
العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري
تشير الأدلة إلى حدوث تغييرات هائلة في عالم الأسلحة، ناتجة عن تقنيات الحرب الجديدة التي أثرت بشكل ملحوظ على المجريات العسكرية في مختلف أنحاء العالم. لقد أدت الاتجاهات التكنولوجية الحديثة إلى تعديل أدوات الحروب، مما أسفر عن تغييرات جذرية في طبيعة النزاعات وتحدياتها. فقد انتقلت أسلحة الهجوم إلى مستويات جديدة تختلف تماماً عن أسلحة الماضي، وأصبح استخدام الطائرات المسيرة نمطاً متكرراً في العمليات العسكرية الأخيرة.
من أبرز تلك الابتكارات “مسيّرات القتل بنمط الشخص الأول” التي تتميز بالتكنولوجيا السهلة والكلفة المعقولة مقارنة بأسلحة المدفعية والطيران. رغم أنها ليست بديلاً كاملًا لأسلحة أخرى، إلا أنها أثبتت فعاليتها وأحيانًا تكون منافسًا مزعجًا لبعضها.
تسمى هذه الطائرات بـ “إف بي في” (First Person View) لأنها تتيح للمستخدم رؤية ما تراه المسيرة في الوقت الحقيقي والتحكم بها بسرعة ودقة.
تأتي مسيرات FPV بأحجام صغيرة ومجموعة متنوعة من الأنواع، ويمكن لأي شخص تصنيعها بكلفة منخفضة. تُستخدم في مجموعة من المجالات المدنية مثل التصوير التلفزيوني، لكن تم تطويرها أيضًا للمشاركة في العمليات العسكرية حيث تُدق بشكل كبير، مما يجعلها أداة فعالة وذات تأثير مباشر.
تعمل هذه الطائرات بكاميرا موصولة، توفر بثًا مباشرًا يوفر وجهة نظر المستخدم، مما يسهل توجيه الطائرة بدقة عالية.
انتشرت مسيرات FPV بشكل واسع في مناطق النزاعات، وأثبتت فعاليتها كأداة عسكرية جديدة تعرف بقدرتها على التأثير على سير العمليات القتالية. يعتبر استخدامها أحد أخطر التهديدات في الحروب الحديثة، نظرًا للأضرار الجسيمة التي يمكن أن تلحقها بالأرواح والمعدات، في حين أن تكلفة تصنيعها المنخفضة وسهولة استخدامها تجعلها متاحة للكثير من الجهات.
حاليًا، لا يوجد نظام دفاع جوي فعال ضد هذه المعدات، حيث تم تصميم معظم الأنظمة لمواجهة الطائرات الكبيرة والمروحيات. تمثل مسيرات FPV تحدياً كبيراً بسبب صغر حجمها وسرعتها العالية، حيث تصل سرعتها إلى 200 كم في الساعة، مما يجعلها تستهدف الأهداف بدقة وفعالية.
تتسابق مختلف الشركات لتطوير مسيرات FPV، وقد ظهرت أنواع جديدة في السوق بأسعار معقولة. تم تجهيز النسخ المتطورة بأنظمة تحكم متقدمة، توفر قدرة على معالجة التعليمات المرسلة من جهاز التحكم ونقلها بدقة للمحركات، مما يضمن أداءً سلسًا.
وتشمل الميزات الإضافية القدرة على معالجة إشارات الفيديو، مما يمنح الطيار معلومات حيوية أثناء الطيران مثل مستوى البطارية وقوة الإشارة. كما أنها مزودة بكاميرات خفيفة توفر جودة تصوير عالية، مما يعزز من فرص النجاح في المهام العسكرية.
تعتبر طائرات FPV بدون طيار من الابتكارات الأساسية في مجال الطيران المدني والعسكري، حيث تتميز بخفة وزنها ومرونتها، مما يمنحها ميدان رؤية موسع. كلما زادت زاوية الرؤية، تحسن الإدراك البصري، مما يقلل من فرص الاصطدام. وتعتمد قدرة الطائرات على البقاء في الهواء على كفاءة البطاريات، مما يسمح للطائرات بالعمل لفترات أطول.
لقد أثبتت مسيرات FPV فعاليتها في الصراعات، حيث لعبت دورًا حيويًا في العمليات القتالية في أوكرانيا. وفقًا لتحليلات بعض الخبراء، فقد تكبد الجيش الروسي خسائر كبيرة نتيجة الهجمات السريعة التي نفذتها هذه الطائرات. أعلنت أوكرانيا عن تشكيل أول وحدة متخصصة في الطائرات بدون طيار، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى تجهيز الجيش بمزيد من القدرات الجوية.
لم تعد مسألة الطائرات بدون طيار FPV مجرد تكتيك عسكري، بل أصبحت استراتيجية عسكرية متكاملة، حيث أثبتت فعاليتها في تدمير الآليات والمقاتلين، وخاصة في الأماكن المفتوحة. يمكن تخيل كيف يمكن لطائرة مسيرة تكلفتها لا تتجاوز 1000 دولار أن تدمر دبابة تزيد قيمتها على ثلاثة ملايين دولار، مما يسجل تحديًا جديدًا في كيفية التعامل مع هذه التكنولوجيا المتطورة.
تنفذ الطائرات بدون طيار FPV عملياتها غالبًا كفرق، مما يصعب تصدي الدفاعات لها. هناك ثلاثة عوامل رئيسية تعزز من نجاح هذه الطائرات في العمليات القتالية:
- السرعة: تجعل السرعة الكبيرة من الصعب إسقاط الطائرة بالطرق التقليدية.
- المناورة: يمكن للمشغل تعديل مسار الطيران عن قرب، مما يزيد من خطورة الطائرة.
- العدد: مع وجود عدد هائل من الطائرات في السماء، يصبح من المستحيل اكتشاف الطائرات الانتحارية.
خلال النزاع في أوكرانيا، اتضح بشكل كبير فعالية مسيرات FPV في تنفيذ الضربات غير المتوقعة، مما جعل حاجة الدفاعات العسكرية إلى تكنولوجيا متقدمة تتزايد. تشهد الجبهات الأمامية ازدحامًا بسبب وجود أنواع مختلفة من الطائرات، مما يزيد من تعقيد مهمة التنبؤ بها وصدها.
اليوم، تبرز الحاجة الملحة لمواجهة هذا التهديد المتزايد من خلال تطوير أنظمة فعالة لمكافحة الطائرات الانتحارية. يمكن استخدام أنظمة الحرب الإلكترونية المحمولة لتعطيل اتصالات الطائرات بدون طيار، مما قد يجبرها على تغيير مسارها أو فقدان السيطرة عليها.
استشعرت الناتو بالخطر الناتج عن الطائرات الانتحارية وبدأت في تطوير عقيدة مضادة لها. شهدت التدريبات المستمرة مثل تلك التي أجريت في رومانيا من 3 إلى 14 يونيو، جهودًا مكثفة لتعزيز نظم الدفاع ضد التهديدات الناجمة عنها، حيث تم التركيز على تطوير استراتيجيات متكاملة لمواجهة أنواع الطائرات بدون طيار ضمن الفئات الأولى.





