حسين خلف موسىمقالات رأي

الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية: أهداف الخفية وراء الصراع

حسين موسى

العقيدة العسكرية: تمثل مجموعة من المبادئ والأفكار التي تعتمدها الدول لتطوير استراتيجيات عسكرية خاصة. فالعقيدة العسكرية تساهم في تشكيل الأساس الذي يمكن أن يدعم الأهداف العليا للدولة. العقيدة العسكرية للصهيونية، التي تشكل جوهر الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية المعاصرة، تعود جذورها إلى المعتقدات التاريخية المستمدة من الكتاب اليهودي المقدس، المعروف بـ”العهد القديم”. هذا الكتاب يقدم سردًا تاريخيًا عن الشعب اليهودي، بدءًا من خروجهم من مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وحتى ثورة المكابيين في القرن الثاني قبل الميلاد. ومع أن محتوى هذا الكتاب يحمل العديد من الأساطير، إلا أن الصهيونية تستخدمه كذريعة لمطالبتها بالأرض التي تعتبرها وطنًا لليهود، وهي مطالبة تثير الكثير من الجدل.

حسب رأي اللواء الدكتور فوزي طايل، يعتمد وجود إسرائيل على القوة العسكرية بشكل كبير، حيث كان جيل الرواد من زعماء العصابات الصهيونية هم من تولوا القيادة السياسية بعد إعلان قيام الدولة.

أفكار جوهرية للعقيدة العسكرية الصهيونية: من خلال مراجعة “العهد القديم”، نستطيع استنتاج بعض الأفكار الأساسية التي تشكل العقيدة العسكرية للصهيونية، وتتضمن:

  1. الطبيعة العدوانية.
  2. العنف والإرهاب.
  3. الاحتلال والتوسع.
  4. الحرب كحاجة أساسية.
  5. التعبئة النفسية والمعنوية.

يؤكد الأستاذ طه محمد المجدوب أن العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية قد وضعت بعد تأسيس الدولة خلال أوائل الخمسينيات على يد دافيد بن غوريون، والذي كان له دورٌ محوري في تشكيل هذه العقيدة. في ذلك الوقت، اعتمدت إسرائيل على أفكار الردع والتفوق النوعي المبني على التقدم التكنولوجي، كما اعتبرت قواتها الجوية القوة الرئيسية المعنية بالرد العسكري السريع.

كما يتطرق الأستاذ عادل زعرب، كاتب وصحفي مختص في الشؤون الإسرائيلية، إلى العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي تنم عن توجهات عدائية تهدف إلى السيطرة والطرد. واستندت العقيدة الإسرائيلية إلى نصوص التوراة والقوانين التي وضعت لاستغلال الأراضي الفلسطينية. حيث قال موشيه ديان، وزير الدفاع السابق: “إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة دفاعية فقط”، مما يعني أن استراتيجيتها الأمنية تتخذ الأولوية على أي هدف خارجي.

تطور العقيدة العسكرية الإسرائيلية: في الآونة الأخيرة، شهدت الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية تغييرات كبيرة مقارنة بالماضي. فقد انتقلت من الاعتماد على الهجمات السريعة عن طريق سلاح الجو إلى فتح جبهات متعددة مع دول الجوار والقوى الإقليمية مثل إيران. وهذا يطرح تساؤلات حول أهمية الدعم الأمريكي وفعالية الموقف العربي.

تحديات الفقر المائي والطموحات في المياه العربية:
تعد المياه عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجية الإسرائيلية منذ التفكير بتأسيس دولة إسرائيل. استند هذا التفكير إلى ادعاءات دينية وتاريخية زائفة، مستندة إلى ما ورد في التوراة حول حقوقهم في الأرض: “كل مكان تدوسه أقدامكم أعطيته لكم…”. كما تصوروا أن الحدود المثالية لإسرائيل تمتد من نهر النيل إلى الفرات، وفقًا لما نصت عليه التوراة. بناءً على هذه المعتقدات، أرسلت الحركة الصهيونية خبراء لدراسة الموارد المائية في فلسطين. في عام 1919، كان أحد أبرز قرارات المؤتمر الصهيوني العالمي في بازل هو “ضرورة إدراج المياه اللازمة ضمن الحدود، بما في ذلك نهر الليطاني وثلوج جبل الشيخ”. على الرغم من هذه المطالب، قوبلت بالرفض، خاصة من الجانب الفرنسي. في عام 1941، قال بن غوريون: “يجب أن تكون مياه نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان بقائها”. اليوم، تستهلك إسرائيل النسبة الأكبر من المياه في الأراضي الفلسطينية، حيث تُقدر بعض الدراسات استهلاكها بحوالي 2460 مليون م³، ولا تزال تطمح في المزيد. ومع تدفقات الهجرة اليهودية المكثفة من أوروبا الشرقية، واجهت إسرائيل نقصًا حادًا في مصادرها المائية.

التقاء المصالح بين دول الخليج وإسرائيل:
تتماشى مصالح الإمارات والسعودية مع المصالح الإسرائيلية؛ حيث تسعى الإمارات لتحقيق ريادة اقتصادية في المنطقة على غرار الصين على الساحة العالمية. لتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر ضمان استقرار المنطقة والتخلص من حركات المقاومة مثل حزب الله وحركة حماس والحوثيين في اليمن. من جهة أخرى، تمكنت الإمارات والسعودية من التحرك ضد الأذرع الإيرانية التي كانت تشكل تهديدًا كبيرًا لهما. فيما يتعلق بالسعودية، فقد تخلصت من التهديد الحوثي الذي كان يمثل خطرًا حقيقيًا على المملكة. وعلى صعيد آخر، حصلت السعودية على عرض عسكري جذاب يتضمن صفقة تسليح بأحدث الطائرات الأمريكية F35 وأنظمة صواريخ متطورة تتيح لها استهداف إيران، وذلك مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع الكامل.

تركيز مصر على أمنها المائي وتأمين الجبهات الجنوبية والغربية:
تسعى مصر بجد لتأمين ملف المياه، خصوصًا مع تزايد النفوذ الإثيوبي في منطقة القرن الأفريقي ورغبة إثيوبيا في السيطرة على ممرات بحرية، واحتمالية إغلاق مضيق باب المندب، مما قد يؤثر على قناة السويس. ولذلك، ترى القيادة المصرية أن تأمين ملف المياه والحدود الجنوبية، إضافة إلى تقويض نفوذ إثيوبيا، يُعتبران من الأولويات الحيوية في هذه المرحلة.

وفي الختام، تعكس العقيدة العسكرية الإسرائيلية كيف استغلّت هذه العوامل لتطوير أهدافها، والتي تشمل:

  1. تأمين مصادر جديدة للمياه.
  2. فرض التطبيع الكامل مع المملكة العربية السعودية، التي تعد قبلة المسلمين، مما قد يسهل اعتراف بقية الحكومات الإسلامية بإسرائيل.
  3. استغلال انشغال مصر بقضاياها الاقتصادية، خاصة في تأمين ملف المياه وحدودها الجنوبية، نظرًا للتحديات مثل محاولة حمدتي فرض نفوذه في مصر وضرورة تأمين الحدود الغربية في ليبيا.
  4. الاستفادة من توافق المصالح بين السعودية والإمارات لإنهاء الأذرع الإيرانية بالمنطقة.
  5. حماية سلطات نتنياهو وسط ظروف الحرب، والتصاعد في مخاوف اليمين المتشدد في إسرائيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى