
العقيد الركن م ظافر مراد
أعلنت الولايات المتحدة مؤخرًا عن إرسال منظومة صواريخ “ثاد” (Terminal High Altitude Area Defense) إلى إسرائيل، مما يبرز فرص التصعيد بشكل ملحوظ على الجبهة الشمالية لإسرائيل. هذا التحرك يأتي في أعقاب استهداف مركز تدريب لواء “غولاني” في “بنيامينا” بجنوب حيفا بواسطة مسيرة، مما أسفر عن مقتل 4 من الجنود وإصابة أكثر من 60 آخرين.
تظهر الأحداث الأخيرة فشلًا مُحتملًا للإدارة الأمريكية في إدارة التوتر المتزايد بين إسرائيل وإيران. برئاسة الرئيس بايدن، تسعى هذه الإدارة لمهادنة الوضع في المنطقة، بينما تواجه حكومة نتانياهو تمردًا، مع تسريبات تُشير إلى دعم إيران لحماس ومعرفتها المسبقة عن عملية “طوفان الأقصى”. هذه المحاولات تهدف إلى التأثير على الرأي العام الإسرائيلي والدولي. ويتشوق الجميع لرد فعل إسرائيل على الهجوم الإيراني الذي تأخر بسبب الاستعدادات الضخمة، حيث تأمل الولايات المتحدة أن يكون الرد محدودًا وقابلًا للسيطرة، بينما ترغب حكومة نتانياهو في هجوم حاسم يُضعف إيران سياسيًا وعسكريًا في المنطقة.
تتاجى منظومة “ثاد” لتعزيز القدرات الدفاعية الجوية الإسرائيلية، والتي ستكون محورية في مواجهة التهديدات المتزايدة من إيران وحلفائها. تشمل الدفاعات الجوية الإسرائيلية عدة أنظمة، كل منها مُصمم لاعتراض الصواريخ القادمة على ارتفاعات ومسافات مختلفة، مما يجعلها نقطة محورية في نظام الدفاع الإسرائيلي.
تتمثل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي الرئيسية في:
- القبة الحديدية – Iron Dome: تعتبر من أشهر الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية، مصممة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية على مسافات تتراوح بين 4 و70 كيلومترًا. لقد أثبتت القبة الحديدية فعاليتها في التصدي للهجمات، حيث تتضمن كل بطارية ثلاث إلى أربع منصات إطلاق تحتوي على عشرين صاروخًا اعتراضيًا. الجيش الإسرائيلي يدعي أن القبة الحديدية تدمر حوالي 90% من الصواريخ المستهدفة.
تتبع القبة الحديدية الصواريخ المعادية بواسطة الرادار، وتطلق صواريخها على تلك التي تهدد المناطق المأهولة. وقد تم تطوير القبة الحديدية بدعم من الولايات المتحدة وتم نشرها رسميًا في عام 2011.
- مقلاع داوود – David’s Sling: صُمم هذا النظام لمواجهة الصواريخ طويلة المدى والصواريخ المجنحة، ويستطيع استهداف الأهداف على مسافة تصل إلى 300 كيلومتر. يُعرف في اللغة العبرية باسم “العصا السحرية”، وقد تم تطويره بشكل مشترك من قِبل شركات متخصصة في تقنيات الدفاع.
تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية ضد التهديدات
شهدت إسرائيل في السنوات الأخيرة تزايدًا في التهديدات الجوية، مما دفعها إلى تحسين أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها لحماية أراضيها من الهجمات. من بين هذه الأنظمة المنظومة المتطورة “داوود”, والتي بدأ تشغيلها في عام 2017. تعتمد هذه المنظومة على صواريخ “ستونر”، المصممة لتحطيم الصواريخ الباليستية بمختلف مدتها، بأسلوب الهجوم في ارتفاع منخفض، وتكلفة الصاروخ الواحد تُقدر بحوالي مليون دولار. مثل نظام “القبة الحديدية”، تركز هذه المنظومة على التصدي للصواريخ التي تقترب من المناطق المأهولة.
- نظام السهم أو “حيتس”: يتكون من “حيتس 2” و “حيتس 3″، ويوفر حماية من الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى، بمدى يصل إلى 2400 كيلومتر.
صاروخ “حيتس 2” صُمم خصيصًا لتدمير الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى التي تعبر الغلاف الجوي العلوي، على ارتفاع يبلغ حوالي 50 كيلومترًا فوق سطح الأرض. تم الإعلان عن بدء تطويره بعد حرب الخليج الأولى في عام 1991، عندما استهدفت العراق إسرائيل بعشرات من صواريخ “سكود”. هذا النظام قد دخل الخدمة عام 2000، ويمكنه اكتشاف الأهداف من مسافة تصل إلى 500 كيلومتر، مع القدرة على اعتراضها على بعد 100 كيلومتر من مكان الاطلاق. تصنع صواريخ هذا النظام بسرعة تصل إلى تسعة أضعاف سرعة الصوت، مما يتيح لها استهداف حتى 14 هدفًا في وقت واحد.
استخدام “حيتس 2” للمرة الأولى في فعالية قتالية كان في عام 2017، وتصديًا لصاروخ أرض-جو سوري. أما “حيتس 3″، والذي تم نشره لأول مرة في نفس العام، فهو مصمم لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى في مرحلة انتقالها العليا وتصل مداه إلى 2400 كيلومتر. تم استخدامه لأغراض القتال في عام 2023، حيث اعترض صاروخًا باليستيًا تم إطلاقه من الحوثيين في اليمن نحو مدينة إيلات.
بالإضافة إلى ذلك، كثفت إسرائيل تعزيزاتها الدفاعية بالتعاون مع القيادة المركزية الأمريكية، حيث استقدمت بطارية واحدة من نظام “ثاد-TAAD”، وهو نظام الدفاع الصاروخي المصمم لضرب الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة. يعمل هذا النظام من خلال اعتراض الصاروخ في مرحلتي الدفع النهائية، عن طريق الاصطدام المباشر. يعتبر “ثاد” نظامًا يعتمد على الطاقة الحركية بدلاً من تحمل رأس حربي.
كان من المقرر البدء في نشر “ثاد” في العام 2012، لكن تم إقرار النشر الأولي في مايو 2008. هذا النظام متواجد في الإمارات العربية المتحدة، إسرائيل، رومانيا، وكوريا الجنوبية. في 17 يناير 2022، أنجزت منظومة “ثاد” أول اعتراض تشغيلي لصاروخ باليستي متوسط المدى.
تتكون بطارية “ثاد” عادةً من 6 منصات منفصلة، تحمل كل منها 8 صواريخ، بالإضافة إلى محطة رادار ومراكز تشغيل. يسير هذا النظام بواسطة حوالي 100 تقني ويعمل على سد الفجوات في الدفاعات الجوية الإسرائيلية عند المدى المتوسط والطويل، مع تحقيق فعالية اعتراض ودقة إصابة تصل إلى 100% خلال التجارب الحقيقية.
خلاصة
تسعى إسرائيل باستمرار إلى تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية لمواجهة التهديدات الماثلة. مع تزايد التطورات التكنولوجية والاستثمار في أنظمة متقدمة مثل “داوود” و”ثاد”، أصبحت البلاد أكثر قدرة على حماية مواطنيها من التهديدات الجوية المحتملة.
في مواجهة متوقعة مع إيران أو حزب الله، من الضروري ضمان حماية المواقع والمراكز الحساسة مثل مفاعل ديمونا النووي ووزارة الدفاع الإسرائيلية. تشمل المواقع الأخرى التي تحتاج إلى الحماية حاويات الأمونيوم في حيفا وأماكن أخرى. التأمين على هذه المواقع يعزز الأمن القومي الإسرائيلي ويزيد من الاستعداد لمواجهة أي تهديدات.
يأتي الدعم الأمريكي لإسرائيل كعلامة واضحة على أن الولايات المتحدة تتوقع هجومًا إسرائيليًا شاملًا، مما سيجبر الإيرانيين على الرد. يضاف إلى هذا الدعم نشر نظام ثاد، جنبًا إلى جنب مع الأطنان الهائلة من القنابل والأسلحة والمعدات العسكرية التي زودت بها الولايات المتحدة إسرائيل منذ بداية الحرب في أكتوبر الماضي.





