العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

ترامب 2.0: إعادة تشكيل المشهد العالمي في الاقتصاد والأمن

العقيد الركن م. ظافر مراد

في عالم اليوم، يواجه الجميع حالة من الارتباك والضبابية تتجلى على مستويين رئيسيين: الأول اقتصادي، ناجم عن التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس ترامب على العديد من الدول. أما الثاني فهو أمني، مرتبط بموقف ترامب من النزاع الروسي-الأوكراني والحرب في غزة، بالإضافة إلى الضغوط العسكرية على الحوثيين في اليمن وتهديد إيران.

ما يقوم به ترامب ليس مجرد رد فعل عابر لوصوله إلى منصب الرئاسة الأمريكية، بل هو نتيجة لخطط مدروسة ومعدة مسبقًا. خلال فترة الانتخابات، واجه ترامب هجمات مكثفة من وسائل الإعلام، وهو الآن يواجه نفس الضغوط من المعارضين والشركات والدول المتضررة من سياساته الخارجية، سواء كانت اقتصادية أو أمنية.

ترامب لطالما اعتبر القوة الاقتصادية جوهر القضية بالنسبة للولايات المتحدة. يرى الصين كأول تهديد وأهم خطر يهدد الدوائر الاقتصادية الأمريكية وسمعة الدولار كعملة عالمية. وفي المستوى الثاني، تأتي أوروبا التي تعتبر عملتها اليورو منافسًا حقيقيًا للدولار على الساحة العالمية. جهود ترامب تسعى إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي ليتناسب مع التحولات الدولية المستجدة، مستهدفًا تعزيز الاستقلال الأوروبي عن السياسات الأمريكية ومواجهة التحديات المتزايدة التي تطرحها الصين.

على الجانب الأمني، يؤكد ترامب أن روسيا ليست خطرًا مباشرًا على مصالح الولايات المتحدة. يهدف إلى إنهاء النزاع مع أوكرانيا وسعيه لصياغة علاقات خارجية جديدة معها، مما يسمح لها بالابتعاد عن تحالفها مع الصين وإيران. أما في الشرق الأوسط، فإن أمن إسرائيل وضمان استقرار المنطقة يحتلان أولويات قصوى، حيث اتهم الإدارة السابقة بخلق فوضى أمنية بسبب التعامل الضعيف مع إيران.

الولايات المتحدة في حالة استعداد كبيرة لمواجهة محتملة مع إيران، وهذا الاستعداد يتطلب تكاليف جسيمة ويتخذ طابعًا جديًا. من بين مؤشراته، هي عمليات إرسال العشرات من الطائرات الأمريكية، بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية B-52 و B-2، إلى قاعدة دييغو غارسيا، حيث يُظهر ذلك أنها ليست مجرد إجراءات ردع ولكن تحضيرات لعمل عسكري فعلي.

تعد هذه القاعدة محورية للغاية بالنسبة للعمليات العسكرية الأمريكية السابقة في منطقة الشرق الأوسط. يكمن سرّ أهميتها في عزلتها النسبية عن التهديدات المحتملة، حيث تتيح القدرة على مراقبة وحماية محيطها بشكل فعال. تقع في نقطة جغرافية استراتيجية بالمحيط الهندي، مما يجعلها نقطة انطلاق رئيسية لأي عمليات عسكرية في أفريقي أو الشرق الأوسط، تبعد الجزيرة حوالي 3000 كم عن سواحل أفريقيا و3800 كم عن إيران. تم استئجارها من قبل الولايات المتحدة من بريطانيا في عام 1966، وتتميز بمطار يحتوي على مدرجين بطول 3700 م، بالإضافة إلى ساحات واسعة قادرة على احتضان عدد كبير من القاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى مثل B-52 وB-2 الشبحية. علاوة على ذلك، تحتوي على مخازن عملاقة لوقود السفن والطائرات، مما يعزز سمعتها كواحدة من أبرز القواعد اللوجستية العسكرية الأمريكية والبريطانية، وتستوعب الميناء الخاص بها أكبر السفن الحربية والغواصات وحاملات الطائرات.

تحتوي القاعدة أيضًا على أنظمة متقدمة للاستخبارات والمراقبة، مما يجعلها هدفاً حسّاساً. وقد حذرت طهران سابقًا من تنفيذ ضربات ضد هذه القاعدة إذا تعرضت لهجوم. ومع ذلك، تعتبر قدرات إيران على استهدافها ضعيفة نسبيًا، حيث تمتلك عددًا محدودًا من الوسائل القادرة على الوصول إليها، مثل صاروخ خرمشهر-4 والطائرة المسيرة شاهد 136/ب، والتي يسهل رصدها وإسقاطها نظرًا للمستوى العالي من الحماية الذي تتمتع به القاعدة.

عززت الولايات المتحدة قواتها في المنطقة بجلب حاملة الطائرات “USS Carl Vinson” مع المجموعة البحرية القتالية التابعة لها. تم أيضًا نقل عشرات الطائرات الحديثة من طراز F-15 EX وF-35 إلى القواعد الجوية المحلية، فضلاً عن نقل منظومة “ثاد” ثانية إلى إسرائيل، مما يتيح شبكة دفاع جوي متكاملة لحماية المنشآت الحيوية بها. كما لوحظت الزيارات المتكررة للجنرال الأمريكي “مايكل كوريلا” إلى إسرائيل، حيث تركزت اللقاءات مع القادة العسكريين في الوزارة، مما يشير إلى ضرورة التنسيق في حال حدوث أي صراع محتمل مع إيران.

كل هذه التحركات تأتي في إطار إعادة تشكيل الدور الأمريكي في عهد ترامب. ورغم المخاطر الاقتصادية العالمية، فإن احتمالية الحرب مع إيران قد تعقد الأمور بشكل أكبر. مع المشاورات الجارية بين روسيا والصين وإيران بشأن ملفها النووي، يُعتقد أن روسيا ستقوم بدور جوهري في صياغة اتفاقية جديدة بين إيران والولايات المتحدة. ولكن في حال فشلت الجهود الدبلوماسية، سيكون من المهم أن نفهم أن روسيا والصين لن تتورطا في أي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة للدفاع عن إيران.

تبقى احتمالات الصراع بين الولايات المتحدة وإيران مرتفعة، حيث من المتوقع أن تعتمد إيران على استراتيجية التفاوض الطويل والمجزأ. ولكن بينما تسعى الإدارة الأمريكية للحصول على اتفاقية سريعة وحاسمة، قد يجد النظام الإيراني نفسه في وضع يعكس الحاجة للبقاء على قيد الحياة، مما قد يجبره على تقديم تنازلات خطيرة. ومع ذلك، إذا لم تتوصل الأطراف إلى حل، قد تلوح في الأفق حرب قادمة ستدخلها الولايات المتحدة مع شركائها الاستراتيجيين، وفي مقدمتهم بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى