مقالات رأي

“النسور المقاتلة: كيف ستؤجج طائرات F-16 الصراع بين روسيا والناتو؟”

العقيد الركن م. ظافر مراد

في منتدى حلف شمال الأطلسي في واشنطن، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن بدء نقل طائرات مقاتلة من طراز إف-16 إلى أوكرانيا. وأكد بلينكن أن: “بينما نتحدث الآن، تتوجه طائرات أف-16 القادمة من الدنمارك وهولندا نحو السماء الأوكرانية. هذه الطائرات ستعزز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي”. أوكرانيا طالبت بهذه الطائرات لتعزيز قوتها الجوية، وقد أصدرت البيانات المشتركة عن الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الهولندي ورئيسة الوزراء الدنماركية بأن أوكرانيا ستبدأ في استلام مقاتلات إف-16 بدعم من الولايات المتحدة.

تعتبر طائرات أف-16 الصقر المقاتل (F-16 Fighting Falcon) من أبرز الطائرات الأمريكية التي اعتمدتها العديد من الدول. إنها مقاتلة خفيفة متعددة المهام، ذات محرك واحد، بمعدل نطاق قتالي فعال يبلغ حوالي 860 كلم، وسرعة قصوى تصل إلى 2 ماخ، وأقصى ارتفاع عند 15 كلم. تم إنتاجها بداية بواسطة شركة “جنرال داينمكس”، لكن في عام 1993، انتقلت حقوق الإنتاج إلى شركة “لوكهيد مارتن”. ومع ذلك، فإن تسليح هذه الطائرات يعد الأساس في فعاليتها، حيث تعتمد قدرتها على نوعية الرادارات والصواريخ والقنابل التي سيتم تسليمها للأوكرانيين.

تواجه الدول الغربية تحديًا حقيقيًا بشأن جاهزية الطيارين الأوكرانيين لتشغيل طائرات “أف-16”. حيث تخرجت أول مجموعة منهم التي تلقت التدريب على هذه الطائرات بداية هذا العام. وأشار مصدر غربي إلى أن مستوى الاحتراف المطلوب لا يزال بعيدًا عن مستوى الطيارين الأوكرانيين في الوقت الحالي، حيث يمكنهم فقط القيام بالطيران التقليدي دون القدرة على إجراء مناورات معقدة. وهذا الأمر يُظهر إشكالية كبيرة في قدرتهم على خوض معارك ضد سلاح الجو الروسي في ظل التهديد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية المنتشرة بكثافة. لذلك، فإن فعالية هذا التطور العسكري ستعتمد على تعزيز تدريب الطيارين، بالإضافة إلى تطوير نظم متكاملة للدفاع الجوي وتكتيكات الحروب الإلكترونية.

مع اقتراب موعد تسليم طائرات إف-16 لأوكرانيا، يتطلع القادة في حلف الناتو إلى خيارات بديلة، كاستخدام شركات خاصة لديها طيارون محترفون لتشغيل هذه الطائرات. هذه الخطوة قد تكون بمثابة النقطة التي قد تُشعل الفتيل لنزاع مباشر بين روسيا وحلف الناتو.

تظل تفاصيل استلام الطائرات مجهولة وغامضة، وفي الوقت ذاته، تواصل القوات الروسية استهداف المطارات العسكرية الأوكرانية التي قد تستقبل هذه الطائرات. نتيجة الغارات الروسية باستخدام منظومات صواريخ “إسكندر إم”، فقدت القوات المسلحة الأوكرانية خمس طائرات من طراز “سو-27” وطائرتين من طراز “ميغ-29” في مطاري “ميرغورود” و”دولغينتسيفو” في بداية شهر يوليو. كما تعرض مطار “ستاروكونستانتينوف” الذي تم تهيئته لاستقبال طائرات الـ أف-16، للتدمير في شهر مارس، ويُعتبر هذا المطار خياراً استراتيجياً يبعد عن مناطق القتال، حيث يقع في الجزء الغربي من أوكرانيا.

على الرغم من أن هناك أكثر من ثلاثين مطاراً في أوكرانيا يمكن تجهيزها لاستقبال طائرات الـ أف-16، إلا أن معظمها تحت نيران القوات الجوية والصاروخية الروسية مما يجعل تعطيلها أمراً سهلاً من خلال تدمير المدارج والبنى التحتية. يُظهر هذا الوضع تحديات هائلة أمام أوكرانيا، خاصةً وأن استقبال أي مطار لطائرات مقاتلة يتطلب تحضيراً كبيراً لتوفير خدمات لوجستية وتكنولوجية متقدمة، والتي تشمل أنظمة الرادار، خزانات الوقود، مخازن الذخائر، ومعدات الصيانة بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي المحيطة بالمطار.

مع وجود هذه التحديات، تدرس دول الناتو الداعمة لأوكرانيا إمكانية الحفاظ على تلك الطائرات في مطارات خارج الأجواء الأوكرانية. وبالرغم من تدمير المطارات الأوكرانية، يبقى هذا الخيار محفوفاً بالمخاطر، حيث هدد الروس باستهداف المطارات التي تنطلق منها هذه الطائرات إذا تم استخدامها ضد القوات الروسية. تبقى مسألة اختيار الدولة التي ستستضيف تلك الطائرات تحدياً؛ حيث ستكون عرضة لردود فعل روسية انتقامية، خاصةً إذا كان الطيارون من شركات خاصة غير أوكرانية.

يمكن أن تلعب دول مثل بولندا واليونان ومولدوفا دوراً في استقبال الطائرات. ستوفر هذه الخطوة فرصة للقوات الجوية الغربية للمشاركة بشكل مباشر في النزاع، مما سيزيد من تعقيد مشاركة حلف الناتو. يتوقف هذا الأمر على سياسات الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، الذي سيتولى مهامه في بداية العام المقبل. إن الاعتداء الفاشل على الرئيس السابق يوضح حجم الانقسام حول هذه القضية، وقد تُعزز محاولات لاحقة، إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة، دخول إدارة جديدة إلى الساحة السياسية بأفكار مختلفة تماماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى