
العميد م. ناجي ملاعب
وفقاً لتقرير حديث صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، استحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على نسبة 43% من صادرات الأسلحة العالمية بين عامي 2020 و2024. وقد قامت بتصدير أسلحة إلى 107 دول. على الرغم من حالة الثبات النسبي التي شهدها سوق الأسلحة، إلا أن قائمة الدول المستوردة شهدت تحولاً كبيراً، حيث احتلت أوكرانيا الصدارة. يشير التقرير إلى أن بعض البلدان قد زادت من تسليحها بينما انخفضت أخرى، مما يعكس التغيرات الجيوسياسية المأساوية التي يعيشها العالم حاليا.
تظهر التغيرات الملحوظة بين بلدان استيراد الأسلحة، مع تطورات سريعة في حالة ألمانيا، التي تعتزم استثمار مبالغ ضخمة لتعزيز قدرات جيشها ودعم أوكرانيا، حيث تُقدّر الاستثمارات بنحو 400 مليار يورو.
وفي الجانب الآخر من العالم، شهدت اليابان تحولًا جذريًا عن سياستها الدفاعية السلمية التي استمرت لثمانية عقود. حيث أعلنت عن خطة استراتيجية جديدة تمتد لخمس سنوات تتضمن زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تخصيص 320 مليار دولار لبناء جيشها بحلول 2027. ستحصل ميزانية الدفاع الحالية على زيادة تقدر بـ20%، مما سيسمح لليابان بأن تصبح ثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
في سبيل “إعادة تسليح أوروبا”، تسعى دول الاتحاد الأوروبي لتعبئة حوالي 800 مليار يورو، وفق ما ذكره ممثلو الدول في قمة عُقدت في بروكسل في 6 مارس 2025. يتساءل العديد، مثل اندرياس بيكر، إن كان الاستثمار في إعادة تسليح أوروبا يتطلب اتخاذ قرارات جديدة بشأن الديون المشتركة باستخدام سندات اليورو.
من اللافت أن أربع دول من الشرق الأوسط، وهي قطر والمملكة العربية السعودية ومصر والكويت، تصدرت قائمة أكثر عشر دول مستوردة للأسلحة بين عامي 2020 و2024. بالإضافة لذلك، ظهرت أربع دول أخرى من آسيا وأوقيانوسيا، وهي الهند وباكستان واليابان وأستراليا، بين الدول العشرة الكبرى في استيراد الأسلحة. كما أبدى الباحث سيمون فيزمان من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام استغرابه من قلة الاهتمام بهذه الإحصائيات، مشيرًا إلى أن آسيا وأوقيانوسيا تحتل موقع الريادة في استيراد الأسلحة.
تعد أوكرانيا الآن أكبر مستورد للأسلحة الثقيلة على المستوى العالمي بين عامي 2020 و2024. بالمقارنة مع المرحلة السابقة (2015-2019)، شهدت أوكرانيا زيادة هائلة في وارداتها من الأسلحة بلغت نحو مئة ضعف، ما يدل على تطور دراماتيكي في ظروف الحرب مع روسيا. حيث تصل تسعة في المائة من إجمالي صادرات الأسلحة العالمية إلى هذا البلد الأوروبي المنكوب بالحرب.
في هذا البحث، سوف نبحث التغيرات الجيوسياسية الحالية والمستقبلية في عالمنا، خاصة في المناطق الساخنة التي تلجأ إلى التسلح، مع التركيز على الدول المنتجة والمصدرة للأسلحة وذلك استناداً إلى تفاصيل الأرقام التي جمعها معهد سيبري والذي يهتم بدراسة تطور الإنفاق العسكري وصادرات الأسلحة على مر السنوات. هل يبقى شعار “تحقيق السلام بدلاً من الحرب” قابلاً للتطبيق؟
أولاً: الجديد في تقرير صادرات الأسلحة العالمي
التقارير التي يقدمها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام تُعتبر من المصادر الأكثر موثوقية في دراسة صناعة الأسلحة وصادراتها. تتضمن الدراسات التي يجريها المعهد، بمشاركة 60 باحثًا، تحليلات موضوعية لعالم الأسلحة وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية.
تأسس هذا المعهد الحكومي في عام 1966 ليكون مركزًا رئيسيًا للمحادثات حول نزع السلاح بين الدول المختلفة.
يستعرض تقرير SIPRI الأخير بشكل ملحوظ تزايد هيمنة الولايات المتحدة في سوق تجارة الأسلحة العالمية. حيث تلعب الأسلحة الأمريكية دورًا رئيسيًا في تحديث الجيوش على مستوى العالم. بينما يواجه قطاع السلاح الروسي تراجعًا مستمرًا، تسعى فرنسا وشركات تصنيع أوروبية أخرى لتعزيز تواجدها في السوق، خاصة داخل إطار حلف الناتو.
كما يبرز التقرير اعتماد الدول الأوروبية في حلف الناتو على الأسلحة الأمريكية. فتظهر البيانات زيادة الواردات من هذه الأسلحة أكثر من الضعف بين عامي 2015-2019 و2020-2024، حيث ساهمت الولايات المتحدة بشكل كبير بتوفير 64% من هذه المشتريات.
مع تزايد الطلب على الأسلحة المتطورة وأنظمة الإطلاق بعيدة المدى، من المتوقع أن تشتد المنافسة في مجال مبيعات الأسلحة. تساهم برامج تحديث الأنظمة الدفاعية، وكذلك إدخال الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، بشكل رئيسي في زيادة الأرباح لمصنعي الأسلحة حول العالم. وفقًا لتقرير معهد SIPRI في ديسمبر 2024، زادت مبيعات أكبر 100 شركة مصنعة للأسلحة في العالم بنسبة 4.2%، لتصل إلى قرابة 632 مليار دولار في عام 2023 وحده.
الريادة الأمريكية في سوق الأسلحة
تظل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للأسلحة على مستوى العالم، حيث تمثل 43% من إجمالي صادرات الأسلحة. وقد صدرت أسلحة إلى 107 دول بين عامي 2020 و2024. وعلق ماتيو جورج، أحد مؤلفي التقرير، قائلاً: “تحتل الولايات المتحدة مكانة فريدة في مجال صادرات الأسلحة، حيث تفوق حصتها بأربعة أضعاف عن الدولة الثانية، فرنسا. تظل أمريكا المورد المفضل للأسلحة المتطورة، بما في ذلك الطائرات الحربية وأنظمة الصواريخ.”
تراجع الصادرات الروسية وأبعادها
على النقيض، تراجعت صادرات روسيا للأسلحة بنسبة 63% بين عامي 2015 و2024. وشهدت الأعوام 2021 و2022 أدنى مستوى لصادراتها خلال العقدين الماضيين. وقد بدأ هذا الانخفاض قبل الغزو الشامل لأوكرانيا في عام 2022، ولكن الحرب عجلت بهذا الاتجاه نتيجة العقوبات الغربية التي أعاقت القدرة الروسية على تصنيع وتوريد الأسلحة. إضافةً إلى ذلك، تزايد الطلب المحلي على المعدات العسكرية بسبب تخصيص الموارد للحرب، مما أثر سلبًا على المبيعات الدولية. فقد كانت الهند تمثل 38% من صادرات الأسلحة الروسية، ولكن تحولها نحو التعاون مع الموردين الغربيين والمحليين قلل من اعتمادها على موسكو.
فرنسا تستعيد مكانتها في سوق الأسلحة
في الوقت الذي تراجعت فيه صادرات الأسلحة الروسية، ارتفعت فرنسا لتصبح ثاني أكبر مورد للأسلحة عالميًا، حيث زادت حصتها إلى 9.6%. استفادت الصناعة الدفاعية الفرنسية من عقود ضخمة للطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى شحنات كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا بعد الغزو الروسي.
علق ماتيو جورج على صعود فرنسا قائلاً: “زيادة فرنسا في سوق الأسلحة مدعومة بالمبيعات الكبيرة لطائرات رافال المقاتلة ودورها المتنامي في تعزيز الأمن الأوروبي”. وأشار إلى أن صادرات فرنسا من الأسلحة إلى الدول الأوروبية قد تضاعفت تقريبًا، مما يعكس الطلب المتزايد على المعدات العسكرية الأوروبية.
مستقبل السلام والحرب وتحديات برامج إعادة التسلح
كتب ديفيد والاس-ويلز في صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرًا: “على مدى العقد الماضي، تخلت الصين عن مظهر الخضوع الجيوسياسي وبدأت تسعى نحو الهيمنة، مما أدى إلى إطلاق مصطلح ‘دبلوماسية محاربي الذئاب’. أثار هذا الأمر جدلاً واسعًا بين صناع القرار الغربيين، بما في ذلك الرئيس بايدن، الذي خصص جزءًا كبيرًا من فترة رئاسته لإعادة إحياء المبادرات الدبلوماسية”.
تتجلى أهمية العودة إلى أخلاقيات ما بعد الحرب في المجتمع الدولي اليوم، حيث يتجلى رد فعل حركة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” في مفهوم حدة التنافس العالمي. هنا، ليست المسألة ببساطة عن الطموحات الفطرية، بل تدور حول استراتيجيات القوة والعنف في الساحة الدولية.
1 – الحرب الهادئة: الصراع بين الصين والولايات المتحدة
صدر كتاب “الحرب الهادئة” في عام 2013، حيث يستعرض التنافس العالمي بين الصين والولايات المتحدة في سياق دراسات العلاقات الدولية، مشيرًا إلى مسارات المستقبل والتحديات التي تعترض كلتا الدولتين. يعود تركيزنا على هذا الكتاب اليوم نظرًا للوضع الحالي الذي تعيشه الإدارة الأمريكية، حيث أظهر الرئيس السابق دونالد ترامب وعدًا بإنهاء الأزمات العسكرية التي وضعت في زمن الإدارة السابقة.
يبرز الكتاب قدرة مؤلفه على تقديم تحليل موضوعي، حيث يأخذ بعين الاعتبار نقاط القوة والضعف لدى كلا الطرفين، مما يسهم في فهم خفايا العلاقة المعقدة بين أكبر اقتصادين في عصرنا.
تشير العبارة “الحرب الهادئة” إلى حالة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تمتد هذه المنافسة إلى المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية. ومن الجدير بالذكر أن هذا الصراع ليس جديدًا، بل هو جزء من تاريخ طويل من الصراعات الدولية.
يقارن الكاتب بين ما حدث في الحرب الباردة وتنافس القوى العظمى السابقة مثل بريطانيا. بالرغم من اعتقاد الغرب بأنه قد انتصر، تشير التحليلات إلى أن الصين قد تكون الفائز الحقيقي، مما يجعل من هذه المنافسة أكثر تعقيدًا وأهمية.
يستعرض الكاتب الاختلافات الجوهرية بين العلاقة الحالية مع الصين والعلاقة السابقة مع الاتحاد السوفيتي، حيث أصبحت طبيعة الصراع أكثر ارتباطًا بالتعاون التجاري، مما يزيد من فرص تجنب الصدامات العسكرية.
تشير الآراء حول العلاقة الاقتصادية المتشابكة بين الولايات المتحدة والصين إلى أن الضرر الناتج عن أي صراع محتمل سيكون مشتركًا بين الطرفين، مما يجعل الحرب أمرًا مستبعدًا بالنظر إلى الاكتشافات الأخيرة في التعاون الاقتصادي.
2 – المجمع الصناعي العسكري: محرك اقتصاد الحرب
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبحت الحرب والتهديدات جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية، حيث تُعتبر الأداة الأساسية لتحقيق الأهداف السياسية وتعزيز الاقتصاد الوطني. تلعب الصناعات العسكرية دورًا حيويًا في هذا السياق، إذ تسهم في ضمان النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، مما يعزز من مكانة الولايات المتحدة في الساحة العالمية.
فالمجمع الصناعي العسكري، الذي أشار إليه الرئيس دوايت أيزنهاور في خطابه الشهير، يُمثل أكثر من مجرد وسيلة للدفاع الوطني؛ بل هو استثمار استراتيجي يحقق عوائد اقتصادية ضخمة، متجذرًا في قلب الهيكل الاقتصادي الأمريكي.
لا تُعتبر الصراعات والنزاعات العسكرية مجرد ضرورة أمنية، بل تُعد استثمارًا يعكس قوة الاقتصاد الأمريكي وهيمنته التكنولوجية، مما يشكل علامة فارقة في كيفية إدارة الشؤون العالمية.
تحذر التحليلات من التأثير العميق لعالم الصناعات العسكرية على السياسة الأمريكية. تعمد الشركات الكبرى مثل “لوكهيد مارتن” و”بوينغ” و”رايثيون” و”نورثروب غرومان” إلى الاعتماد بشكل شبه كامل على العقود العسكرية الضخمة الممولة من الميزانية الفيدرالية. لا تقتصر نشاطاتهم على الإنتاج الدفاعي فحسب، بل تقوم أيضًا بتوجيه السياسات العامة عن طريق جماعات الضغط والتمويل السياسي، مما يؤدي إلى استمرار النزاعات من أجل زيادة الأرباح.
يخلق هذا الارتباط الوثيق بين الاقتصاد والسياسة واقعًا يجعل من الحروب عنصرًا أساسيًا في النمو الاقتصادي. مع كل صراع أو تصعيد عسكري، تتزايد الطلبات على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، مما يتيح فرصًا جديدة للاستثمار والنمو. بجانب ذلك، تدعم الحروب ملايين الوظائف في قطاعات الدفاع والأمن، مما يجعل تقليل الإنفاق العسكري أو إنهاء الصراعات يعد تهديدًا للاستقرار الاقتصادي الداخلي.
تاريخيًا، تظهر الولايات المتحدة أنها تلجأ إلى الحروب أو التهديد بها كوسيلة لتنشيط الاقتصاد خاصة في فترات الركود. على سبيل المثال، ساعدت الحرب العالمية الثانية في إنهاء الكساد العظيم، وساهم سباق التسلح خلال الحرب الباردة في ازدهار صناعي غير مسبوق. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، لعبت “الحرب على الإرهاب” دورًا مشابهًا، حيث ضخت الحكومة تريليونات الدولارات في الصناعات العسكرية لتعويض الأزمات الاقتصادية.
من أهم جوانب هذا النمط الاقتصادي هو أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى حملات عسكرية شاملة، بل يمكنها ببساطة تصنيع حالة من التوتر الجيوسياسي لتبرير الإنفاق العسكري المستمر. تظهر استراتيجيات مثل “إدارة النزاعات” و”الحروب بالوكالة” كوسيلة تستخدم أطرافًا إقليمية كأدوات للصراع، بينما تحقق الشركات الأمريكية أرباحًا من توفير الأسلحة والدعم اللوجستي.
الصين – الولايات المتحدة
على الرغم من تحول الصين إلى ثاني أكبر منتج للأسلحة في العالم وفق إحصائية لمعهد سيبري لعام 2020، فقد أظهرت التقارير الأخيرة أن فرنسا احتلت المركز الثاني. تمتلك أربع شركات أسلحة صينية على الأقل مبيعات كافية لتصنيفها ضمن أكبر 20 بائعًا للأسلحة عالميًا. وفق تقديرات جديدة، حققت هذه الشركات، بما في ذلك “شركة صناعة الطيران الصينية”، مبيعات تصل إلى 54.1 مليار دولار في عام 2017. حيث احتلت شركة أفيك المركز السادس مع مبيعات بلغت 20.1 مليار دولار، بينما تصدرت “لوكهيد مارتن” قائمة البائعين بمبيعات قدرت بـ 43.9 مليار دولار.
قدم المعرض الدولي الخامس عشر للطيران والفضاء في الصين 2024 رؤية واضحة للاستراتيجية العسكرية والتكنولوجية للبلاد. بالإضافة إلى الابتكارات التكنولوجية، عمل المعرض كمنصة لإعلان طموحات الصين العالمية وطموحاتها لإعادة تشكيل النظام العالمي، مع وجود عواقب استراتيجية شاملة.
هيمنت الطموحات العسكرية الصينية، حيث أبرز المعرض تقدمها كقوة عسكرية حديثة تشمل الأنظمة غير المأهولة وأسلحة الطاقة الموجهة والتقنيات المخفية من الجيل التالي. تمثل هذه الإنجازات جهودًا متضافرة لتكييف اتجاهات الحرب العصرية مع الحفاظ على نهج صيني فريد في الابتكار العسكري.
التكامل المدني العسكري كان له رسالة بارزة أيضًا، فالقوة العسكرية لا تقتصر على الدفاع فحسب، بل تمتد لتشمل الرفاهية الاجتماعية والحفاظ على النظام الداخلي. في الأوقات الحرجة، يعمل الجيش كقوة استجابة أولية في الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية، مما يخلق صورة إيجابية عنه في المجتمع. تتجلى قدرة الصين على دمج الموارد العسكرية والمدنية، خاصة في مجالات الخدمات الطبية واللوجستية، في التطوير التكنولوجي كنموذج يُحتذى به.
تُبرز سردية الصين العسكرية كجزء متكامل من هويتها الوطنية، حيث تحقق توازنًا بين مسؤوليات الدفاع والمساهمة في الرفاهية العامة. يعكس هذا النهج دور الجيش كأداة رئيسية في الحفاظ على النظام الحكومي.
في سياق تأثير الصين على المفاهيم العالمية، استُخدم المعرض كمنصة لفهم الشكوك الغربية بشأن نواياها. جرى تصوير التوسع العسكري الصيني على أنه يركز على الدفاع عن السيادة الوطنية، والمساهمة في الاستقرار الإقليمي، وليس كنزعة للهيمنة العالمية. أكد الخطاب الرسمي على التزام الصين كدولة مسالمة تسعى للتعاون مع الدول الأخرى، مما يعزز صورة البلاد كقوة عالمية مسؤولة.
تعد المساهمات الاقتصادية لصناعة الطيران والدفاع في الصين من الأمور المحورية. بفضل الاستثمارات الضخمة في البحث والتطوير، أصبحت هذه الصناعة قائدة في النمو الوطني وتجسد قدرات الصين التكنولوجية. إن السيطرة على هذه السوق تعكس الطموحات للنمو والتنافس مع عمالقة صناعة الطيران التقليدية.
تُركز الرسالة الأساسية للمعرض على أن الصين ليست مجرد لاعب سلبي على الساحة الدولية؛ بل إنها تسعى بنشاط لإقامة نظام عالمي جديد. وتساعد الاستثمارات الكبيرة في التكنولوجيا على تعزيز تأثير الصين في الديناميات العالمية، بدءًا من الأمن القومي إلى الاقتصاد.
5 – أميركا – إيران: صفقة أم صدام؟
إذا وصلت إيران إلى وضع “العتبة النووية”، فإن بمقدورها تطوير ما يكفي من المواد لصنع قنبلة نووية في غضون أسبوع، وبعض الخبراء يقدرون أن بإمكانها بناء رأس نووي لحمل هذه القنابل في فترة زمنية قصيرة. مثلما حدث مع الهند وباكستان، قد تسعى طهران لتحقيق توازن نووي مع إسرائيل.
حاليًا، تجد إيران نفسها عند نقطة حاسمة، حيث تواجه خيارين: إما الحفاظ على وضع العتبة النووية أو اتخاذ خطوة جريئة نحو التسلح النووي. الخيار الأول قد يؤدي إلى تصعيد عسكري مع إسرائيل والولايات المتحدة، مما يُعرض منشآتها لضربات محتملة، خصوصًا مع القيادة الأمريكية الأكثر تشددًا.
بدلاً من ذلك، قد تختار إيران المسار السريع نحو التسلح النووي. إذا اختارت هذا الطريق، ستعمل على إعادة تأسيس مستوى من الردع على الرغم من المخاطر الكبيرة التي قد تواجهها، بما في ذلك الضربات العسكرية الفورية.
تعاني إيران من ضعف في المحور المقاوم، مما قد يضغط على طهران للاختيار بين التسلح النووي أو مواجهة التصعيد. إن هذا القرار يعتمد على حسابات دقيقة تأمل إيران من خلالها تعزيز قوتها، حتى وإن تعرضت لضغوطات عسكرية كبيرة.
على الرغم من وضعها الإقليمي الهش، تمر إيران بمرحلة دقيقة بشأن برنامجها النووي. كما أوضح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بيل بيرنز، فإن القرار لتطوير السلاح النووي أصبح سياسيًا أكثر من كونه تكنولوجيًا، مما يعني أن أمام إيران من القدرات ما يؤهلها لتحقيق ذلك.
يُعتبر توجيه الانتباه نحو الديناميات في منطقة الشرق الأوسط بديلاً أكثر فعالية من التفكير في استراتيجيات الخروج منها.
القوة الأميركية في عصر القومية الجديد
أوضح مايكل كيماج، مدير معهد كينان التابع لمركز ويلسون، في كتابه “التخلي عن الغرب: تاريخ فكرة في السياسة الخارجية الأميركية” أن العولمة تغلغلت في النصفين الأخيرين من القرن العشرين، مما قلل من تأثير القومية. ومع ذلك، فإن بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهدت تحولًا عميقًا حيث أعادت مجموعة من القادة الكاريزميين إحياء نماذج سابقة تركّز على القوة والسيادة.
رصد كيماج أن هذا التحول برز بشكل خاص في روسيا، حيث عاد فلاديمير بوتن إلى السلطة في عام 2012 بعد فترة وجيزة من العمل كرئيس للوزراء. تبع ذلك تعزيز سلطته وقمع المعارضة ليعيد بناء “العالم الروسي” ويستعيد مكانة القوة العظمى التي فقدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. بعد ذلك، في عام 2014، اعتلى شي جين بينج الزعامة في الصين، مع طموحات أكبر بكثير، بينما شهدت الهند أيضًا صعود ناريندرا مودي الذي أسس القومية الهندوسية كأيديولوجية رئيسية. وفي الوقت نفسه، استلم رجب طيب أردوغان رئاسة تركيا، مكرّسًا نفسه في السلطة.
شهد تطور القومية ذروته في عام 2016 مع فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة. بشعارات مثل “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” و”أمريكا أولًا”، جسّد ترامب روحًا شعبوية ونزعة قومية متزايدة في العالم، حتى مع توسع النظام الدولي الليبرالي.
أين أوروبا في مستقبل التخطيط الاستراتيجي الأميركي؟
خلص كيماج إلى أنه في السنوات القادمة، سيتحدد نوع النظام المشار إليه من قبل هؤلاء القادة إلى حد كبير اعتمادًا على ولاية ترامب الثانية. النظام القائم الذي ترعاه الولايات المتحدة كان داعمًا لتطوير هياكل فوق الوطنية عقب الحرب الباردة. ومع انخراط الولايات المتحدة في الديناميكيات المعاصرة، يتوقع أن تتضاءل فكرة “الغرب”، مما يقلل من دور أوروبا في الأجندة الاستراتيجية العالمية.
يابان جديدة نحو عصر العسكرة
تظهر استراتيجية الدفاع اليابانية الجديدة أن طوكيو تعمل على بناء “قوة دفاع متعددة المجالات”، مع تجهيز “قوات الدفاع الذاتي” بقدرات متقدمة في الفضاء والفضاء الإلكتروني، إلى جانب إمكانيات بحرية وجوية شاملة لمواجهة تهديدات متنوعة. لقد أقرّت الحكومة اليابانية ثلاث وثائق استراتيجية رئيسية، حيث تُمثّل الاستراتيجية الأمنية الوطنية الجديدة الأهم بينها.
تتجسد الاستراتيجية الدفاعية لليابان من خلال ثلاثة وثائق أساسية، تشمل استراتيجية الدفاع الوطني (NDS) وبرنامج بناء الدفاع (DBP). تهدف هذه الوثائق الثلاثة مجتمعة إلى صياغة رؤية شاملة للسياسة الدفاعية للدولة وأهدافها في تعزيز قدرات الاستحواذ الدفاعي في المستقبل القريب. ولأول مرة، سيتم أيضاً تطوير قدرة “الهجوم المضاد”، والتي تعني القدرة على استهداف مواقع إطلاق الصواريخ التي تشكل تهديداً.
بموجب الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي، تعهدت اليابان بزيادة إنفاقها الدفاعي ليصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي. تم الإعلان عن خطة بقيمة 320 مليار دولار أميركي، تُعتبر الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، لبناء الجيش بحلول عام 2027. تتضمن ميزانية الدفاع الحالية 55 مليار دولار، مما يمثل زيادة بنسبة 20%، وهو ما سيجعلها ثالث أكبر ميزانية دفاع في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. تاريخياً، كانت طوكيو تحافظ على معدلات إنفاق منخفضة بسبب التزامها الدستوري بتفادي الحروب، رغم أنها تحتفظ بميزانية دفاعية وقوات دفاع ذاتي منذ عام 1954.
هذا العام، ستحصل اليابان على برنامج الطائرات المقاتلة المتقدمة “إف-35” من الولايات المتحدة، وتخطط لشراء صواريخ “توماهوك” الأمريكية وصواريخ “كروز” الجديدة بعيدة المدى، التي تستطيع استهداف مواقع في الصين وكوريا الشمالية إذا قررت اليابان اتباع استراتيجية أمنية أكثر هجومية. وفي خطوة غير مسبوقة، وقعت اليابان اتفاقية دفاعية مع بريطانيا، كما انضمت إلى إيطاليا لتطوير طائرة “تمبست” الأحدث المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي يُشاع أنها تتفوق على طائرات “إف-35” الأمريكية.
في الخلاصة
تسهم العسكرة كأداة للحكم الدولي في تفشي سباقات التسلح، مما يقوض المبادرات الدبلوماسية لصالح الحلول العسكرية. هذه الديناميكية تعزز من تدخلات الولايات المتحدة المباشرة وغير المباشرة في مناطق النزاع، مما يؤدي لتفاقم الأزمات الإنسانية وزيادة الحروب الأهلية والانقلابات السياسية.
اقتصادياً، يدفع هذا النموذج الدول الأخرى لتخصيص ميزانيات ضخمة للتسلح، مما يعيق قطاعات التنمية ويؤدي إلى إفقار المجتمعات. استمرار هذا النمط يُضعف النظام الدولي، حيث تصبح الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية عاجزة عن ضبط النزاعات بفعل السيطرة المطلقة للقوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، على آليات القرار.
اقتصاد الحرب بالنسبة للأمن القومي الأمريكي هو ظاهرة معقدة تجمع بين العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. على الرغم من تحقيقه مزايا اقتصادية كبيرة لأمريكا، إلا أنه يشكل تهديداً للاستقرار العالمي؛ حيث يؤدي إلى عسكرة السياسة الدولية وتعزيز النزاعات، مما يحد من فرص السلام المستدام. غياب الإصلاحات الجذرية قد يقودنا إلى أزمات كبرى تهدد النظام العالمي، خاصة مع تزايد التوترات بين القوى الكبرى.
تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان النهج الأمريكي يعزز استمرارية الصراعات في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا والمحيط الهادئ، مما يضمن استمرار الطلب على الصناعات العسكرية. من جهة أخرى، يسعى العديد من الخبراء لتوضيح أن النظام الدولي ليس أحادي أو ثنائي أو متعدد الأقطاب، بل هو في حالة تقلب دائمة.
على الرغم من عدم وجود بنية مستقرة في العالم، يمكن للإدارة استغلال القوة الأمريكية والتحالفات لتهدئة التوترات والحد من الصراعات، مما يوفر أساساً للتعاون بين الدول.
[1] مصدر المعلومات: وكالة أخبار اليوم، مقال بتاريخ 28 كانون الثاني 2023. [2] موقع DW عربية، مقال بعنوان “إعادة تسليح أوروبا – من أين تأتي الأموال؟”. [3] موقع DW عربية، مقال بتاريخ 10 مارس 2025.
ديفيد والاس-ويلز كتب مقالة هامة على موقع “نيويورك تايمز” بتاريخ 12 فبراير/شباط 2025، تناقش التطورات السياسية العالمية.
نُشر كتاب “Cool War: The Future of Global Competition” من تأليف نوح فلدمان، حيث قام هشام سمير بترجمته. يتكون الكتاب من 226 صفحة، وصدر عن دار النشر تكوين للدراسات والأبحاث. النسخة الأصلية صدرت في 2013، بينما النسخة المترجمة ظهرت في 2016.
تمت مناقشة تأثير اقتصاد الحرب في الاستراتيجية الأمريكية من خلال مقالة نشرت في المركز العربي الديمقراطي في 25 فبراير 2025، والتي تسلط الضوء على صناعة الصراع وأثرها على الأمن والسلم الدولي.
كذلك، ترجمت الخنادق الإلكترونية مقالة عن معهد دراسات الأمن القومي تناولت التطورات التكنولوجية في القوات العسكرية الصينية، وكانت مصدرًا لمعلومات قيمة حول هذا الموضوع.
مؤخراً، مركز الإمارات للسياسات نشر مقالة تتناول إعادة التفكير في الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، وما إذا كان انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة لا يزال خياراً واقعياً، بتاريخ 8 نوفمبر 2024.
أما مايكل كيماج، مدير معهد كينان التابع لمركز ويلسون، فقد كتب مقالاً بعنوان “العالم الذي يريده ترامب”، حيث تم نشره في 25 فبراير/شباط 2025، متناولًا التحولات السياسية العالمية وتأثيرها.
أخيراً، تناقش وكالة أخبار اليوم موضوع اللاعسكرة في اليابان في مقال صدر بتاريخ 28 يناير 2023، حيث تطرقت إلى الانعكاسات المحلية والدولية لهذه الخطوة.





