
العقيد الركن خالد المطلق – كاتب وباحث سوري في الشؤون العسكرية والأمنية
تتعرض الساحة الإيرانية لتقلبات أمنية وعسكرية عديدة، مما يطرح تساؤلات جادة حول مدى تعرضها للاختراق. فمنذ عملية اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في أوائل عام 2020، مرورًا بالوفاة الغامضة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، وصولًا إلى استهداف قيادات بارزة في الفصائل المدعومة من طهران، وانتهاءً بالضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قادة الحرس الثوري والقيادات العليا للجيش، نلاحظ اتساع نطاق النشاط الاستخباراتي للموساد في الداخل الإيراني. هذه الأحداث أثارت حيرة المحللين: هل هناك تعاون داخلي يتيح تنفيذ هذه العمليات بدقة؟
خطر غير مسبوق: تساؤلات حول الأمن الإيراني
تفضي متابعة الأحداث الأمنية في إيران إلى استنتاج مقلق، حيث تتجاوز العمليات المنفذة مجرد جمع المعلومات الاستخباراتية. لم تقتصر هذه الهجمات على الشخصيات العسكرية الرفيعة مثل قاسم سليماني، بل امتد نطاقها ليطال علماء ذرة بارزين مثل محسن فخري زاده. وتبع ذلك تصفيات علمية لعدد من الشخصيات المسؤولة عن البرنامج النووي الإيراني. علاوة على هذا، تعرضت إيران لعدة اعتداءات على منشآتها النووية والعسكرية، بما في ذلك هجمات سيبرانية معقدة ما تزال مستمرة.
ما يُفاجئ في هذه العمليات هو دقتها وجرأتها؛ فالتقارير عن إنشاء قواعد للطائرات المسيرة الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية لإطلاقها على الأهداف العسكرية ومنشآت نووية تشير إلى سابقة خطيرة في الحروب الحديثة.
تلك القدرات التشغيلية المتطورة تدل على أنَّ الموساد ليس فقطنشطاً داخل إيران، بل قد يتواجد حتى ضمن المؤسسات العسكرية والأمنية ذات الحساسية العالية، ربما بغطاء من جهة محلية. وبهذه الحالة، تنبثق تساؤلات جوهرية: من هي الجهة التي تؤمن هذا الغطاء للتحركات الإسرائيلية داخل إيران؟ وما هو دافعها من ذلك؟ وهل يمكن الوثوق بالروايات الرسمية للقيادة الإيرانية أو حتى تلك الإسرائيلية بخصوص هذا الاختراق الأمني الواسع؟ والأهم، هل تمتلك إسرائيل حقًا القدرة على إدارة عمليات بهذا الحجم داخل الأراضي الإيرانية؟
الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب تحليلًا استراتيجيًا عميقًا حول الأحداث الجارية في الداخل الإيراني وتأثير المشاريع الإقليمية لطهران.
الصراع الداخلي الإيراني ومسار الخلافة المحتمل
تشهد الساحة السياسية الإيرانية صراعًا عنيفًا بين تيارين: التيار الإصلاحي الذي يعول على نجل المرشد الأعلى، مجتبى خامنئي، كشخصية محورية ترنو لقيادة البلاد مستقبلًا، والتيار المتشدد الذي يمثل القوة العسكرية والأمنية، خاصة الحرس الثوري.
يبدو أن التيار الإصلاحي، بحسب بعض الآراء، يسعى إلى “تطبيع” مكانة إيران على الساحة الإقليمية والدولية بعد نجاحه في إضعاف بعض الدول العربية. وبالتالي، يتطلب هذا التوجه إزالة العقبات، وأبرزها التيار المتشدد وأذرع إيران في المنطقة.
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الأحداث الأخيرة جزءًا من صراع أكبر على السلطة والنفوذ. وفاة الرئيس رئيسي ووزير خارجيته، فضلًا عن استهداف قادة الصف الأول من الحرس الثوري قد تُفسر كفرصة للتيار الإصلاحي لتعزيز قوته.
علاوة على ذلك، فإن استهداف وتصفية قيادات الجماعات المرتبطة بإيران، مثل حماس وحزب الله، يسهم في تقليص تأثير هذه الأذرع، مما يمهد الطريق لإعادة تقييم السياسة الإقليمية الإيرانية.
في المقابل، تؤدي هذه العمليات إلى إضعاف التيار المتشدد الذي يعتمد على هذه الأذرع في تنفيذ استراتيجياته الإقليمية. وبدورها، قد تؤدي تحولات مثل إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا إلى إعادة تشكيل التوازنات الداخلية والخارجية لإيران.
في نهاية المطاف، تشكل الأحداث الأخيرة معضلة لتعزيز الفهم الاستراتيجي للوضع الإيراني الراهن وتداعياته.
إن التطورات الحالية تُثير تساؤلات عميقة حول مصير إيران وموقعها ضمن الإطار الإقليمي. فهل ستساهم هذه “الاختراقات” في تقويض قوة الأصوليين، مما يمكّن المعتدلين من الظهور، أو حتى في تمهيد الطريق لنجل المرشد؟ وما هي العواقب التي قد تطرأ على السياسة الخارجية الإيرانية وبرنامجها النووي؟
إن الوضع يبدو معقدًا ومليئًا بالغموض، حيث يتطلب الأمر تحليلًا دقيقًا لفهم ديناميات اللعبة الجيوسياسية في المنطقة.
السؤال الأكثر أهمية يبقى: هل سيستطيع النظام الإيراني مواجهة تلك التحديات العسكرية والأمنية والسياسية، أم أننا نشهد تحولًا تاريخيًا قد يعيد تشكيل معالم النفوذ في الشرق الأوسط؟ قد تكشف الأيام والأسابيع المقبلة عن إجابات لهذه القضايا، وتوضح ما إذا كانت هذه الأحداث هي مجرد صراع بين قوتين هما “إسرائيل وإيران” من أجل مصالحهما التوسعية، أم أنها تعكس إستراتيجية شاملة تشير إلى تحول كبير قادم في تاريخ إيران ومنطقة الشرق الأوسط.








