
خاص – رماية
تبدأ شمس نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 في إشراقها على دبي، حيث يحتضن أكبر وأجرأ نسخة من معرض دبي للطيران. يؤكد هذا الحدث، الذي يرعاه سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، على دوره كمنصة عالمية محورية، تتجاوز مجرد عرض الطائرات لتشكيل مستقبل قطاع الفضاء والطيران. تُطلق هذه الفعالية، التي تنظمها شركة إنفورما ماركتس التابعة لمجموعة Informa PLC، حوارات استراتيجية وصفقات تقدر بمليارات الدولارات، مما يُرسخ مكانتها كمركز استقطاب صناعي في مجالات الدفاع والأمن المتطور.
المعرض ليس مجرد حدث تجاري، بل هو منصة استراتيجية تواجه قادة الصناعة والدفاع بتحديات الاستدامة والتنقل الجوي المتقدم (AAM)، مما يفرض عليهم الالتزام بتغييرات جذرية في كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة، من التصميم إلى التشغيل.
1. التحول الجذري: الاستدامة تعيد تشكيل الطيران
تحظى الاستدامة بأهمية قصوى ضمن أولويات المعرض هذه السنة، مما يعزز المبادرات الرامية لإحداث تحول جذري نحو الطيران المستدام. يُبرز المعرض جهود القطاع العالمي الهادفة لتقديم حلول عملية تسهم في تحقيق الحياد المناخي مستقبلاً، مع التركيز على تسريع تطبيق تقنيات مستدامة مبتكرة للمساعدة في إزالة الكربون من قطاع الطيران.
تجمع النسخة التاسعة عشرة من المعرض قادة الصناعة والمبتكرين وصنّاع السياسات الملتزمين بالاستدامة، حيث يشارك عمالقة مثل مطارات دبي وإيرباص وبوينج. يتم تسليط الضوء على التعاون المتزايد عبر سلسلة القيمة لدعم مبادرات إزالة الكربون. ومن المقرر إقامة مؤتمر موسع يستمر لتسعة أيام للتركيز على قضايا هامة من بينها استخدام وقود الطيران المستدام (SAF) وإزالة الكربون من المطارات، بالإضافة إلى استكشاف حلول جديدة في التمويل الأخضر والابتكار المستدام.
كما يشير سفين ديكرز، مدير الاستدامة في مطارات دبي، إلى أن المعرض يوفر منصة فعالة لتعزيز النقاشات حول المواضيع الملحة، لتحقيق نتائج ملموسة. وتعزز هذه المبادرة من خلال إجراءات تنفيذية، حيث يتعاون المعرض مع شركة “جيتكس” لتزويد الطائرات بالمحروقات المستدامة، مع اعتماد معدات مناولة للطائرات تعمل بالكهرباء وغاز البروبان للحد من الانبعاثات.
تحالف “oneDXB” للاستدامة، الذي يقوده مطارات دبي، يبرز كأحد نماذج التعاون، حيث يقدم عرضاً خاصاً لعرض خدمات المناولة الأرضية بشكل مستدام، مما يعزز من الابتكار والمرونة في مطاري دبي الدولي وآل مكتوم الدولي.
2. استعراض القوة والدفاع: صياغة استراتيجيات الأمن الجوي
دائماً ما يُنظر إلى معرض دبي للطيران كنقطة التقاء استراتيجية لمجتمع الدفاع العالمي. يُقام هذا القسم بالتعاون الوثيق مع وزارة الدفاع لدولة الإمارات العربية المتحدة وهيئة دبي للطيران المدني. الحدث يُرحب بشخصيات بارزة من جميع أنحاء قطاع الدفاع العالمي، بما في ذلك قادة القوات الجوية وكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين من أكثر من 95 دولة.
تتجاوز هذه اللقاءات مجرد الاتفاقيات العسكرية، حيث يتم مناقشة التحديات الأمنية الإقليمية والدولية والإستراتيجيات اللازمة لمواجهة التهديدات غير التقليدية. يُعرض في منصات الدفاع أحدث الابتكارات العسكرية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار (UAVs) ونظم الطائرات العسكرية المتطورة، مما يجعلها جزءاً أساسياً من العرض الديناميكي الذي يضم أكثر من 200 طائرة تجارية وعسكرية.
3. استكشاف المستقبل: الفضاء والتنقل الجوي المتطور
يعزز المعرض موقعه كمنصة مستقبلية من خلال التوسع الملحوظ في منطقة الفضاء، التي تضاعف حجمها وتأثيرها. يُقام هذا الجناح بالتعاون مع وكالة الإمارات للفضاء، مما يوفر نقطة التقاء للابتكارات العالمية والتقنيات الحديثة، بالإضافة إلى مستقبل الاقتصاد الفضائي. يتيح هذا التوسع للزوار فرصة لقاء رواد فضاء حقيقيين وتجربة التكنولوجيا المتطورة، باختبار محاكيات الفضاء، والاستماع إلى قادة الصناعة المعنيين.
يعد المعرض بمستقبل جديد للتنقل الحضري، حيث تبرز مركبات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOLs) في جناح التنقل الجوي المتطور. يشهد هذا الجناح انطلاقة مستقبل الطيران الحضري، حيث تقدم الشركات الرائدة في مجال التنقل الجوي تقنيات مبتكرة وتعرض أحدث مركبات eVTOLs في عروض مذهلة.
4. ضخامة الحدث وأثره الاقتصادي
تتجلى الضخامة الهائلة للمعرض في فرص اقتصادية غير مثيلة. يُعقد معرض 2025 مع توقعات تتجاوز الأرقام القياسية للنسخة السابقة التي حققت طلبيات بإجمالي 101.48 مليار دولار أمريكي. يستقبل الحدث أكثر من 1,500 جهة عارضة بارزة، بالإضافة إلى 148,000 متخصص من 150 دولة.
يسهم المعرض في بناء العلاقات من خلال فعاليات متعددة مثل مؤتمرات “Airshow After Dark” و “Party on the Runway”، التي تجمع الناس وتعزز التفاعل. يتضمن المعرض أربع مراحل للمؤتمرات (Aerospace 2050، Aviation Mobility، Vista Stage، The Academy)، حيث يستضيف أكثر من 450 متحدثاً يستكشفون مواضيع حيوية مثل الاستدامة، مستقبل القادة، والصيانة والإصلاح والتشغيل (MRO)، وحاضنات الابتكار.
5. دعوة للتفكير: الاستدامة كالتزام لا خيار
يتضح أن معرض دبي للطيران 2025 ليس مجرد حدث عابر، بل يعكس إدراكًا عميقًا أن صناعة الطيران تقف عند منعطف حاسم. بينما تُعرض التكنولوجيا الدفاعية والفضائية الحدود القصوى للقوة والابتكار، تُلقي مخاطر التغير المناخي بظلالها، مما يجبر الصناعة على اتخاذ الاستدامة كأولوية استراتيجية.
يشير جوليان مانهايس من شركة إيرباص إلى أن الاستدامة تعتبر أولوية عالمية، وأن المعرض يوفر منصة مثالية لتعزيز الشراكات اللازمة لتسريع جهود إزالة الكربون.
يواجه جميع المشاركين وصنّاع القرار سؤالًا محوريًا: هل ستكون الصفقة القادمة في دبي مجرد طائرة جديدة، أم سيكون هناك التزام حقيقي بالتحول الأخضر؟ يتطلب الأمر الآن أكثر من مجرد رغبات، بل أدوات تمويل جديدة وتطوير سياسات، بجانب تعاون دولي شامل لإعادة تشكيل مستقبل الطيران. يجب على الحكومات وقادة الصناعة، الذين يتجمعون في دبي في نوفمبر، أن يدركوا أن نجاحهم لا يُقاس فقط بحجم الطلبات المالية، بل بقوة التزامهم بتحقيق المسار الأخضر، مُظهرين أن السماء ليست بداية الطموح فحسب، بل نهاية مسؤوليتنا تجاه كوكبنا. دعونا نبدأ العمل الآن، فالمستقبل الجوي ينتظر من يجرؤ على تشكيله بمسؤولية.




