أ.د. غادة محمد عامرمقالات رأي

“الذكاء الاصطناعي: رائد التحولات في بناء نظام عالمي جديد”


أ.د. غادة محمد عامر
الرئيس التنفيذي لشركة الشرق الأوسط لتكنولوجيا المعلومات
زميل ومحاضر – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

تقوم بنية النظام الدولي على محورين رئيسيين: توازن القوى بين الدول العظمى وأطياف التعاون بينها، بالإضافة إلى القواعد التي تحكم إدارة العلاقات. وفي هذا السياق، تتجلى أهمية الذكاء الاصطناعي كمحرك لتغيير النظام الدولي من خلال تأثيره على القواعد القائمة، مما يسهم في إعادة تشكيل العلاقات بين القوى الدولية وتوازناتها. من المتوقع أن يحقق الذكاء الاصطناعي تأثيرات اقتصادية ملحوظة على توازن القوة بين الدول، وفتح أبواب لعصر من النفوذ والسير نحو إدارة مشتركة بين القوى الكبرى.

لقد أشار الكاتب “بول كينيدي” في كتابه “صعود وسقوط القوى العظمى” إلى الارتباط الوثيق بين الصعود والهبوط الاقتصادي للدول العظمى. في تقرير منتدى دافوس الصيفي لعام 2017، تم التنبؤ بأن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي ستصل إلى 15.7 تريليون دولار بحلول عام 2030، مع استفادة الصين وأميركا بأكثر من 10.7 تريليون دولار. هذا سيساهم في تشكيل معالم النظام العالمي الجديد بشكل كبير. على صعيد أعمق، قد تؤدي الفجوة في الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم الفجوة الرقمية وتغيير ديناميكيات السلسلة الإنتاجية العالمية.

يتوقع أن يعزز التصنيع الجديد عبر الروبوتات والتقنيات الذكية من اقتصادات الدول المتقدمة، في حين تواجه الدول النامية خطر زوال المنتجات التقليدية والزيادة في معدلات الفقر. قدرة على امتلاك وتطوير الذكاء الاصطناعي تتطلب استثمارات ضخمة ومعرفة تقنية متقدمة. كذلك، يُتوقع أن يطرأ تغيير على هيكل التوظيف، مع اختفاء الوظائف التقليدية ذات المهارات المنخفضة تدريجياً، مما قد يؤدي إلى فقدان ما يصل إلى 800 مليون وظيفة بحلول عام 2030 حسب تقرير ماكينزي.

في المجال العسكري، سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل موازين القوى العالمية، حيث سيتحول أسلوب الحرب إلى مواجهة بين الروبوتات المؤتمتة. ستتغير صفات المعركة مثل تكوين القوات واستراتيجيات الفوز، مما يعكس مفهوم “الحرب المفرطة” الذي أشار إليه تقرير مؤسسة “بروكينجز”. هذا السباق نحو سرعة اتخاذ القرارات سيؤدي إلى تفوق الجانب الذي يمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة.

فالقرارات السريعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستغير لعبة الحرب إلى الأبد. ومع استخدام الجيوش للطائرات بدون طيار، والغواصات والدبابات غير المأهولة، سيصبح استخدام الأسلحة التقليدية أقل فاعلية، مما يزيد من تعقيد وتكاليف العمليات العسكرية التقليدية.

تعد التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي من العوامل الأساسية التي ستقوم بتحويل الفائدة الاقتصادية والعملية في مجالات الحرب والقتال. فبدلًا من استخدام طائرات مقاتلة من طراز إف-35 عالية الثمن في مواجهة تهديدات بسيطة كالبعوض، يمكن أن تكون هناك استراتيجيات أكثر فعالية من حيث التكلفة والخطورة، مثل استخدام طائرات مسيرة ذات تكلفة منخفضة.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير من توازن القوى بين الدول على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، مما يسهم في تشكيل نظام عالمي جديد. لن تقتصر التحديات على الحكومات فقط، بل ستزيد من فاعلية الجهات الفاعلة غير الحكومية بشكل لم نشهده من قبل. التنافس الدولي على التكنولوجيا سيكون أكثر شراسة، ما يستدعي ضرورة معالجة قضايا الأمن والحوكمة الناجمة عن هذه التكنولوجيا. يجب على الدول أن تنظر إلى التحديات من منظور يعزز من بناء مجتمع عالمي بمستقبل مشترك، حيث يتم مناقشة مزايا وعيوب الذكاء الاصطناعي من منظور الأمن الجماعي.

تستطيع الإنسانية حل المشاكل الناتجة عن التكنولوجيا من خلال مواكبة التطور التكنولوجي المستمر. ومع ذلك، من دون فهم دقيق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية، قد تصبح الاستراتيجيات الدفاعية المتخذة مجرد استجابة مكلفة وغير فعالة لمواجهة التحديات الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى