
العميد الركن م. يعرب صخر
في عالم مليء بالتحديات، القوة ليست مجرد سلاح يُستخدم للتهديد، بل هي الأساس الذي ترتكز عليه الأمة. إن المبادئ والثوابت، بالإضافة إلى التجارب التاريخية، تُظهر أن الأوطان تقوم على أساس قوي، وأن القوة هي العنصر الحاسم في فرض النزاهة والهيبة.
لا يقتصر الأمر على تَخزين العتاد الحربي، بل يتمثّل في إدراك أهمية وجود نوايا صادقة تجاه الدفاع عن الوطن. إن القوة تمنح الأمان، سواء كانت رد فعل على عدوان أو قبل حدوثه بقدرٍ كافٍ من الوعي والاحتراز.
تتطلب السياسة والدبلوماسية، وجود هيبة، فالقوى الدولية لا تحترم إلا الدول التي تملك قوة عسكرية. إن معيار القوة لا يُقاس فقط بعدد الأسلحة، بل أيضًا بتأهيل الأفراد وتجهيزهم للدفاع عن حقوقهم.
تحت وطأة جغرافيا معقدة، نجد أنفسنا وسط صراعات قائمة، حيث ترتبط قوتنا بإرادتنا في التأثير والاستجابة للأحداث المحيطة. لن تنجح أي محادثات دبلوماسية بدون إدراك الخصوم لقوة مؤسستنا العسكرية.
عندما يتأكد العدو من غياب إرادتك، ستتحول المفاوضات إلى مساومة، ولن يمنحك إلا الفتات. يجب أن يظهر لك العدو أنك مستعد للأسوأ، وأنك مؤهل للقتال إن لزم الأمر. إن الحفاظ على السلام يتطلب الاستعداد الدائم للحرب.
لقد شهدنا تغييرات دراماتيكية في المنطقة، حيث تراجع النفوذ العربي أمام تهديدات جديدة، مما يبرز أهمية إعادة بناء الهيكل العسكري العربي وتعزيز تقنيات القوة المحلية.
لقد أدت العولمة والتطورات التكنولوجية إلى تداخل الثقافات. وللتفاعل البناء، يتعين علينا أن نكون مستعدين لمواجهة هذه التحديات برؤية استراتيجية واضحة تحقق مصالحنا وتدعم مكانتنا في المجتمع الدولي.
تحولات دول الخليج: نحو مستقبل مشرق
في خضم التحولات الجذرية، تمكنت دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية، من الانطلاق نحو آفاق جديدة من التقدم والحداثة بفضل ثرواتها الطاقوية الهائلة. استغلت هذه الدول الفرص المتاحة لتكون جزءًا من عجلة العولمة، مشقّةً طريقها نحو ازدهار سريع.
لطالما اعتمدت تلك البلدان على العقيدة الأميركية (عقيدة كارتر) لحماية أمن الخليج وأمن الطاقة العالمي. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي واكتشاف النفط الصخري في الولايات المتحدة، تراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط، الأمر الذي أعاد تشكيل أولويات السياسة الخارجية نحو استراتيجية جديدة تركز على الاحتواء تجاه الصين.
تحديات جديدة للأمن العربي
في ظل هذا التحول، وخصوصًا بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، تأكدت دول الخليج من ضرورة تحسين أوضاعها الأمنية. إذ أفرزت إيران خطرًا جديدًا يتطلب وعيًا استباقيًا لمواجهة التحديات التي تطرأ على العالم العربي.
استطاعت إيران التسلل إلى المجتمعات العربية من خلال تسليح وتأليب المجموعات ذات المذهب والعقيدة المتشابهة معها، مما أدى إلى إضعاف تلك المجتمعات وتحويلها إلى ساحة للفوضى. لذا، أصبح من الضروري التعامل مع تلك الأذرع بسلاسة ورؤية استراتيجية.
رؤية تنموية: خطة 2030
يمثل المشروع العربي الجديد، بالتحديد خطة 2030 التي تقودها السعودية، أملًا كبيرًا في تحقيق التنمية المستدامة. يتجه هذا الطموح نحو جعل الشرق الأوسط مركزًا للرفاهية، مما يتطلب تضافر جهود كافة الدول العربية.
كعربي، أشعر بالفخر تجاه هذه المبادرات، لكني أتحسر على تلك الدول التي تتخلف عن الركب، مثل لبنان وغيرها التي تأثرت بالتدخلات الإيرانية.
بناء القوة الرادعة
لضمان أمن هذا المشروع الطموح، فإن بناء القوة الرادعة يعد أمرًا حيويًا. درست بيانات معهد استوكهولم لأبحاث السلام SIPRI استيراد الأسلحة، حيث جاءت السعودية والإمارات في الصدارة.
لكن توافر هذه الأسلحة وحده لا يكفي. يجب الاستفادة منها بشكل فعّال بحيث تشكل ردعًا حقيقيًا. من المهم أيضاً أن نبعث برسائل واضحة للخصوم حول تصميمنا على السلام مع إظهار قدرتنا على حماية مصالحنا.
نحو مستقبل مشرق
مع القيادة الرشيدة التي توفّرها المملكة، هناك فرصة لاستعادة المكانة العربية. علينا أن نتبنى قوة الحق لنتمكن من مواجهة التحديات التي تطرأ علينا، مع التأكيد على أننا قادرون على السلم مثلما نحن جاهزون للقتال.





