محمود جمالمقالات رأي

“مصر وفرنسا تُطلقان شراكة استراتيجية: تحولات جذرية في التعاون العسكري وصفقات الأسلحة الكبرى”

محمود جمال – باحث في الشؤون العسكرية والأمنية

في خطوة تعكس عمق العلاقات بين مصر وفرنسا، وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إعلاناً مشتركاً يهدف إلى رفع مستوى التعاون بين البلدين إلى “شراكة استراتيجية” تغطي مجموعة واسعة من المجالات والقطاعات.

تعد فرنسا شريكاً قريبا لمصر، حيث تتعاون الدولتان في معالجة القضايا الإقليمية الساخنة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، ليبيا، والسودان، فضلاً عن تعزيز الأمن في البحر الأحمر. من الجدير بالذكر أن التعاون يتسع أيضاً ليشمل المجالات العسكرية والتصنيع المشترك ونقل التكنولوجيا.

قدمت فرنسا لمصر مجموعة من المنظومات الدفاعية المتطورة، ومن بينها 54 مقاتلة من طراز “رافال”، حيث تم التعاقد على 24 طائرة في عام 2015 و30 طائرة إضافية في صفقة ثانية في عام 2021. كما تم توفير حاملتي مروحيات وسفن هجومية برمائية من طراز “ميسترال”، إضافةً إلى فرقاطة “فريم أكتين” و4 كورفيتات من طراز “جوويند”، مما يعكس التعاون العسكري الاستراتيجي بين البلدين.

تقديم الذخائر الجوية والبحرية المتقدمة كان جزءاً آخراً من هذا التعاون. فقد حصلت القوات المسلحة المصرية على صواريخ كروز “ستورم شادو”، التي تصل مدى 300 كم، وصواريخ القتال الجوي خلف مدى الرؤية، بالإضافة إلى القنابل الذكية “AASM Hammer” وعدد من أنظمة الدفاع الجوي.

ولا يتوقف التعاون العسكري عند استيراد أنظمة الأسلحة فحسب، بل يتجاوز ذلك ليتضمن البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا والتصنيع المشترك في مجال الصناعات الدفاعية. واحدة من أبرز نتائج هذا التعاون هي الشراكة بين “الشركة العربية العالمية للبصريات” و”تاليس” الفرنسية، والتي تتوزع ملكيتها على 49% لشركة تاليس و51% لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.

في خطوة حديثة، تم تأسيس شركة جديدة تحت اسم “تاليس آند بنها للصناعات الإلكترونية”، التي تهدف إلى تصنيع أجهزة الاتصال العسكرية والمعدات الإشارية محلياً. كما تم نقل تكنولوجيا تصنيع كورفيتات “جوويند” الفرنسية، مما يتعلق بإعادة إحياء وتصنيع هذه السفن محلياً في مصر.

إن التعاون يمتد أيضاً إلى مجال تصنيع أجزاء من طائرات شركة “داسو” الفرنسية في المصانع المصرية، مما يعكس التزام البلدين بتعزيز قدراتهما الدفاعية وتوطين الصناعات العسكرية.

تعتبر مصر واحدة من الحلقات الرئيسية في سلاسل الإمداد العالمية لشركة “داسو” الرائدة في صناعة الطائرات، وذلك بما يشمل مكونات طائرات “فالكون” الفاخرة وبعض أجزاء مقاتلات “رافال”.

لتعزيز القدرات الفنية في مجال تصنيع الطائرات، أطلقت شركة داسو الفرنسية بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع “مدرسة تكنولوجيا صناعة الطائرات” في حلوان. كما أنشأت مع شركة تاليس “أكاديمية تاليس للتدريب” لتأهيل المهندسين والفنيين في مجالات الصناعات الدفاعية المتقدمة.

لا تقتصر أوجه التعاون على الجانب العسكري فقط، بل تشمل أيضًا مجالات التكنولوجيا، والأمن السيبراني، وتوطين الصناعات المدنية، وصناعات السكك الحديدية، بالإضافة إلى مشروعات البنية التحتية وقطاعات التنقيب عن النفط. تدل هذه المبادرات على التوجه نحو شراكة استراتيجية متكاملة بين الدولتين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى