
العقيد الركن م. ظافر مراد
إن مفهوم “الهيمنة” في العلاقات الدولية يشمل عدة نماذج ومعايير تدعم وجودها الفعلي. يمكن أن تكون هذه الهيمنة عالمية أو إقليمية، وهي أيضاً موضوع نسبي؛ حيث توجد هيمنة مطلقة وأخرى جزئية. من الضروري أن يكون هناك ترابط بين المكونات المختلفة المتنافسة، سواء كان التنافس في الجوانب الاقتصادية، العسكرية، الثقافية، أو الأيديولوجية. اليوم، من الجلي أن بناء اقتصاد قوي والقدرة على تأمين الأمن في “مسرح الهيمنة” يعدان معيارين أساسيين لقبول هذه الهيمنة من قبل المجتمع الخاضع لها، وهو ما يجذب اهتمام الأفراد بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية أو العلمية.
من الضروري اعتراف أن “الاقتصاد” و”الأمن” قد يتبادلان الأولوية في تعزيز الهيمنة وفقًا للظروف الدولية والإقليمية المتاحة. لا يمكن للأدوات الاقتصادية العمل باستقلالية دون دعم الدفاع العسكري، في حين أن القوة العسكرية بحاجة إلى قاعدة اقتصادية تدعمها. إن للعزيمة الاقتصادية والعسكرية ترابط حيوي يسهم في تشكيل العلاقات الدولية وتفاعل الأحداث الكبرى. فهما تحتاجان للعمل بتعاون وثيق، حيث تدعم كل منهما الأخرى.
تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات وتغيير في الهيمنة من قبل قوى متعددة. بدلاً من الخوض في تفاصيل مشروعية أو تقنيات هذه المحاولات، ينبغي الاعتراف بوجود صراعات حقيقية بين المحاور الإقليمية. في مسار تعزيز الهيمنة، لابد من النظر في مفاعيل نظرية “تحول القوة” التي تشير إلى أن أي تحول في القوة المهيمنة قد يؤدي إلى مواجهات وصراعات. الهيمنة تتطلب إقصاء أو إضعاف القوى المنافسة، وهذا لا يتضمن القوة العسكرية فحسب، بل يشمل جميع أنواع القوة الضرورية لأي دولة.
يجب أن يتم النظر إلى مفهوم “الهيمنة” ليس كعامل سلبي، بل كسبيل لتحقيق الرخاء والأمن والسلام الاجتماعي. لكن لتحقيق ذلك، لا بد من توافر شروط محددة. في العصر الحديث، أصبح فرض الهيمنة بواسطة الإكراه غير ممكن؛ بل من الممكن تحقيقها عبر الدبلوماسية والتأثير السلمي على سياسات الدول. هذه الفكرة ترتبط بفلسفة “القوة الناعمة” التي طرحها “ناي”، والتي تتيح للدول ممارسة نفوذها من خلال جذب الآخرين إلى نماذجها السياسية والاقتصادية والثقافية بدلاً من استخدام القوة.
بإيجاز، تتسم “الدولة المهيمنة” بقدرتها على فرض قواعد داخل المجموعة، ورغبتها القوية في القيادة، مما يسهم في تحقيق مصالحها في سياق العلاقات الدولية.
الهيمنة ليست مجرد قوة بل تتطلب الالتزام بالتحقيق المنفعة المشتركة للمجموعة. تعد الدولة مهيمنة في الشرق الأوسط إذا توافر فيها العناصر التالية:
- امتلاك تفوق عسكري على أي خصم في المنطقة، بالإضافة إلى تحالفات عسكرية متينة تفوق تلك التابعة للمنافسين.
- تحقيق أعلى معدل نمو اقتصادي في المنطقة، مع شبكة واسعة من العلاقات الاقتصادية والشركاء التجاريين.
- وجود عدد كبير من الحلفاء السياسيين وعلاقات صداقة مع معظم شعوب الشرق الأوسط.
- تأثير قوي على تشكيل القواعد التي تحكم السياسة العامة والعلاقات الاقتصادية في المنطقة.
- نموذج اجتماعي وثقافي جذاب يسهم في تعزيز الهيمنة.
من أجل تحقيق هذه الشروط، يجب على الدولة الطامحة للهيمنة أن تعرض نماذج اقتصادية، سياسية، أمنية وثقافية تجذب اهتمام الأغلبية. يتعين أن تهدف لخلق رفاهية وأمن وسلام في المنطقة، إذ أن أي محاولة للوصول إلى الهيمنة دون ذلك لن تؤدي إلا إلى مسار دموى مدمر، مليء بالخسائر والمآسي.
تعتبر أفضل أنواع الهيمنة هي تلك التي تؤمن مستقبل شعوب المنطقة، مع ضمان رفاهيتها وحريتها. كما تحتاج إلى فتح مساحات فكرية وسياسية واجتماعية تستوعب تنوع الثقافات والأيديولوجيات، مما يخلق بيئة يتم خلالها تعزيز روح المنافسة لتقديم أفضل ما يمكن.





