العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

ابتكار الحروب: كيف ستعيد الطائرات بلا طيار والروبوتات تشكيل معايير الجيوش المعاصرة

العقيد الركن م. ظافر مراد

يعتقد “إيلون ماسك”، الرائد في التكنولوجيا، أن الاعتماد على الطائرات الحربية التقليدية، حتى لو كانت متطورة، “يتطلب أشخاصاً غير عاقلين”. فهو يرى أن الطائرات المسيرة، التي يمكن أن تتجمع في أسراب تتكون من آلاف الآلات، تمثل المستقبل. يعبر ماسك، الذي يعد رمزاً للابتكار في مجال الفضاء، عن أهمية التكنولوجيا المتقدمة في السلاح غير المأهول والذي سيتم تشغيله بواسطة الذكاء الاصطناعي. في سياق هذا، يثير تساؤلات هامة حول كيفية استمرار الجيوش الكبرى في تطوير أساليبها القتالية التقليدية، ويشير إلى ضرورة اتخاذ خطوات جريئة نحو استخدام التقنيات الحديثة، بما في ذلك الروبوتات العسكرية والطائرات المسيرة، وإعادة هيكلة الهياكل التنظيمية وأنظمة القيادة والتدريب.

المسيرات ستشكل عنصراً أساسياً في المعارك الحديثة، وستحدث تحولاً كبيراً في الاستراتيجيات العسكرية، نظراً لتأثيرها القوي وفوائدها الكبيرة في ساحة المعركة. عند استخدامها بتنسيق مع الأسلحة التقليدية، يمكن لهذه المسيرات أن تقدم ميزات غير مسبوقة، حيث ستعمل كمكون حاسم في المناورات العسكرية على جميع المستويات، من التكتيكي إلى الاستراتيجي. سيكون لكل مستوى احتياجاته الفريدة من المسيرات، مع أساليب محددة للتدخل في الهجوم أو الدفاع، ولن يمر وقت طويل قبل أن نرى أسراباً كثيفة منها تتولى مهام تصبح معقدة.

المستقبل القريب سيشهد إعادة تنظيم في الهيكلية العسكرية للجيوش، حيث سيتم إضافة مسيرات كعنصر أساسي ضمن القدرات القتالية. من المحتمل أن تعتبر هذه المسيرات سلاح دعم للقوات البرية، وسيتوجب تجهيزها من مستوى الكتيبة فما فوق. في البحر، ستحصل معظم القطع البحرية الكبيرة على هذه القدرات، مما يعزز فعالية الاشتباك في البحار والسواحل. ومع ذلك، من المرجح أن تتراجع فعالية حاملات الطائرات التقليدية. على صعيد القوات الجوية، ستبدأ الطائرات غير المأهولة، مثل القاذفات والمقاتلات، في أخذ مكان الطائرات المأهولة، حيث ستتشهد ثورة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ما يقلل الحاجة إلى الطيارين الأكفاء ويعتمد على تقنيين ماهرين لإدارة المسيرات.

تتضح أهمية الاستثمار والتطوير في هذه الأنظمة القتالية الحديثة في جميع أنحاء العالم. الجهود لا تقتصر فقط على رفع القدرات، بل تشمل تحسين التفاعل بين المسيرات والأسلحة الأخرى. على سبيل المثال، أعلنت روسيا عن خططها لزيادة إنتاج المسيرات ليصل إلى 32000 طائرة سنوياً بحلول العام 2030، مما يدل على إدراكها لمكانة هذا السلاح في المستقبل. في تركيا، تستثمر شركات السلاح في تصنيع المسيرات والروبوتات العسكرية. بينما تسعى السعودية إلى تطوير قدرتها على تصنيع المسيرات محلياً، لتحقيق اكتفاء ذاتي وزيادة القدرة على التصدير.

أهمية الطائرات المسيرة في الاستراتيجيات العسكرية الحديثة

بات من الضروري إعادة تقييم الاستراتيجيات العسكرية والعقائد القتالية وأسلحة التسلح في ضوء الإدراك العميق لأهمية الطائرات المسيرة. تتطلب هذه التحديات تعديل أساليب التدريب، بما يتناسب مع التطورات المتزايدة في استخدامها ومواجهة الأخطار المحتملة. من الواضح أن هذه التغيرات العسكرية ستنعكس على الأبعاد السياسية وزيادة الإنفاق العسكري على التسليح والتكنولوجيا المتطورة، بالإضافة إلى إعادة النظر في سياسات الدفاع التي قد تؤثر على السياسة الخارجية بما يتناسب مع التهديدات الخارجية، خصوصًا في أوقات الحرب أو قبلها.

دروس من معارك ناغورني كاراباخ

تعكس معارك ناغورني كاراباخ الأخيرة نجاح القوات الأذرية في استخدام الطائرات المسيرة التركية، حيث برزت فعالية هذا السلاح في تحريك موازين القوى. عانت القوات الأرمينية من تحديات كبيرة لمواجهة هذا النوع من الأسلحة، مما يعكس عدم استعدادها للتعامل مع مثل هذه التكنولوجيا المتطورة. تشهد الحرب الروسية-الأوكرانية حاليًا استخدامًا مكثفًا للطائرات المسيرة، مما يجسد تطورًا سريعًا في تكتيكات القتال الحديثة.

تكنولوجيا الطائرات المسيرة

تساعد التغيرات التكنولوجية في جعل الطائرات المسيرة أصغر حجماً وأكثر مرونة، مما يمكنها من العمل في مجالات القتال لفترات طويلة دون اكتشافها بواسطة أنظمة الدفاع الجوي المتنوعة. لذا، يجري العمل على تطوير حلول فعالة لمواجهة هذه التهديدات، ويخصص العديد من الشركات العالمية ميزانيات ضخمة لدعم هذه الأنظمة، بالتعاون مع وزارات الدفاع في بلدانهم.

التحديات الأخلاقية للتكنولوجيا الجديدة

تاريخ الحروب يشير إلى أنه غالبًا ما يتجاوز التقدم التكنولوجي الأطر الأخلاقية والتنظيمية. بعد كل مرحلة من تطور الأسلحة، تُفرض ضوابط أخلاقية للحد من تأثيراتها. قد يدفع التقدم السريع في تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى دراسة ضوابط تحكم استخدامها، خاصة عند الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف دون مراعاة الأبعاد الأخلاقية.

استثمار في المستقبل العسكري

تستثمر البلدان بكثافة في تطوير التكنولوجيا الخاصة بالطائرات المسيرة، كجزء من جهود تحسين الأنظمة العسكرية. إلى جانب الطائرات المسيرة، يتوقع أن يزداد التركيز على الزوارق المسيرة والروبوتات العسكرية. ستصبح هذه الأنظمة جزءًا حاسمًا من الاستراتيجيات العسكرية، مما يغير تكتيكات القتال بما يتناسب مع مقتضيات المستقبل. يتطلب هذا الابتكار وضع استراتيجيات جديدة تتماشى مع التحديات القادمة، حيث سيعتمد النجاح في العمليات العسكرية على التفوق التكنولوجي.

إن استخدام الطائرات بدون طيار بات ضرورة ملحة في زمننا الحالي، إذ توفر بدائل مالية أقل بكثير مقارنةً بالأنظمة العسكرية التقليدية. هذه الطائرات تخلق استراتيجيات “فرض الكلفة” التي يمكن أن ترهق خصومنا مالياً. في صراعات طويلة الأمد، تصبح تكلفة الدفاع ضد الطائرات بدون طيار عاملاً حاسماً في تحقيق النصر؛ على سبيل المثال، إسقاط طائرة بدون طيار بقيمة 500 دولار بواسطة صاروخ يكلف 3 ملايين دولار قد يكون فعّالاً، لكنه يمثل استدامة غير ممكنة.

كلما زادت كمية الطائرات بدون طيار التي يمكن لدولة ما إنتاجها، زادت استدامة عملياتها وفاعلية تهديدها. إن هذه الديناميكية تعكس التحديات التي تواجهها إسرائيل حالياً، حيث تستخدم منظومات الدفاع المكلفة لإسقاط تهديدات قد تكون أقل تكلفة. فعلى سبيل المثال، لإسقاط صاروخ باليستي قادم من اليمن، يتم استخدام نظام ثاد الأمريكي الذي تتراوح تكلفته حول 27 مليون دولار.

وبالمثل، تُعاني أوكرانيا من تكاليف مرتفعة لتأمين دفاعاتها ضد الهجمات الروسية باستخدام الطائرات بدون طيار الرخيصة. لذا، بدأت أوكرانيا في تنفيذ عمليات تصنيع ذاتي للطائرات وبعض أنظمة الدفاع الجوي كخيار بديل عن الاستيراد من الخارج.

لا شك أن التغيير في السياسات الدفاعية للدول، واستراتيجيات الجيوش، يعتبر مرحلة هامة تواجه الكثير من التحديات. لكن هذا هو ما يتطلبه التكيف مع التطور التكنولوجي العسكري وواقع الهيمنة المتزايدة للذكاء الاصطناعي. الاستعداد للحروب المستقبلية يتطلب اتخاذ قرارات جريئة ومكلفة، لكنها أكثر ضمانة للدفاع عن المصالح في عالم متغير وسريع التغير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى