
تطورات أسلحة الطاقة الموجهة
العقيد الركن م. ظافر مراد
على مدار العقدين الماضيين، شهدت تقنيات الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية تطورات هائلة، مما أطلق سباقاً جديداً في ميدان التسلح. الصراعات الحالية بين القوى الكبرى قد ساهمت كثيراً في تطوير أنظمة القتال، مع تركيز خاص على الأنظمة غير المأهولة والقادرة على اتخاذ القرار بأنفسها. كما أدت الابتكارات في مجال الصواريخ ذات السرعات الخارقة إلى تحديات جديدة في كيفية اعتراضها. لذا، جاء التحفيز من طرف مراكز البحث والشركات الأمنية والدفاعية التي تخصص مليارات الدولارات في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتبقى في الصدارة العالمية. هذه الابتكارات تهدف إلى ضمان قدرة الجيوش الصديقة على تحقيق انتصارات سريعة وتعزيز الأمن الوطني.

تعتبر أسلحة الطاقة الموجهة (DEWs) – من أبرز المبتكرات العسكرية المعاصرة. تستعين هذه الأسلحة بطاقة كهرومغناطيسية مركزة للاعتراض والتعامل مع التهديدات، حيث تشمل أشعة الليزر عالية الطاقة وأنظمة كهرومغناطيسية متطورة. على عكس الأسلحة التقليدية، تتمتع أسلحة الطاقة الموجهة بميزة تقليل الخسائر الجانبية، فضلاً عن القدرة على عكس تأثيراتها مما يتيح إعادة الوضع إلى طبيعته بعد الهجوم.
تلعب التكنولوجيا المتفوقة دوراً أساسياً في حسم النزاعات المستقبلية؛ فالمعركة لن تحسم للجيوش الأكبر، بل لأولئك الذين يمتلكون أسلحة فائقة الدقة وقادرة على تدمير قدرات العدو سياسياً وعسكرياً بسرعة وفعالية. تستخدم أسلحة الطاقة الموجهة تقنيات متقدمة يمكن أن تتلف الأنظمة الإلكترونية في نطاق معين، وذلك عبر استخدام أطوال موجية متنوعة، ما يمنحها قدرة اختراق استثنائية عبر مواد مختلفة.

أنواع أسلحة الطاقة الموجهة
تجري الأبحاث لتطوير أسلحة الطاقة الموجهة، وهي تتضمن تصنيفات رئيسية مثل:
- High Energy Lasers (HEL): النوع الأكثر شيوعاً، يتم استخدامه بكثرة في الأنظمة البرية والبحرية والجوية. تصدر أشعة الليزر عالية الطاقة شعاعًا مركّزًا من الضوء غالباً ما يكون من طيف الأشعة تحت الحمراء.
أسلحة الطاقة الموجهة: ابتكارات وتأثيرات مختلفة
تقدم أسلحة الطاقة الموجهة مجموعة من التأثيرات تتراوح بين غير القاتلة والقاتلة، مما يسمح بالتحكم الدقيق في استخدامها وفقًا لمتطلبات المعركة. تتنوع أساليب الاستخدام من تعطيل الأنظمة الإلكترونية العدو إلى تدمير الأهداف المهمة.
أنواع أسلحة الطاقة الموجهة
- أشعة الليزر: تعمل على إنتاج طاقة منخفضة تصل إلى 1 كيلو وات، وتمتاز بالدقة العالية في استهداف المعادن والبلاستيك والمواد الأخرى من خلال التحكم في الأشعة المستمرة أو النبضية.
- أسلحة الموجات المليمترية: تستخدم في نطاق الطول الموجي من 1 إلى 10 مليمتر، حيث توفر طاقة تزيد عن 1 كيلو وات. تستهدف الأهداف المتعددة بفعالية من خلال تسخين الطبقة العليا للجلد، مما يجبر الأفراد على التفرق بسبب الإحساس بالحرارة الشديدة.
- أسلحة الميكروويف عالية الطاقة: تنتج موجات ميكروويف تستطيع تعطيل الأهداف من خلال طاقة تتجاوز 100 ميغاواط، وهي فعالة في استهداف مجموعة واسعة من الأهداف ضمن نطاق شعاعها.
تأثيرات الأسلحة وطريقة استخدامها
تعتمد التأثيرات على عدة عوامل مثل مدة التعرض والمسافة والمنطقة المستهدفة. يمكن استخدامها بطرق تتراوح من التعطيل المؤقت للأنظمة الإلكترونية إلى الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى الانهيار التام للأهداف. بالإضافة إلى ذلك، تتجه العديد من الأبحاث إلى استخدام هذه الأسلحة في الفضاء، حيث تُعتبر فعالة ضد الأقمار الصناعية والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية.
الشركات الرائدة في تطوير أسلحة الطاقة الموجهة
نشر موقع “Kings Research” تقريرًا يسلط الضوء على الشركات البارزة في مجال تطوير أسلحة الطاقة الموجهة، والتي تشمل:
- Lockheed Martin Corporation: تُعدّ واحدة من أبرز الشركات في صناعة الأسلحة، حيث طورت نظام Helios لمواجهة الطائرات بدون طيار.
- Boeing: تعتبر رائدة في تطوير نظام “CHAMP” الذي يستخدم المايكروويف لتعطيل الأنظمة الإلكترونية بشكل فعال دون التسبب في تدمير مادي.
- Rafael Advanced Defense Systems: رائدة في تصنيع أسلحة الليزر، وتقدم نظام “Iron Beam” المخصص للتصدي للتهديدات قصيرة المدى.
- Rheinmetall AG: أدخلت نظام دفاع جوي متقدم يدمج أسلحة الطاقة الموجهة ضد الطائرات المسيرة والصواريخ.
- MBDA: تُعنى بدمج التقنيات الموجهة ضمن أنظمة الدفاع الحديثة.
- RTX Raytheon Technologies: هذه الشركة حققت تقدمًا ملحوظًا في استخدام الليزر في أنظمة الدفاع الجوي لمواجهة الصواريخ والتهديدات الجوية. تُعد أنظمتها القابلة للتكامل مع منصات جوية وبحرية وأرضية مثيرة للإعجاب.
- BAE Systems: تركز هذه الشركة على تطوير أسلحة تعمل بالليزر وأخرى تعتمد على موجات المايكروويف، مع أهمية المرونة والقدرة على استخدامها في منصات متعددة الاستخدامات.
- Northrop Grumman Corporation: تتطلع هذه الشركة إلى تحقيق تقدم في أسلحة الطاقة الموجهة، بما في ذلك الليزر العالي الطاقة، من خلال تطوير أنظمة فعّالة لمواجهة التهديدات الحديثة والمتقدمة.
تُقدَّر القيمة العالمية لسوق الأسلحة الموجهة بالطاقة بحوالي 6.1 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى حوالي 8 مليار دولار في عام 2024، بينما قد تصل إلى 47.1 مليار دولار بحلول عام 2032. يظهر معدل نمو سنوي مركب يقدر بـ 25.45٪ خلال الفترة بين 2024 و2032. تشهد أسلحة الطاقة الموجهة نموًا عالميًا، حيث يبلغ معدل النمو سنويًا في أمريكا الشمالية 25.7٪، وفي آسيا والمحيط الهادئ 25.9٪، بينما يحقق السوق الأوروبي نموًا ملحوظًا. يعزز الإنفاق العسكري الأمريكي، من خلال مشاريع مثل مركبة سترايكر بالليزر 50 كيلووات، سوق أمريكا الشمالية، في حين يعزز الإنفاق العسكري الصيني التدفقات في سوق آسيا والمحيط الهادئ مع استثمار اليابان 100 مليون دولار لنشر 150 نظامًا خلال خمس سنوات. في الوقت نفسه، يتجه السوق الأوروبي نحو تطوير أبحاث الأسلحة الليزرية والاستثمارات البحرية.
تشمل الأسباب الدافعة وراء نمو سوق الأسلحة الموجهة زيادة الطلب على هذه التقنيات لتمكين الدقة وتقليل الأضرار الجانبية، خصوصًا في السيناريوهات العسكرية التي تشمل مناطق مأهولة أو أهداف حساسة. تتضمن التطورات التكنولوجية المستمرة والبحوث في هذا المجال فرصًا كبيرة للاعبين في صناعة الأسلحة. تتمتع أسلحة الطاقة الموجهة بدقة استثنائية، حيث يمكن أن تحقق بعض الأنظمة دقة شبه خالية من العيوب تصل إلى أكثر من 90٪ وفقًا لتقارير وزارة الدفاع الأمريكية.
تعتبر دقة أسلحة الطاقة الموجهة طفرة في عالم التكنولوجيا العسكرية، حيث تقدم مزايا استراتيجية في سيناريوهات الحرب الحديثة التي تتميز بالتهديدات غير المتكافئة. مع استمرار تطوير هذه الأنظمة وبلوغ مفاهيم استخدامها مرحلة النضوج، ستعزز مكانتها كأدوات دقيقة تلبية احتياجات الأسواق العسكرية. من المهم ملاحظة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال تفتقر إلى التركيز المطلوب على هذه الأسلحة، خاصة في منطقة الخليج. يتوقع أن يزداد الطلب مع تزايد الوعي بأهمية هذه التقنيات في المستقبل وضرورة دمجها في المنظومات القتالية العربية.





