
تستمر إيران في إثارة الجدل من خلال تصريحاتها المتعلقة بالقدرات العسكرية، حيث أعلنت مؤخرًا أنها تمتلك صواريخ تفوق سرعة الصوت قادرة على اختراق أحدث نظم الدفاع الجوي. في وقت تُبرز فيه طهران صاروخي “فتاح” و“فتاح-2” كدليل على هذه القدرات، يرتفع منسوب الشك بين الخبراء العسكريين الغربيين بشأن مصداقية هذه المزاعم. فهل دخلت إيران بالفعل ضمن الدول التي تمتلك تقنية الصواريخ الفرط صوتية، أم أن ذلك مجرد مناورات نفسية واستراتيجية؟
خلفية: تعريف الصواريخ الفرط صوتية
تُعرف الصواريخ الفرط صوتية بأنها الصواريخ التي تتجاوز سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت (Mach 5). هذه الصواريخ تتمتع بقدرة فريدة على المناورة خلال رحلتها في الغلاف الجوي، مما يجعل من الصعب التصدي لها مقارنة بالصواريخ الباليستية العادية. يتطلب تطوير هذه التقنية تطورًا ملحوظًا في مجالات الدفع، وأنظمة التوجيه،以及 المواد المقاومة لدرجات الحرارة العالية.
ما تقوله إيران عن صاروخي “فتاح” و “فتاح-2″
في يونيو 2023، أعلنت إيران عن صاروخها “فتاح”، مشيرةً إلى أنه أول صاروخ فرط صوتي محلي الصنع. ووفقًا لتصريحات الحرس الثوري الإيراني، فإن الصاروخ قادر على الوصول إلى سرعات تتراوح مابين Mach 13 و Mach 15 (حوالي 16,000 إلى 18,000 كم/ساعة)، ويملك القدرة على تغيير مساره في الغلاف الجوي وخارجه.
لاحقًا في عام 2024، أعلنت إيران عن نسخة مطورة تحت اسم “فتاح-2″، مدعية أنها مهيأة برأس انزلاقي جوي (HGV)، في محاولة لتقليد النماذج المتطورة التي تطورها كل من روسيا والصين.

المخاوف والشهادات الميدانية
الكثير من المحللين العسكريين في الولايات المتحدة وأوروبا يعبرون عن شكوكهم حول صحة تلك الادعاءات، مستندين إلى غياب أي أدلة فعلية تؤكد نجاح إيران في إجراء اختبارات إطلاق أو تجارب طيران لصاروخ فرط صوتي فعلي.
تنبع هذه الشكوك من عدة عوامل:
- نقص الأدلة المرئية: لا توجد أي صور أو تسجيلات لرحلات اختبار حقيقية من جانب إيران.
- غياب التحليلات المستقلة: عدم وجود تحليلات أو صور أقمار صناعية مستقلة تؤكد عمليات الإطلاق أو المناورات المزعومة.
- قيود البنية التحتية: تعاني إيران من نقص في البنية التحتية التكنولوجية والصناعية الضرورية لتطوير محركات الصواريخ الفرط صوتية، إلى جانب المواد المقاومة للحرارة الناتجة عن الاحتكاك الجوي عند السرعات العالية.
ما تملكه إيران فعليًا
تمتلك إيران بالفعل مجموعة كبيرة من الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى، وتعمل على تطوير نسخ شبه باليستية قادرة على المناورة بسرعات أكبر من Mach 5. ورغم أن هذه الصواريخ لا تُصنف ضمن فئة الصواريخ الفرط صوتية بالمعنى الدقيق، إلا أنها تمثل تهديدًا كبيرًا بسبب صعوبة اعتراضها، خاصة عند استخدامها ضد أهداف قريبة مثل إسرائيل أو القواعد الأمريكية في الخليج.
لذا، يمكن اعتبار ما تملكه إيران حاليًا يُصنف تحت مظلة “الفرط صوتي” في سياق الإعلام أو السياسة، لكنه لا يبلغ مستوى الرؤوس الانزلاقية (HGVs) أوالصواريخ الجوالة الفرط صوتية التي تُطورها دول كبرى مثل روسيا والصين.
البعد الاستراتيجي: سلاح للردع أم وسيلة دعاية؟
تستغل إيران هذه الادعاءات لتحسين صورتها كقوة ردع إقليمية، وتحذير خصومها بأنها قادرة على التغلب على الدرع الصاروخي الأمريكي-الإسرائيلي. كما تسعى طهران من خلال هذه التصريحات لتحقيق مزايا دبلوماسية ونفسية، خصوصًا في ظل العقوبات المستمرة والضغوط الغربية.
ومع ذلك، لا يمكن التخفيف من أهمية حقيقة أن امتلاك صاروخ فرط صوتي موثوق يتطلب سنوات طويلة من البحث والتطوير، ميزانيات ضخمة، وأعداد كبيرة من التجارب الميدانية. وفي الوقت الراهن، لا توجد دلائل تشير إلى أن إيران قد حققت هذا الهدف بالفعل.
الخلاصة
تظهر نشاطات إيران في مجال الصواريخ تقدمًا واضحًا على مستوى المنطقة، لكنها لم تثبت بعد قدرتها على امتلاك أو تشغيل صواريخ فرط صوتية حقيقية كما تدعي. وبينما يبقى احتمال تطوير هذه التكنولوجيا ممكنًا في المستقبل، فإن المزاعم الحالية تبدو أقرب إلى الحرب النفسية منها إلى الحقائق العلمية.
بناءً على ذلك، ينبغي على المراقبين التعامل مع هذه المسائل بحذر، والتركيز على التهديدات المؤكدة والمجربة على الأرض، دون الوقوع في فخ المبالغة أو التقليل من شأن طموحات طهران العسكرية.





