العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

استراتيجية الضربة النووية الثانية: فن الردع عبر الانتقام

العقيد الركن م ظافر مراد

أجرت وزارة الدفاع الروسية مناورات عسكرية نووية، شملت إطلاق صواريخ، في ظل تصاعد التوترات مع الغرب بشأن أوكرانيا. من قاعدة “بليسيتسك” الفضائية، تم إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز “يارس”. هذه المناورات تضمنت أيضًا استعمال الغواصات والقاذفات الاستراتيجية والصوامع الأرضية الثابتة وقواعد الإطلاق المتحركة، والتي تهدف جميعها إلى التأكد من سلامة وفعالية روسيا في الحفاظ على قدرتها النووية، استعدادًا لأي تهديد وجودي من الغرب.

من المعروف أن “الضربة النووية الانتقامية” أو كما تُعرف في الأدبيات بـ “تأمين الضربة الثانية” تعني القدرة على الرد باستخدام الأسلحة النووية لإلحاق أضرار جسيمة بالعدو بعد تعرض البلاد لهجوم نووي. وهذه الاستراتيجية تتطلب الاحتفاظ بمجموعة واسعة من القدرات النووية تضمن بقاء تلك القدرات بعيدة المنال عن الضربة الأولى للعدو، مما يعزز قدرة الدول على الرد بشكل فعّال.

  1. التوفر على عدد كبير من الصواريخ والرؤوس النووية.
  2. امتلاك عمق استراتيجي على مستوى جغرافية الدولة، مما يجعل من الصعب استهداف المنشآت كافة.
  3. وجود وسائل نووية قادرة على النجاة من الضربة النووية الأولى، مثل الغواصات والقاذفات الاستراتيجية والمركبات الفضائية المسلحة.
  4. امتلاك قواعد إطلاق صواريخ نووية برية سرية أو متحركة تجعل اكتشافها أمرًا صعبًا.
  5. امتلاك صواريخ نووية تتميز بسرعة فائقة وقدرات على المناورة، مما يجعل إسقاطها تحديًا كبيرًا.

بعد النظر في هذه الشروط، يظهر أن روسيا والولايات المتحدة هما الدولتان الأكثر قدرة على تأمين الرد بالضربة الثانية، نظرًا لامتلاكهما عددًا كبيرًا من الرؤوس النووية ووجودها بشكل واسع، فضلاً عن تطوير وسائل الإطلاق المتنوعة من الأرض والبحر والجو.

وفقًا لتقرير نشره موقع “Statista” لعام 2024، جاء ترتيب الدول التي تمتلك قنابل أو رؤوس نووية كالآتي: روسيا (4380)، الولايات المتحدة (3708)، الصين (500)، فرنسا (290)، بريطانيا (225)، الهند (172)، باكستان (170)، إسرائيل (90)، وكوريا الشمالية (50).

يتجلى مفهوم “الردع النووي بالانتقام” كجزء من الاستراتيجية العسكرية، وقد أصبحت هذه الفكرة أكثر إلحاحًا في ظل التوترات الحالية بين روسيا والغرب. كما صرحت وزيرة الخارجية لكوريا الشمالية “تشوي سون هوي” خلال زيارتها الأخيرة لموسكو بأن بلادها تسعى لتعزيز قدراتها النووية كجزء من الشراكة مع روسيا لمواجهة أي تهديدات. من المعتقد أن تعزيز قدراتها النووية يشمل تطوير غواصاتها لإطلاق الصواريخ النووية.

في الختام، يتعين مراقبة القدرات النووية للدول المختلفة وما تمتلكه من صواريخ قادرة على استهداف الأراضي والمصالح الأجنبية، حيث يمثل ذلك عنصرًا حاسمًا في مشهد التوترات العالمية المستمر.

تنقسم فئات هذه الصواريخ من حيث السرعة، نسبة لسرعة الصوت التي تساوي 330 م/ث = 1 ماخ (Mach)، إلى خمس فئات رئيسية:

  1. Subsonic، تحت سرعة الصوت.
  2. Supersonic، بين 1 و 5 ماخ.
  3. Hypersonic، فوق 5 إلى 20 ماخ.
  4. High Hypersonic، فوق 20 إلى 25 ماخ.
  5. Re-entry Speed، فوق 25 ماخ.

تتفوق روسيا بامتلاكها لصاروخ باليستي فريد من نوعه، حيث تشير تقارير الخبراء العسكريين إلى صعوبة اعتراضه، وذلك بفضل سرعته التي تبلغ 27 ماخ. يملك هذا الصاروخ القدرة على المناورة وتجاوز أنظمة الرادار، مما يجعله غير قابل للتعقب، وهو صاروخ “أفانغارد-Avangard” الذي أثار مخاوف حادة لدى الناتو.

يقترب أفنغارد من هدفه بسرعة مذهلة من خلال مركبته الباليستية التي ترتفع خارج الغلاف الجوي. يمكن للصاروخ تدمير عدة أهداف في أقل من 30 دقيقة، مما يقلص الوقت الفاصل بين الإطلاق والوصول إلى الهدف. هذا الأمر يعدل ميزان القوى بين الدول، حيث لا يتيح للخصوم فرصة اتخاذ قرار الدفاع المناسب. وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن “أفانغارد” في مارس 2018، مؤكدًا قدرته على الطيران بفائق السرعة، مع استحالة اعتراضه.

يزن صاروخ أفانغارد حوالي ألفي كيلوغرام، ويوجد له مدى يتجاوز 6 آلاف كيلومتر. كما يمكنه حمل رؤوس حربية نووية أو تقليدية. يتم إيصال أفانغارد إلى ارتفاع يصل إلى حوالي 100 كم باستخدام صاروخ باليستي، ثم ينفصل الرأس الحربي محملًا بعدة قنابل نووية، ليبدأ مسيرته السريعة نحو أهدافه. يتكون الرأس الحربي من مواد قادرة على تحمل درجات حرارة تصل إلى 3000 درجة فهرنهايت، مما يجعله مثاليًا للطيران عند سرعات فائقة.

ويظل “أفانغارد” يمثل القدرة على توجيه ضربة نووية انتقامية بامتياز، مما يعزز من قوة الردع الروسية ويتيح لها تنفيذ استراتيجيات هجومية أو دفاعية بالصورة المطلوبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى