العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

من أسلحة الردع إلى نفوذ التأثير: استراتيجية أمريكا في إدارة مصالحها

العقيد الركن م. ظافر مراد

يتأرجح العالم اليوم حول محور رئيسي: “المصالح الأميركية”. كل حدث يهم الساحة الدولية أو الإقليمية يرتبط بشكل أو بآخر بهذه المصالح. حيث تعتبر الولايات المتحدة، بفضل وجود أكثر من 750 قاعدة عسكرية حول العالم، نفسها عنصراً مهماً في جميع التطورات العالمية. وتتعامل مع الدول كمنافسين يؤثرون على تلك المصالح، مما يجعل هذه المصالح تفوق أي اعتبار آخر.

تتعدد القوى المتنافسة على الساحة الدولية، ومن أبرزها الحكومات، واللوبيات السياسية، والشركات متعددة الجنسيات، والمنظمات غير الحكومية. كما تمثل الجماعات العسكرية بجانب هيئات دينية جزءاً مهماً من هذه المعادلة. يكمن دور الدين في كونه عامل مؤثر عبر الحدود؛ حيث أبرزت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط أهمية هذا العنصر. على سبيل المثال، استطاعت إيران من خلال الدين إنشاء تحالفات عسكرية غير حكومية ساعدتها في السيطرة على نقاط استراتيجية مثل مضيقي باب المندب وهرمز. بناءً على ذلك، يُعتبر الدين عنصراً أساسياً في القوة الوطنية لكل دولة، ويجب أخذه بعين الاعتبار عند دراسة الأوضاع الجيوسياسية.

تواجه الولايات المتحدة تحديات حقيقية بشأن استخدام القوة العسكرية في سياستها الخارجية. فقد أدركت الإدارات المتعاقبة أن القوة الصلبة لم تعد الخيار الوحيد، وأنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية مع خصوم ذوي خلفيات دينية، حيث تختلف لديهم معايير النصر والهزيمة. وقد ساهم ذلك في تحويل طبيعة الصراعات إلى صراعات هجينة تشمل جميع الساحات. لذلك، بات من الضروري لصناع القرار في واشنطن مراجعة استراتيجياتهم والعمل على تنسيق عناصر القوة الأميركية من خلال مزج القوة الصلبة والناعمة، مما يعرف بـ “القوة الذكية”.

رغم صعوبة التأقلم الدولي مع تغييرات السياسات الخارجية الأميركية عند كل إدارة جديدة، كانت فترة ترامب لها طابع مختلف. فقد سعى إلى إقصاء القوة العسكرية عن سياسته، معتمداً على وسائل إكراه جديدة. وهذا لا يدل على الاعتماد بشكل كامل على القوة الناعمة، بل على عناصر أخرى من القوة الأميركية، مع التركيز على تفادي الاستخدام المباشر للقوة العسكرية، مما يؤدي إلى تأثيرات جديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

في عالم تتداخل فيه الضغوط وتتشابك، تتبنى الولايات المتحدة نهجًا يعتمد على “القدرة على الإرغام”. ذلك يشمل مجموعة واسعة من الأدوات مثل العقوبات الاقتصادية، والتضييق على التجارة، والدعم الخفي للمعارضة، بالإضافة إلى العمليات السيبرانية والاستخباراتية، بهدف فرض إرادتها على خصومها ودفعهم نحو قبول شروط معينة.

مع تولي إدارة ترامب، شهدنا تحولات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية. تغيرت ديناميكيات جماعات الضغط، فقد تراجعت هيمنة شركات السلاح لتبرز أمامها قطاعات مثل الصناعة والتجارة والنقل. هذا التغيير دفع السياسة الخارجية إلى مسارات جديدة، شاملًا وقف الحروب وتعزيز السلام وفتح آفاق الاستثمار، مما قد يُعد انقلابًا في كيفية تناول تلك القضايا التاريخية.

رغم أن سياسة ترامب لم تلغِ من أهمية القوة العسكرية، إلا أن الاستخدام الحديث للإرغام يبدأ غالبًا قبل أي تدخل عسكري. يتضح أن هذه الأساليب قد تكللت بنجاح، كما في الحالة الصينية خلال الحرب التجارية، حيث تم تعديل الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة. مثل هذه الاستراتيجيات تتيح تحقيق الأهداف بدون مخاطر جسيمة.

تظهر السياسة الخارجية الأمريكية بمبدأ “لكل حادث حديث”، حيث يتم الاستعداد بشكل دائم للتعامل مع أحداث منطقة الشرق الأوسط. وقد صرح المسؤولون عن تغييرات جذرية في الأوضاع السياسية والأمنية. هذه العملية تعني تفكيك الأنماط المعقدة، مثلما حصل مع اتفاقات الهدنة في غزة ولبنان، مع ضرورة مواجهة تحديات مثل النفوذ الإيراني في العراق الذي يتطلب ضغطًا وتأثيرًا واضحًا من أجل تحقيق أهداف محددة.

أما بخصوص الحوثيين في اليمن، فقد شرعت إدارة ترامب بتصنيفهم كمنظمة إرهابية، مما تمهد الطريق لتوجيه ضربات مركزة ضدهم لضمان الاستقرار في المنطقة. كما أن معالجة الملف الإيراني تستدعي خيارات حاسمة، إذ يتعين عليهم إما الرضوخ لشروط الإدارة الأميركية أو مواجهة تبعات أخرى.

تماشياً مع رؤية ترامب لمستقبل المنطقة، ينصب التركيز على إيران خالية من السلاح النووي، دولة لا تشكل تهديداً لجيرانها، خاصةً إسرائيل. يُظهر المشهد إمكانية وقوع مواجهة عسكرية شاملة، مترافقاً مع أحداث داخلية وخارجية قد تُربك القيادة الإيرانية. وعلى خلاف بعض الآراء، تبدو فرص الحل الدبلوماسي والتوصل إلى اتفاق مع إيران كبيرة وواعدة.

تعمل إدارة ترامب على إعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية من خلال تغييرات جذرية باتت واضحة. إذ يسعى ترامب لإغلاق أبواب ليقوم بفتح أخرى يعتبرها أكثر أهمية، وبذلك يرسم لنفسه دوراً بارزاً يمكنه من تنفيذ أفكاره المثيرة للجدل. لديه الجرأة للتواصل مع ألد أعدائه ويطرح أفكاراً قد تبدو للوهلة الأولى غير تقليدية، إلا أن خلف هذه الأفكار تكمن أهداف خفية يسعى لتحقيقها.

يركز ترامب على الخصومات الاقتصادية، حيث يعتبر الصين التهديد الرئيسي للهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي. أمّا في الجانب الأمني والعسكري، فيرى أن إيران والمنظمات العسكرية التابعة لها تشكل الخطر الأساسي على أمن الولايات المتحدة ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط والعالم. مع بداية فترة ترامب، شهدنا تغييرات هائلة في السياسات الخارجية للدول، وبالأخص الدول الكبرى التي تشارك في الأحداث المهمة.

في ختام الأمر، يبقى الانتظار لرؤية ما ستسفر عنه سياسة ترامب الخارجية وقراراته المثيرة للجدل. هذا يتطلب بعض الوقت، حيث أن الفارق بين القرارات الجريئة والمتهورة لا يُقاس فقط risiko ولكن أيضاً بالنتائج النهائية. ربما في المستقبل، سيصفق لمن كان ينتقد سياسة ترامب، وقد يحدث العكس أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى