
العقيد الركن م. ظافر مراد
يبدو أن الأمور تتضح بشكل أكبر، وعلى عكس اعتقاد البعض، لا تسعى حكومة نتانياهو إلى أي صفقة تمنح حماس جزءًا من مطالبها، كي لا تكون واقعة طوفان الأقصى سابقة للإحتذاء في المستقبل. ورغم الضغوط العلنية على الحكومة، إلا أن هناك تنسيقًا عميقًا مع الإدارة الأميركية في مجالات الشؤون العسكرية والأمنية، مزودين إسرائيل بكل الدعم العسكري والاستخباراتي. ومع زخم التفاؤل المتقطع، لا يبدو أن هناك آمالًا في الوصول إلى أي اتفاق في الوقت الراهن، خاصة في ظل الهجمات المتزايدة من الجيش الإسرائيلي في بعض مناطق الضفة الغربية، والتي من المرجح أن تشتد وتيرتها مع مرور الزمن. في حين أن الجبهة الشمالية مع لبنان تبقى ملفًا مستقلًا سيُناقش في وقت لاحق، إذ أن الحرب فيها لم تُحسم، ولا تزال تحتفظ بإمكانية التصعيد. وتعتمد إسرائيل على الدعم الغربي والأميركي في العملية الاستخباراتية والعسكرية، وقد أتمت كافة التحضيرات الميدانية اللازمة لذلك. ويعتقد الكثيرون داخل إسرائيل أن الجبهة الشمالية يجب أن تكون أولوياتها عالية، في مقابل تخفيف الضغط العسكري في غزة. وفي الوقت نفسه، يستعد حزب الله لهذه المعركة بجدية، حيث لا يزال يحتفظ بجزء كبير من قدراته الصاروخية، في انتظار المواجهة الكبرى المحتملة.
البحر الأحمر واستهداف العبور:
تواجه الولايات المتحدة والدول الغربية تحديًا كبيرًا في الحفاظ على أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، حيث تعرضوا لنكسات متكررة بسبب عدم قدرتهم على وقف الهجمات الصاروخية الحوثية. هذه المهمة تتطلب تواجد عدد كبير من المنظومات والآليات العسكرية البحرية والجوية، التي يجب أن تعمل بلا انقطاع لفترة طويلة لتقليص قدرات الحوثيين. وهذا يشبه حربًا شاملة لن ترغب الولايات المتحدة أو أي دولة في خوضها حاليًا، حيث تتجاوز التكلفة المخصصة لهذه المهمة التقديرات الأصلية. لذا، من المحتمل أن يستمر الوضع كذلك حتى يتم اتخاذ قرار دولي حاسم، وهو ما لن يحدث قبل نتائج الانتخابات الأميركية.
على صعيد الانتخابات الأميركية:
أتوقع أن تسقط هاريس في الانتخابات، فرغم الحملة الإعلامية الضخمة التي تدعمها وتهاجم ترامب، إلا أن ذلك لم يستطع إقناع المجموعات المؤثرة ومعظم الناخبين. أظهرت استطلاعات الرأي نتائج غير حاسمة بسبب التقارب الكبير في الأرقام. يجدر بنا أن نتذكر أن أداء هاريس كمساعِدة للرئيس لم يكن جيدًا، وهي تتحمل مسؤولية كبيرة عن العديد من القضايا الخلافية، خاصةً بعد تراجع الوضع الصحي والعقلي للرئيس بايدن. كما أنها لا تقدم شيئًا جديدًا يجذب الناخبين لإعادة انتخاب نفس النهج القديم، الذي يعتمد على استكمال سياسة أوباما، بما في ذلك التواصل والتفاوض مع إيران حول اتفاق نووي جديد. وهذا الوضع يفسر عودة محمد جواد ظريف عن استقالته كنائب للرئيس الإيراني.
في سياق متصل، أشار الرئيس الإيراني إلى الحاجة إلى استثمار أجنبي يصل إلى 100 مليار دولار. تزامن هذا التصريح مع رغبته في زيارة نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي جاء في وقت تظهر فيه بوادر نجاح الديمقراطيين في الانتخابات الأميركية بفضل المرشحة الديمقراطية. في هذا الصدد، يعارض اللوبي الصهيوني هذا التوجه ويرفض الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، مما قد يؤدي إلى دعم ترامب في الانتخابات، وقد يكون له التأثير الحاسم في هذا السياق.
التطورات في الجبهة الأوكرانية:
أحدث الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك الروسية مفاجأة كبيرة للقيادة الروسية، خاصةً بوتين، إذ يعتبر هذا الهجوم من أكثر الضربات العسكرية والمعنوية التي تلقتها روسيا في تاريخها الحديث. شكل هذا الهجوم نقطة حرجة قد يصعب تجاوزها في المستقبل، ويجب الاعتراف بأن اتخاذ هذا القرار كان جريئًا وتحمل الكثير من المخاطر. الهدف منه كان تخفيف الضغط على الجبهة الأوكرانية في منطقة بوكروفسك. وعلى الرغم من ذلك، فإن القوات الروسية لا تزال تواصل تركيزها وتقدمها في هذه المنطقة، حيث أن الهجوم الأوكراني لم يؤثر على زخم الهجوم الروسي الذي يهدف للسيطرة على طرق الإمداد الحيوية.
يواجه الطرفان تحديات كبيرة، فمع تزايد الأراضي المسيطر عليها، تزداد حاجة كل منهما إلى تعزيز قواته. الجيش الروسي يعتمد أسلوب الاحتواء في التعامل مع القوات الأوكرانية في كورسك إلى أن يتمكن من زج الهجوم المضاد، وهو ما يتطلب السيطرة على بوكروفسك أولاً. وهذا يشير إلى أن القوات الأوكرانية في كورسك قد تكون معرضة للتطويق ما لم يتم توسيع نطاق العملية الهجومية بشكل كافٍ. وبالنظر إلى العدد التقريبي للقوات الأوكرانية هناك (حوالي 15 إلى 20 ألف)، فإن استمرار الهجوم واحتلال مناطق جديدة يبدو صعبًا في ظل هذه الظروف. وفي خضم هذه التعقيدات، يسعى الطرفان لتأمين خطوط إمدادهما قبل حلول الشتاء وتراجع الظروف الجوية.
نتطلع إلى عام جديد يحمل في طياته تغييرات هامة في معظم المناطق الساخنة حول العالم. من المؤكد أن النهج السياسي للرئيس الأميركي المنتخب سيكون له تأثير كبير في هذه التغييرات. قد تنتقل الأزمات إلى مناطق أخرى مثل بحر الصين الجنوبي، حيث تتوسع قوة الصين العسكرية، أو القطب الشمالي، الذي عززت فيه روسيا وجودها العسكري. لا يمكننا تجاهل المفاجآت التي قدمها الرئيس السابق ترامب في تعامله مع الخصوم التقليديين للولايات المتحدة، بما في ذلك زيارته التاريخية لكوريا الشمالية.
يرتقب الجميع نتائج الانتخابات الأميركية: هل سيعود ترامب لتغيير موازين القوى الدولية؟





