صفقة أسلحة أمريكية بـ100 مليار دولار للسعودية.. ما هي أبرز الأنظمة التي يتوقع أن تستحوذ عليها الرياض؟

خاص – دفاع العرب
تشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرس إبرام حزمة تسليح ضخمة مع المملكة العربية السعودية، قد تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار أمريكي. هذه الصفقة المحتملة تأتي في سياق التعاون العسكري التاريخي والراسخ بين البلدين. وعلى غرار ما حدث في زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المملكة في عام 2017 حيث تم الإعلان عن صفقات ضخمة، فإن هذه الخطوة المرتقبة تعكس استمرار الشراكة الاستراتيجية العميقة.
يُتوقع أن تشمل الصفقة فئات متنوعة من الأنظمة العسكرية المتقدمة، تلبيةً للاحتياجات الدفاعية المتنامية للمملكة ولمواجهة التحديات الإقليمية الراهنة. من أبرز هذه الفئات: أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، الطائرات المقاتلة والمسيرة المتقدمة، والذخائر عالية الدقة. الدافع الاستراتيجي وراء هذه المشتريات واسعة النطاق هو تعزيز القدرات الدفاعية السعودية في بيئة إقليمية معقدة.
مع ذلك، يرجح أن تواجه هذه الصفقة المحتملة عقبات محتملة، أبرزها عملية مراجعة واعتماد صفقات الأسلحة الكبرى في الكونغرس الأمريكي، بالإضافة إلى المخاوف المستمرة المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان.
سجل حافل من صفقات التسليح الأمريكية للسعودية
تربط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقات عسكرية تاريخية وعميقة، تعود بداياتها إلى اتفاقية المساعدة الدفاعية المتبادلة عام 1951. على مدار عقود طويلة، شكلت الولايات المتحدة المزود العسكري الرئيسي للمملكة، وشهدت مسيرة العلاقات إبرام العديد من صفقات التسليح الضخمة.
من أبرز هذه الصفقات:
- عام 2011 (إدارة أوباما): صفقة بقيمة حوالي 29.4 مليار دولار، تركزت حول القوة الجوية بتضمين 84 مقاتلة جديدة من طراز F-15SA، بالإضافة إلى تحديث 70 مقاتلة F-15 ضمن أسطول القوات الجوية الملكية السعودية.
- عام 2017 (إدارة ترامب): خلال زيارته الأولى للمملكة، أعلن الرئيس ترامب عن “اتفاقية نوايا” أو “حزمة مقترحة” واسعة النطاق بقيمة فورية تبلغ نحو 110 مليارات دولار، مع سقف توقعات قد يصل إلى 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات. وصفت هذه الحزمة بأنها من الأكبر في تاريخ مبيعات الأسلحة الأمريكية. شملت مجموعة واسعة من الأنظمة المتقدمة، مثل منظومة الدفاع الصاروخي THAAD، بطاريات باتريوت (MIM-104 Patriot)، دبابات أبرامز (M1A2)، مركبات برادلي القتالية، وسفن قتالية سطحية محتملة. كما تضمنت مكونات حيوية مثل ترقيات أنظمة الاتصالات والأمن السيبراني والقيادة والسيطرة لتعزيز التوافق التشغيلي مع القوات الأمريكية. لكن من الضروري الإشارة إلى أن الإعلان عام 2017 كان طموحاً، ولم تتحول القيمة المعلنة بالكامل إلى عقود ملزمة فوراً، حيث ظلت العديد من البنود رهناً بموافقات الكونغرس ومراجعات ضوابط التصدير. فعلى سبيل المثال، لم تتجاوز قيمة العقود الموقعة فعلياً جزءاً من القيمة المعلنة بحلول عام 2018.
- عام 2010 (إدارة أوباما): إخطار الكونغرس بصفقة كبرى بلغت قيمتها التقديرية آنذاك 60.5 مليار دولار، مما يؤكد النهج المستمر للولايات المتحدة في تزويد المملكة بقدرات عسكرية نوعية.

الأنظمة العسكرية المتوقعة في الصفقة المرتقبة
استناداً إلى التقارير المتداولة وتحليل البيئة الاستراتيجية المحيطة بالمملكة، من المتوقع أن تتضمن حزمة التسليح المقترحة مجموعة واسعة من الأنظمة العسكرية الحيوية:
- القوة الجوية: يُرجح بشدة أن تشمل الصفقة طائرات قتالية متقدمة. ومع ذلك، لا يزال حصول المملكة على مقاتلات F-35 أمراً مستبعداً في المدى القريب بسبب السياسة الأمريكية الهادفة للحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. لذا، قد تركز الصفقة على المزيد من ترقيات أسطول مقاتلات F-15 الحالي أو شراء أنواع أخرى من الطائرات المقاتلة الحديثة.
- الطائرات المسيرة (UAVs/Drones): برزت أهمية هذا المكون بشكل خاص، حيث ورد ذكر طائرة MQ-9B SeaGuardian على وجه التحديد كعنصر محتمل كبير، قد تصل قيمته إلى 20 مليار دولار. من شأن هذه الطائرات تعزيز قدرات المملكة في مجالات المراقبة والاستطلاع (ISR) بشكل كبير، مما يعكس التركيز المتزايد على هذه القدرات في الصراعات الحديثة ومواجهة التهديدات غير المتماثلة.
- الدفاع الجوي والصاروخي: نظراً للتهديدات المستمرة التي تتعرض لها المملكة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، من شبه المؤكد أن تتضمن الصفقة عمليات استحواذ أو تحديثات لأنظمة دفاعية رئيسية مثل THAAD و Patriot. لقد أثبتت منظومات باتريوت فعاليتها عملياً في اعتراض العديد من هجمات الحوثيين على أراضي المملكة.
- الذخائر الموجهة بدقة: تُعد هذه الذخائر عنصراً حاسماً للعمليات الجوية والبرية السعودية، وبالتالي من المتوقع بقوة أن تكون جزءاً أساسياً من الصفقة.
- طائرات النقل: أشارت التقارير إلى إمكانية شراء طائرات نقل عسكرية من طراز C-130 Hercules من شركة لوكهيد مارتن. يؤكد هذا الاهتمام على الحاجة لتعزيز القدرات اللوجستية والقدرة على إعادة الانتشار السريع للقوات والمعدات.
- أنظمة الرادار والقيادة والاتصالات: تُعد هذه الأنظمة محورية لربط وتكامل مختلف مكونات القوة العسكرية، وبالتالي من الطبيعي أن تكون ضمن حزمة التسليح لضمان الفعالية التشغيلية الشاملة.

أمثلة محددة للأنظمة العسكرية المحتمل إدراجها
فيما يلي أمثلة أكثر تحديداً للأنظمة التي قد تشملها الصفقة، استناداً إلى التسريبات والاحتياجات المعروفة:
- القوة الجوية:
- F-15SA Advanced Eagle: تُعد هذه المقاتلة عنصراً رئيسياً في القوات الجوية الملكية السعودية، ومن الوارد أن تتضمن الصفقة مزيداً من عمليات التحديث أو الاستحواذ على نسخ إضافية.
- F-35 Lightning II: كما ذكرنا سابقاً، يبقى احتمال حصول المملكة على هذه المقاتلة الشبحية ضعيفاً في المدى المنظور نظراً للالتزام الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
- الطائرات المسيرة (UAVs/Drones):
- General Atomics MQ-9B SeaGuardian: هذه الطائرة المسيرة المخصصة لمهام المراقبة والاستطلاع (ISR) مرشحة بقوة لتكون عنصراً أساسياً في الصفقة، خاصة لتعزيز قدرات المراقبة البحرية والبرية.
- الدفاع الجوي والصاروخي:
- Lockheed Martin THAAD (Terminal High Altitude Area Defense): منظومة بالغة الأهمية لاعتراض الصواريخ الباليستية على ارتفاعات عالية، ومن المتوقع زيادة أعدادها أو تحديث المنظومات الحالية.
- Raytheon MIM-104 Patriot (بما في ذلك PAC-3 MSE): نظام الدفاع الجوي والصاروخي الأكثر استخداماً لمواجهة الصواريخ الباليستية التكتيكية والتهديدات الجوية الأخرى. من المرجح تزويد المملكة بمزيد من البطاريات أو صواريخ اعتراضية متقدمة (مثل PAC-3 MSE).
- الذخائر الموجهة بدقة:
- ذخائر موجهة متنوعة: يُتوقع إدراج حزمة كبيرة من الذخائر الموجهة بدقة من شركات رئيسية مثل Raytheon (RTX) وبوينغ. تشمل الأمثلة الشائعة القنابل الموجهة بالليزر (Paveway) وذخائر جو-أرض متقدمة أخرى ضرورية لدعم العمليات القتالية.
- طائرات النقل:
- Lockheed Martin C-130 Hercules: طائرة النقل العسكري العمود الفقري للعديد من القوات الجوية، ويُرجح أن يتم شراء نسخ جديدة لتعزيز قدرات النقل الجوي التكتيكي.
- أنظمة أخرى محتملة:
- قد تشمل الصفقة أيضاً صواريخ متنوعة (غير دفاع جوي)، أنظمة رادار جديدة، معدات اتصالات متطورة، وتكنولوجيا الأمن السيبراني. كما أشارت بعض التقارير إلى احتمال تضمنها لطوربيدات خفيفة الوزن.

الدوافع الاستراتيجية والدفاعية وراء سعي السعودية للحصول على هذه الأسلحة
تتعدد الأسباب والدوافع الاستراتيجية والدفاعية التي تجعل المملكة العربية السعودية تسعى للحصول على هذه القدرات العسكرية النوعية في التوقيت الراهن، ومن أبرزها:
- التصدي للتهديدات الإقليمية المتنامية: في مقدمتها الأنشطة الإيرانية ووكلائها في المنطقة، خاصة هجمات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المتكررة.
- ضمان التفوق الجوي: في منطقة تشهد سباق تسلح وتطوراً في القدرات الجوية لدى بعض القوى الإقليمية، يُعد الحفاظ على قوة جوية ردعية ومتفوقة أمراً حاسماً لأمن المملكة وقدرتها على فرض سيادتها الجوية.
- تأمين الحدود الشاسعة: تمتلك المملكة حدوداً برية وبحرية واسعة، تتطلب حماية فعالة ضد عمليات التسلل والتهريب والتهديدات الأخرى، وتساهم الأنظمة الحديثة في تعزيز هذه القدرات.
- تطوير قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR): لتعزيز الوعي الظرفي ومراقبة التطورات الإقليمية ورصد التهديدات المحتملة مبكراً.
- تحديث القوات المسلحة: استبدال الأنظمة القديمة بأنظمة أحدث وأكثر تطوراً لرفع الكفاءة القتالية وتعزيز القدرات في مختلف الصنوف.
- تعزيز التوافقية العملياتية مع القوات الأمريكية: يُعد الحفاظ على قدر عالٍ من التوافقية (Interoperability) بين أنظمة التسليح السعودية والأمريكية أمراً ضرورياً لتسهيل التخطيط للعمليات المشتركة وتنفيذها في إطار الشراكة الاستراتيجية.
صفقات تاريخية كبرى.. سوابق لقياس الصفقة المرتقبة
لتقييم حجم وأهمية الصفقة المحتملة المرتقبة، من المفيد النظر إلى صفقات التسليح الكبرى السابقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية:
- صفقة عام 2017: تُعد الحزمة التي تم الإعلان عن نواياها خلال زيارة الرئيس ترامب عام 2017، بقيمة أولية تبلغ 110 مليارات دولار وسقف محتمل يصل إلى 350 مليار دولار، أقرب سابقة تاريخية من حيث الحجم والنطاق يمكن القياس عليها.
- صفقة عام 2010: يُشير إخطار إدارة أوباما للكونغرس بصفقة قيمتها نحو 60.5 مليار دولار إلى القدرة على إبرام حزم دفاعية كبيرة ومتنوعة بين البلدين.
- صفقة مقاتلات F-15SA عام 2011: على الرغم من أن قيمتها (29.4 مليار دولار) كانت أقل من الصفقات المذكورة أعلاه، إلا أنها مثلت استثماراً استراتيجياً كبيراً في تعزيز القدرات الجوية المتقدمة للمملكة.
تؤكد هذه السوابق التاريخية وجود نمط مستمر من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية واسعة النطاق إلى المملكة على مدار عقود. وغالباً ما يتم ربط هذه الصفقات في الخطاب الرسمي بتعزيز التعاون الاستراتيجي المشترك ومواجهة التحديات والخصوم في المنطقة.
الأثر المحتمل للصفقة على موازين القوى في الخليج العربي
مما لا شك فيه أن إتمام صفقة تسليح بهذا الحجم سينتج عنه تعزيز كبير للقدرات العسكرية السعودية في مختلف الأبعاد، وهو ما قد يحمل آثاراً ملموسة على موازين القوى القائمة في منطقة الخليج العربي:
- تغيير محتمل في موازين القوى: ستمتلك المملكة قدرات ردع وقوة نيران أكبر، مما قد يعيد تشكيل التوازنات العسكرية الحالية مع القوى الإقليمية الأخرى.
- تحفيز سباق التسلح: قد تدفع هذه الصفقة دولاً أخرى في المنطقة إلى السعي للحصول على أنظمة تسليح متقدمة مماثلة أو مضادة للحفاظ على توازناتها الأمنية، مما قد يؤدي إلى تصاعد في سباق التسلح الإقليمي.
- التأثير على النظرة الإقليمية: بينما يمكن اعتبار تعزيز القدرات الدفاعية (مثل الدفاع الجوي والصاروخي) عاملاً استقرارياً، إلا أن امتلاك قدرات هجومية أكبر قد يُنظر إليه من قبل الخصوم الإقليميين كتهديد محتمل.
- ترسيخ الدور الأمريكي: ستؤكد الصفقة مجدداً على دور الولايات المتحدة كشريك أمني رئيسي للمملكة والمنطقة بشكل عام، وربما يقلل ذلك من حصة الموردين الآخرين للأسلحة مثل روسيا والصين في السوق السعودية.
صفقة ضخمة محتملة بآثار متعددة الأوجه
في ضوء هذه المعطيات، تقف صفقة التسليح المرتقبة عند مفترق طرق حاسم: بين فرصة تاريخية لإعادة رسم ملامح القوة في الخليج، وبين اختبار صعب لقدرة التحالف السعودي-الأمريكي على الصمود أمام رياح السياسة والمتغيرات.
الأيام المقبلة وحدها ستكشف إن كانت هذه الصفقة ستصبح حجر الزاوية في معادلات الأمن الإقليمي، أم أنها ستظل مجرد طموح معلق في فضاء الاحتمالات.




