إسرائيل تشن “الأسد الصاعد”: ضربة جوية واسعة النطاق ضد منشآت وقادة إيران

العقيد الركن م. ظافر مراد
على طريق الحرب الشاملة أم على طريق إتفاق نووي جديد؟
نفذ سلاح الجو الإسرائيلي حملة جوية إستخدمت فيها حوالي 200 طائرة متعددة المهام، من ضمنها طائرات تزود بالوقود جواً، في عملية قصف مراكز ومنشآت عديدة داخل إيران، إضافةً إلى استهداف قادة في الحرس الثوري وفي الجيش الإيراني، وعلماء نوويين في مراكز عملهم أو أماكن سكنهم.
جاءت هذه الحملة الكبيرة بعد موافقة أميركية على تنفيذ الضربة، بعد تسرب معلومات عن إكتشاف نشاطات ووثائق تؤكد وجود برنامج نووي عسكري سري تعمل عليه إيران، وجاء موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اتهم إيران بعدم التعاون وعدم الإلتزام بالإتفاقات السابقة لجهة حجم ومستوى التخصيب، والقيام بنشاطات نووية سرية في مناطق لم يتم الإبلاغ عنها، ليدعم نية إسرائيل بتنفيذ ضربة عسكرية ضد برنامج إيران النووي.

تعتبر هذه الضربة المرحلة الأولى من عملية طويلة أطلقت عليها إسرائيل تسمية “الأسد الصاعد”، وجاءت قبل الجولة السادسة من المفاوضات التي ستجري يوم الاحد في مسقط، لتشكِّل ورقة ضغط حاسمة على المفاوض الإيراني، ولتضع ما تبقى من القيادات الإيرانية السياسية والعسكرية في موقف صعب، مع تأكيد المفاوض الأميركي على المضي قدما في المفاوضات يوم الأحد.

جرى الحديث مراراً وتكراراً عن تنفيذ ضربة إسرائيلية على برنامج إيران النووي، بهدف وقفه نهائياً أو تأخير قدرات إيران في إنتاج قنبلة نووية، وكانت الصعوبة في تنفيذ هذه الضربة وتحقيق أهدافها تكمن في أن المنشآت النووية الإيرانية محصنة بشكلٍ كبير، ومعظمها يقع تحت الأرض بعشرات الأمتار، ما يجعل عملية التأثير عليها وتدميرها بالقنابل التقليدية صعبة للغاية، إلا في حال إستخدام قوات خاصة على الارض لإقتحام وتدمير هذه المنشآت، أو القيام باستخدام قنابل نووية تكتية تدمِّر المنشآت وتجعلها مناطق ملوثة لا يمكن الإقتراب منها.

نجحت إسرائيل في ضربتها المفاجئة في تدمير مركز الثقل الإستراتيجي عند إيران، من خلال ضرب مراكز القيادة والسيطرة العسكرية والقضاء على عدد كبير من قادة الصف الأول في الحرس الثوري وفي الجيش الإيراني، بهدف إضعاف معنويات القوة العسكرية، وإرباكها وشل قدراتها في إعطاء الأوامر وقيادة العمليات، أقله في المرحلة الأولى والحاسمة من الحملة، وتزامن ذلك مع تدمير عدد كبير من مخازن ومراكز إطلاق الصواريخ الباليستية والمسيرات، وتدمير محطات رادار هامة، وتنفيذ حملة تشويش وهجمات سيبرانية إستهدفت منظومات الإتصالات العسكرية في عدة مستويات ومكونات عسكرية إيرانية، وفي الحقيقة أنه لا يمكن لإسرائيل تنفيذ هكذا عمليات ناجحة ودقيقة دون الحصول على دعم إستخباراتي سابق ومستمر من الولايات المتحدة الاميركية.
إضافةً إلى شل قدرات القيادة والسيطرة عند المستوى العسكري، وقدرات الرد الإستراتيجية والعملياتية، إستهدفت إسرائيل مركز الثقل العلمي في برنامج إيران النووي، واستطاعت قتل عدد كبير من العلماء والخبراء النوويين، وبذلك، وبسبب صعوبة تدمير كافة المنشآت النووية، إختارت القضاء على مشغلي هذه المنشآت، ما يتسبب بوقف عملها بالزخم المطلوب وربما لوقتٍ طويل، وتزامن ذلك بتسريب معلومات عن نشاط للموساد الإسرائيلي في الداخل الإيراني، وتنفيذ عمليات سرية لم يتم الإفصاح عن طبيعتها، ولكن يُعتقد أنها تتعلق بإنشاء قواعد للتشويش وزرع عبوات وإطلاق مسيرات إنتحارية من الداخل الإيراني تجاه أهداف ذات قيمة عالية، قبل وبالتزامن مع الضربات الجوية.
يقوم الجيش الإيراني وقوات الحرس الثوري بالرد حالياً على الهجوم الإسرائيلي بالمسيرات والصواريخ، ويُعتقد أن هجمات من نوع آخر وفي مناطق أخرى ستنفذ ضمن الرد الإيراني، مقابل ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ المرحلة الأولى من الحملة الكبرى على منشآت إيران النووية، وأن الحملة قد تستمر لعدة ايام.

بنتيجة هذا الحدث، يُطرح سؤالين أساسيين، الأول يتعلق بقرار إيران إذا كانت ستتابع المفاوضات مع الولايات المتحدة يوم الأحد في مسقط، والثاني يتعلق باحتمالات زيادة مستوى التصعيد والدخول في حرب شاملة مع إسرائيل وربما مع الولايات المتحدة الأميركية، ومن المعروف أن النظام في إيران هونظام براغماتي على الرغم من طبيعته الايديولوجية الصارمة، ويُعتقد أنه سيتجاوز هذه الايام الصعبة وسيجد طريقاً للخروج من هذا المأزق، والتوصل إلى إتفاقٍ ما، يؤمن المستوى الأدنى من شروط البقاء لهذا النظام، إلا إذا كان القرار عند الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة قد صدر بتغيير النظام في هذا البلد، وهذا مستبعد في الوقت الحالي.

				


