا العسكرية المتقدمة للقاهرة. فقد جمدت واشنطن مساعداتها العسكرية لمصر بعد عام 2013، ورفضت تزويدها بصواريخ AIM-120 المتطورة أو مقاتلات F-35 للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، ظلت طائرات F-16 المصرية محدودة القدرات، مما دفع القاهرة للبحث عن بدائل.
في المقابل، تقدم الصين أسلحة متطورة بدون شروط سياسية وبأسعار تنافسية، مع خيارات تمويل مرنة ونقل للتكنولوجيا. ثانيًا، تسعى مصر إلى تنويع مصادر تسليحها لتجنب الاعتماد على بائع واحد فقط، مما يمنحها استقلالًا أكبر وقدرة مساومة مع الموردين التقليديين. وقد صرّح محللون مصريون بأن التوجه الصيني يعكس استراتيجية قديمة للتنويع وموازنة القوى، مما يقلل من تأثير الضغوط الغربية المتعلقة بسياستها الداخلية والخارجية.
أخيرًا، تسعى مصر للاستفادة من العلاقات الاقتصادية القوية مع الصين، حيث يرتبط جزء كبير من التعاون بين البلدين بالاستثمار الصيني في البنية التحتية (مثل قناة السويس والمنطقة الصناعية)، مما يدعم الشراكة الشاملة ويعزز الحافز العسكري.
باختصار، وجدت مصر في الصين شريكًا يلبي احتياجاتها العسكرية الحديثة دون العوائق السياسية التي تفرضها الولايات المتحدة، مما يعزز أمنها القومي ويزيد من قدراتها القتالية الحيوية.
موقف الصين واستراتيجيتها الإقليمية
تُقدم الصين صادراتها الدفاعية ضمن إطار أوسع من استراتيجيتها الجيوسياسية في إفريقيا والشرق الأوسط. رسميًا، تؤكد بكين التزامها بمبادئ “عدم التدخل” وعدم الربط بين صفقات الأسلحة والقضايا السياسية. لكن عمليًا، تُعتبر المنطقة محطة مهمة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري. فقد وصفت الشرق الأوسط وإفريقيا كمناطق ذات “فرص لإظهار القدرة الدبلوماسية الصينية وتوسيع الروابط الاقتصادية عبر مبيعات الدفاع والاستثمار في الطاقة”.
وفقًا لتحليل مركز MERICS الألماني، تدفع الصين بقوة نحو تصدير جميع فئات الأسلحة (الطائرات، المروحيات، الغواصات، الدبابات، والصواريخ) بفضل قدرتها الصناعية المكتفية ذاتيًا وخطة تنظيمية تسعى لافتتاح أسواق جديدة. تعتمد بكين في ذلك نهجًا “مفتوحًا” يقوم على أسعار منخفضة ومرونة في الدفع وعدم فرض قيود سياسية أو إنسانية على مشترياتها.
وتشير تصريحات المسؤولين الصينيين إلى أن بيع الأسلحة لمصر وغيرها من دول الجنوب يعكس سياسة “جنوب-جنوب” التي تهدف إلى تعزيز التعاون مع الدول النامية. وقد أبرز المحللون المصريون أن مصر تمثل بوابة مهمة للسوق العربية والإفريقية بالنسبة للصين، وظهرت طائراتها المقاتلة في الأجواء المصرية ضمن سعي بكين لتسويق نفسها كقوة مصدرة متقدمة للأسلحة في المنطقتين.
في السياق نفسه، أنشأت الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي وبدأت بنشر منظومات دفاعية (مثل ما يعرف بـ”درع الماس” المضاد للصواريخ) لتأمين مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن، بما يتوافق مع خططها لحماية طرق التجارة الاستراتيجية (مثل قناة السويس). لذلك، يتضح أن الصين تراعي مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط – مثل تأمين مصادر الطاقة والبنية التحتية والممرات الملاحية – عند دراسة صادرات الأسلحة، وهي تدمج ذلك ضمن سياستها الأوسع لبناء تحالفات وتوسيع نفوذها في الجنوب العالمي.
التأثير على ميزان القوى الإقليمي
سيؤثر تسليح مصر بأسلحة صينية حديثة حتمًا في معادلات القوة بالمنطقة، خاصة تجاه إسرائيل ودول الخليج وتركيا. فقد أعربت دوائر عسكرية وإسرائيلية عن قلقها من تآكل التفوق الجوي الإسرائيلي نتيجة لهذه الصفقات. فأنظمة الدفاع الجوي HQ-9B بمدى يصل إلى نحو 300 كم يمكنها تفكيك المناطق الآمنة التي كانت إسرائيل تعتمد عليها، كما أن امتلاك مصر لصواريخ جو-جو PL-15 طويلة المدى المزودة لطائرات J-10 يسمح لها بالتصدي للطائرات المعادية قبل وصولها إلى أجوائها.
وصف محللون إسرائيليون حصول مصر على رادارات متطورة وصواريخ صينية بالضربة القاسية لقدرة إسرائيل على إبقاء اليد العليا. كما يشير مراقبون إلى أن هذه الصفقات دفعت واشنطن إلى مراجعة موقفها تجاه مصر، فكان من نتائجها المباشرة الإعلان الأمريكي عن رفع حظر بيع مقاتلات F-15 المتطورة للقاهرة مؤخرًا.
على صعيد الدول الخليجية، لن تُغير هذه التطورات تحالفاتها التقليدية بين عشية وضحاها، لكنها تزيد الضغوط على دول مثل السعودية والإمارات للتفكير ببدائل تسليحية. فملاحظة المحللين بأن مصر، كقوة إقليمية رائدة، تسعى للتعاون مع الصين قد يشجع بعض دول الخليج على تعزيز تنويع مصادرها الدفاعية أيضًا.
من جهة أخرى، ترى مصر أن امتلاكها قدرات جديدة من شأنه أن يوازن من ثقلها العسكري مقارنة بجيرانها. وفي هذا السياق، يقول خبراء مصريون إن الجيش يسعى دومًا إلى اقتناء أحدث التقنيات للحد من الفجوات مع جيوش المنافسين الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل. أما تركيا، التي تربطها بمصر خلافات عسكرية (في ليبيا والبحر المتوسط مثلاً)، فستجد نفسها أمام فرضية مواجهة خصم إقليمي يواصل دعم ترسانته بأسلحة غير تقليدية. وبما أن أنقرة أيضًا تنفتح على صفقات غير غربية (علاقاتها الواضحة مع روسيا وشرائها لأنظمتها وبدء تطوير مقاتلتها TF-X)، فإن هذا يعكس صعود تنافس متعدد الأقطاب بين القاهرة وأنقرة، ودفعًا مشتركًا للابتعاد جزئيًا عن تبعية الناتو.
في المحصلة، تقف مصر اليوم على مفترق طرق استراتيجي؛ لقد وسعت مصادر تسليحها إلى أربع قوى كبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، روسيا، والصين)، ما أعطاها قدرة أكبر على المناورة. ومع استمرار تنفيذ صفقات صينية حديثة (وإبرام المزيد منها)، من المتوقع أن تتغير الديناميكيات الإقليمية تدريجيًا، بحيث تصبح مصر لاعبًا مسلحًا بأحدث التقنيات، يعيد رسم حسابات “التفوق النوعي” الذي كانت تتبناه إسرائيل والدول الكبرى في الخليج.




