أ.د. غادة محمد عامرمقالات رأي

أسلحة الطاقة: استكشاف ثوري لتقنيات قديمة

أ.د. غادة محمد عامر

أستاذ هندسة الطاقة والنظم الذكية
زميل ومحاضر الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

لقد غيّرت المركبات الجوية غير المأهولة، جنبًا إلى جنب مع نظيراتها البرية والبحرية، طريقة خوض الحروب، حيث أمدّت القوات العسكرية بقدرات غير مسبوقة في المراقبة، والاستهداف الدقيق، وجمع المعلومات الاستخبارية، مع تقليل المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد. جعلت الطائرات بدون طيار العمليات الحربية أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مما يمكن الجيوش من تنفيذ ضربات دقيقة والحفاظ على وجود مستمر في ساحة المعركة.

مع تقدم القرن، يستمر تأثير الطائرات بدون طيار في الانتشار، ليشمل الفاعلين غير الحكوميين الذين يستغلون هذه التكنولوجيا في الصراعات العالمية. كونها متاحة بشكل متزايد، تمكن هذه الفاعلون من إجراء الاستطلاع، وإسقاط القنابل، والتحدي للقوات العسكرية التقليدية بطرق لم تكن متخيلة سابقًا. لقد أحدثت “طائرات الكاميكازي بدون طيار”، ثورة في الهياكل التقليدية للقوة، من خلال تقديم وحدات أصغر وأكثر مرونة قادرة على استهداف أهداف ذات قيمة عالية مثل الدبابات والمدفعية ومراكز القيادة.

أما الطائرات بدون طيار تحت الماء والروبوتات الأرضية، فتعزز نطاق الحرب بدون طيار، مدخلةً عنصرًا جديدًا في مستقبل الصراع. ومع التطورات العسكرية، تتجه وزارات الدفاع في الدول الكبرى، مثل وزارة الدفاع الأمريكية، نحو إيجاد بدائل منخفضة التكلفة لمواجهة التهديدات من الطائرات بدون طيار، مثل أنظمة الليزر والأسلحة الموجهة بالطاقة.

في أواخر عام 2023، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية بأن مدمرات البحرية أسقطت نحو 40 طائرة بدون طيار والعديد من الصواريخ في البحر الأحمر، رغم تكلفة الإجراءات العالية. حيث تقدر تكلفة الطائرات بدون طيار الإيرانية بحوالي 2000 دولار، بينما تصل تكلفة صواريخ Standard Missile-2 التي تستخدمها وزارة الدفاع الأمريكية إلى 2.1 مليون دولار لكل طلقة. وفي هذا السياق، أعرب “ميك مولروي”، المسؤول السابق بوزارة الدفاع وضابط وكالة الاستخبارات المركزية، عن القلق من أن تكاليف دفاع الولايات المتحدة تفوق الفوائد المتحققة.

رغم أن أشعة الليزر قد استخدمت في التطبيقات المدنية والعسكرية منذ ستينيات القرن الماضي، فإن “المدفع الشعاعي” لم يكن متاحًا حتى السنوات الأخيرة. في عام 2014، جهزت البحرية الأمريكية سفينة النقل البرمائية “يو إس إس بونس” بنظام الأسلحة الليزرية AN/SEQ-3 (LaWS). هذا النظام بقوة 30 كيلووات مصمم لتحييد التهديدات منخفضة المستوى مثل الطائرات بدون طيار والقوارب الصغيرة. يتم تحويل الطاقة الكهربائية إلى شعاع مضيء يوجه نحو مكونات حيوية للهدف لتعطيلها أو تدميرها عن طريق إيصال كمية هائلة من الحرارة.

على عكس الأسلحة الحركية التقليدية التي تستخدم التأثير والشظايا، يعتمد نظام LaWS على الطاقة الموجهة لاحتراق أجزاء من الهدف. يوفر هذا النظام للمشغلين مرونة كبيرة من خلال إمكانية تعديل مستويات قوته. يستطيع النظام العمل بكثافة منخفضة للتشويش أو تعطيل أجهزة الاستشعار، أو التفعيل بكثافة أعلى للتدمير. بفضل أنظمة التحليل البصري، يتتبع النظام الأهداف بدقة على مدى عدة كيلومترات، مما يجعله حلاً موثوقًا للدفاع ضد مجموعة متنوعة من التهديدات منخفضة التكلفة. باندماجه مع أنظمة الرادار والتحكم في الحرائق على السفن، يعمل LaWS بسرعة الضوء، مما يتيح سرعة الاستجابة للتهديدات الناشئة. كما أن دقته في الاستهداف تُقلل الأضرار الجانبية، مما يجعله مثاليًا للاستخدام في البيئات المعقدة والمأهولة.

إلى جانب الليزر، تشمل تقنيات الطاقة الموجهة أيضًا أسلحة الميكروويف، التي تعمل عبر إصدار رشقات مركزة من الطاقة الكهرومغناطيسية بترددات الميكروويف. هذه الأنظمة تستخدم الإشعاع غير المؤين، الذي لا يؤين الذرات، لكنه فعّال في تعطيل الدوائر والمكونات الإلكترونية. وقد أثبتت فعالية هذه الأسلحة بشكل خاص في مواجهة أسراب الطائرات بدون طيار. تعتمد أسلحة الميكروويف على مولدات تحول الطاقة الكهربائية إلى نبضات ميكروويف عالية التردد. أحد هذه الأسلحة هو المستجيب العملياتي التكتيكي عالي الطاقة (THOR)، الذي يتم تطويره بواسطة مختبر أبحاث القوات الجوية الأمريكية لمواجهة التهديد المتزايد للطائرات بدون طيار. عندما تُكتشف سرب من الطائرات، يُصدر THOR دفعة واسعة من طاقة الميكروويف، مما يعطل العديد من الطائرات بدون طيار في وقت واحد، مما يجعله أداة فعّالة في التصدي لهجمات الطائرات المنسقة.

القوة الجوهرية لنظام THOR تكمن في قدرته على التعامل مع أهداف متعددة فورًا. بينما تحتاج أنظمة الليزر إلى دقة تصويب ويمكنها التعامل مع هدف واحد في كل مرة، فإن نبضات الميكروويف التي يُصدرها THOR تؤثر على جميع الطائرات بدون طيار ضمن نطاقه، مما يؤدي إلى تحييد الأسراب بكفاءة. بفضل تعطيله للأنظمة الإلكترونية، يتجنب THOR الحاجة إلى وسائل هجومية مادية، مما يقلل الأضرار الجانبية ويتجنب الاشتباكات الحركية. وهو نظام يمكن نشره بسهولة ويتاح له التشغيل بين منصات مختلفة، بما في ذلك المركبات والمنشآت الأرضية، مما يعزز من استجابته السريعة في سيناريوهات القتال الديناميكية.

علق وزير البحرية الأمريكي، كارلوس ديل تورو، في جلسة استماع بالكونجرس خلال بداية عام 2024 قائلاً: “لقد قام الجيش بتسريع تطوير واختبار برنامج أسلحة الليزر والميكروويف، ولدينا أيضًا ستة مشاريع ليزر أخرى ضمن برامج طاقة عالية، بعضها سري. ومن الواضح أن هذه المنطقة ذات أولوية عالية بالنسبة لنا، حيث إننا لا يمكننا الاستمرار في إسقاط الطائرات بدون طيار بطرق تقليدية ومكلفة. نحن بحاجة إلى تطوير برامج الطاقة العالية والليزر الموجه لمواجهة هذه التهديدات”.

لا شك أن الليزر سيشهد وجودًا في ساحة المعركة البرية في المستقبل، لذا من vital أن نقوم بدراسة النماذج الأولية لفهم إمكانياتها واستكشاف كيف ستتوافق مع منظماتنا وتؤثر على استراتيجيات القتال. الأسلحة الموجهة بالطاقة، بما في ذلك الليزر عالي الطاقة، تمثل مستقبل الحروب، حيث تقدم تكلفة أقل لكل طلقة في مواجهة التهديدات الدفاعية الجوية والصاروخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى