Register To WDS
سامي أورفليمقالات رأي

إنهاء مشروع M10 Booker: تحولات استراتيجية في الفكر العسكري بعد إخفاق الدبابة الأمريكية الخفيفة أمام تحديات العصر الحربي الحديث

سامي اورفلي

أعلن الجيش الأمريكي بشكل غير متوقع عن إلغاء مشروع دبابة M10 Booker، الذي كان يُنظر إليه كجزء أساسي في تحديث قدرات المشاة القتالية. تكشف هذه الخطوة عن ضرورة إعادة تقييم استراتيجيات التسليح الحديثة، مما يثير تساؤلات حول جدوى تطوير المركبات القتالية الخفيفة.

المحور الأول: خلفية تاريخية لتطوير الدبابات الخفيفة في الجيش الأمريكي

تجربة M551 Sheridan:

في الستينيات، أطلق الجيش الأمريكي دبابة M551 Sheridan التي كانت تستهدف دعم المشاة من خلال وحدة مدرعة خفيفة يمكن نقلها جواً. كانت تمتاز بقدرتها على إطلاق صواريخ موجهة ومدفع من عيار 152 ملم، مع إمكانية الإنزال بالمظلات. ومع ذلك، واجهت Sheridan تحديات كبيرة، منها ضعف الحماية المدرعة، مما أدى إلى تقليص استخدامها وسحبها من الخدمة في التسعينيات.

دبابة M551 Sheridan

محاولات لاحقة: M8 AGS وStryker MGS:

بعد تجربة Sheridan، سعى الجيش الأمريكي لتطوير بدائل خفيفة أخرى، مثل M8 Armored Gun System وStryker Mobile Gun System. لكن هذه المشاريع واجهت العديد من التحديات المالية والتقنية، مما أدى إلى تقليص استخدامها أو إلغائها.

المحور الثاني: مشروع M10 Booker: الأهداف والتحديات

المواصفات الفنية والتكتيكية للمركبة:

تم تصميم M10 Booker لتوفير دعم ناري مباشر لوحدات المشاة، مع التركيز على تدمير التحصينات والمركبات المدرعة الخفيفة. كانت تتميز بمدفع عيار 105 ملم، مزودة بأنظمة رؤية حرارية ومعدات اتصال متقدمة لتعزيز الوعي الميداني.

المحور الثالث: أسباب إلغاء المشروع وتداعياته

الوزن الزائد وعدم قابلية النقل الجوي:

أحد التحديات الكبرى التي واجهت دبابة M10 Booker كان وزنها الزائد، مما أعاق استجابتها السريعة في ساحات القتال. على الرغم من تصميمها كبديل حديث وسريع الانتشار لوحدات المشاة، فإن وزنها الذي يبلغ حوالي 38 طناً جعل نقلها جواً بواسطة طائرات C-17 أمراً صعباً ومكلفاً. عدم قدرتها على الإنزال الجوي مثل M551 Sheridan زاد من تعقيد وضعها.

يعتمد الجيش الأمريكي بشدة على قدرة المناورة السريعة في مسارح العمليات المتغيرة مثل شرق أوروبا والمحيط الهادئ. ومع عدم تقديم M10 لهذه الميزة الاستراتيجية، أصبحت عبئًا عسكريًا بدلاً من كونها نقطة ضغط. في زمن يتطلب نشر قوات خفيفة بسرعة، يتضح أن M10 لم تعد تلبي الاحتياجات.

إضافة إلى ذلك، لم تكن البنية التحتية اللازمة لدعم M10 متوفرة في جميع المواقع، مما زاد من تحديات عملياتها. تطلب دعمها وصيانتها بناء قدرات هائلة خلف خطوط القتال، وهو ما يتعارض مع مبادئ الحرب الحديثة المنتهجة المرونة والسرعة.

التحول نحو التكنولوجيا الحديثة والدرونز:

في السنوات الأخيرة، شهدت طبيعة الحروب تحولات ملحوظة. فقد صممت دبابة M10 للمعارك التقليدية التي تعتمد على الاشتباك المباشر، لكن استخدام الطائرات بدون طيار (الدرونز) أصبح أساساً للعديد من الجيوش. وهذا التحول يُبرز قصور M10 في الساحة القتالية الجديدة.

على سبيل المثال، المعارك في أوكرانيا أظهرت قدرة الدرونز على كشف وتدمير الأهداف المدرعة بفعالية كبيرة، حتى لو كانت تلك الأهداف محمية بشكل جيد. وبذلك، لم يعد من المقبول الاستمرار في الاعتماد على دبابة ثقيلة بطيئة، ذات بصمة حرارية ورادارية مرتفعة. بدلاً من ذلك، تتجه الجيوش نحو منصات أرخص وأكثر خفة وصعوبة في الكشف.

جعَلَ هذا التحول من مشروع M10 غير متناسب مع متطلبات الساحة القتالية. فاليوم، يتم استهداف العدو من السماء ومن شبكات إلكترونية غير مرئية. وبالأخص، فقدت M10 مكانتها ودورها المهيمن.

فشل مشروع M10 Booker

أهمية التكيف مع متطلبات الحرب الحديثة:

تجربة M10 كشفت الفجوة بين تطلعات المؤسسة العسكرية واحتياجات ميدان القتال. كان الجيش الأمريكي يسعى لإنتاج مركبة قوية تدعم المشاة، ولكن التصميم لم يتماشى مع التهديدات الحديثة لا من حيث الوزن ولا من حيث التكنولوجيا.

الحروب أضحت أكثر تعقيداً، وأصبحت التكنولوجيا تلعب دوراً حاسماً في تحديد من هو الرابح. القدرات على التخفي، والتحكم الرقمي في ساحة المعركة، ودقة الضربات عن بعد، هي الآن المحددات الأساسية. لذا، يجب أن تبدأ أي مشاريع تسليح جديدة من هذه المعايير، وليس من رغبة في استعادة أمجاد الماضي.

الحاجة إلى مراجعة استراتيجيات التسلح والتحديث:

فشل M10 يُعد مؤشراً على خلل عميق في آلية اتخاذ القرار داخل المؤسسة العسكرية. فقد وُلد المشروع استجابة لرغبة في تعويض خسارة المركبات القديمة، وليس نتيجة تحليل شامل لاحتياجات الحروب المستقبلية. يتوجب إجراء تقييم شامل لفلسفة التسلح في الجيش الأمريكي، والتركيز على مشاريع تُوفر المرونة، القابلية للتطوير، والابتكارات الرقمية.

في ضوء هذه التجربة، تبرز الحاجة للتركيز على تمويل الأبحاث في الذكاء الاصطناعي، الدفاع السيبراني، وأنظمة الدرونز بدلاً من إنتاج مركبات تقليدية مكلفة. يجب أن تستند الاستراتيجية العسكرية إلى التنوع والقدرة على التكيف بدلاً من مجرد تكرار الماضي.

مستقبل القوة البرية في الجيش الأمريكي بعد M10 Booker

التحول نحو فرق المشاة المتنقلة والتقنيات منخفضة البصمة:

إلغاء مشروع M10 Booker لا يُعتبر نهاية لمركبة قتالية فحسب، بل يُشير إلى تحول استراتيجي أعمق في هيكل القوة البرية الأمريكية. الأنظار تتجه نحو تأسيس “فرق المشاة القتالية المتنقلة” التي تعتمد على مركبات خفيفة وسريعة، مثل مركبة “Infantry Squad Vehicle” الجديدة.

هذه المركبات تركز على السرعة والقدرة على المناورة، دون الاعتماد على الحماية التقليدية أو الدروع السميكة.

أدرك الجيش الأمريكي أن القدرة على التخفي والمناورة أصبحت أكثر أهمية من مجرد التحمل أمام الضربات. فحتى أقوى الدروع لا يمكنها البقاء في وجه التهديدات الحديثة.

تأمين الحماية ضد التهديدات المتزايدة مثل الطائرات من دون طيار والصواريخ الذكية هو أمر بالغ الأهمية في ساحة المعركة الحديثة.

في هذا السياق، شرعت قوات البرية في تطوير نظرتها القتالية لتكون أكثر تكيفًا مع الحروب الشبكية. فاليوم، تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمجسات، وتدفق المعلومات في الوقت الحقيقي، دور السلاح الرئيسي، بدلاً من المدفع أو الصاروخ التقليدي.

التكامل بين التكنولوجيا والعمليات الميدانية: درس من أوكرانيا

تجربة أوكرانيا أكدت بما لا يدع مجالًا للشك أن المعدات العسكرية الضخمة التي تتمتع بتكاليف مرتفعة لم تعد محصنة ضد التدمير السريع، إذا لم تكن مدعومة بقدرات إلكترونية واستشعارية حديثة. شهدنا أن القوات الروسية فقدت مئات الدبابات بفضل الطائرات دون طيار منخفضة التكلفة، مما يعكس أهمية السيطرة على الفضاء الجوي والرقمي كأساس أساسي في المعارك المعاصرة.

يمكن القول إن فشل نظام M10 كان نتيجة حتمية لعدم الاستجابة لهذا الواقع المتغير. فقد كان النظام يفتقر إلى القدرة على استشعار محيطه والتعامل مع التهديدات غير التقليدية التي تنطلق من الجو أو من وحدات صغيرة لكنها ذكية. هذا الأمر دفع الجيش إلى إعادة تقييم أولوياته؛ فقد أصبح امتلاك شبكة قتالية مرنة، خفية، وفعالة أكثر أهمية من مجرد دعم دبابة قوية.

الخاتمة

فشل M10 Booker لا يُعتبر كخسارة، بل هو فرصة كبيرة لإعادة النظر في المفاهيم التقليدية لبناء القوة العسكرية. إن الحروب الحديثة تتطلب استراتيجيات تختلف تمامًا عن تلك التي كانت سائدة في القرن الماضي. نحن نشهد تحولًا جذريًا في مفاهيم الصراع حيث تبرز البيانات، والسرعة، والتخفي كعوامل حاسمة تحدد الانتصار، وليس سماكة الدروع أو عدد الدبابات المتاحة.

الدروس المستفادة من هذه التجربة تشير إلى أهمية تصميم الأسلحة وفقًا لطبيعة الصراعات التي يفرضها العدو، وليس بناءً على نموذج الحرب المثالي. إن M10 وُلدت كسلاح لحرب لم تعد قائمة، مما جعلها غير ذات صلة قبل أن تُستخدم في المعركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى