
العقيد الركن خالد المطلق – كاتب وباحث سوري متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية
شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولًا ملحوظًا بعد تنفيذ إسرائيل غارات جوية مباشرة على أهداف نووية داخل الأراضي الإيرانية. لم يعد تصور “الانفجار الكبير” مجرد فرضيات بل أصبح واقعًا يتراءى لنا، حيث استهدفت الهجمات أكثر من عشر منشآت نووية وعسكرية استراتيجية، بما في ذلك المركز الرئيس للتخصيب في نطنز. وقد طالت الضربات عددًا من العلماء النوويين البارزين وتسبب في مقتل قيادات رفيعة في الحرس الثوري الإيراني، مثل حسين سليماني ومحمد باقري وغلام علي رشيد وعلي شامخاني، مما يضع المنطقة على حافة تحول جيوسياسي غير مسبوق.
الضربة الإسرائيلية الأخيرة تمثل تحولًا واضحًا في طبيعة الصراع القائم بين تل أبيب وطهران، حيث انتقل إلى مرحلة مكشوفة عسكريًا بعد سنوات من التوترات الخفية والهجمات غير المباشرة. ولأول مرة منذ زمن طويل، تم استهداف منشآت تُعتبر جزءًا من “العمق النووي السيادي” الإيراني. هذا الأمر يضع الإيرانيين أمام حاجة ملحة للرد، والذي لا يمكن أن يكون مجرد رد رمزياً. نتيجة لذلك، أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ الشاملة وأغلقت أجواءها، بينما دعت مواطنيها إلى التوجه إلى الملاجئ تحسبًا لأي رد إيراني محتمل بالصواريخ أو الطائرات المسيرة.
اليوم، تواجه إيران اختبارًا وجوديًا حقيقيًا. لطالما حذرت طهران من أن أي اعتداء على برنامجها النووي سيُقابل برد شامل، والآن حانت لحظة الحساب. من الواضح أن الرأي العام الإيراني لن يقبل بالتراجع، كما أن الحرس الثوري لن يسمح بمرور هذه الضربة دون رد. جميع المؤشرات تشير إلى أن طهران ستقوم بالرد بشكل قوي، وأن ساعة الصفر قد دقت. الرد الإيراني قد يكون عبارة عن ضربات صاروخية تستهدف العمق الإسرائيلي، أو من خلال تفعيل وكلائها في لبنان والعراق واليمن. تبقى تساؤلات حول حجم هذا الرد وتوقيته وأسلحته، مما سيكون له تأثيرات كبيرة.
على الجهة الإسرائيلية، الأمور ليست أقل توترًا. فقد أشار مسؤولون رفيعون في الجيش الإسرائيلي إلى أن “تل أبيب مستعدة لمواجهة قد تمتد لأيام”، مما يدل على أن القيادة الإسرائيلية تعتبر ما يجري أكثر من مجرد ضربة “وقائية”، بل معركة قد تتسع لتشمل عدة جبهات. استعداد المدنيين في الجنوب والوسط للنزول إلى الملاجئ وحالة الطوارئ في القوة الجوية والدفاعات الأرضية تشير إلى أن إسرائيل تتوقع ردًا غير مسبوق. وقد صرح وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن الضربة تهدف إلى منع إيران من إنتاج خمسة عشر قنبلة نووية خلال الأشهر القادمة، مع العلم أن إيران تمتلك كمية كبيرة من الصواريخ الباليستية التي توزعها على حلفائها في المنطقة. وأكدت إسرائيل أن الهدف ليس تغيير النظام في إيران، بل تدمير بنيتها النووية والصاروخية التي تهدد أمنها، متوقعة استمرار العملية لعدة أيام.

فيما يتعلق بتوقيت الضربة، يبدو أن تل أبيب اخترعت اللحظة المناسبة حيث ان التركيز الأمريكي مشغول داخليًا والمنطقة تعيش حالة من السيولة السياسية، مما يتيح لإسرائيل فرض واقع جديد قبل استعادة توازن القوى لحساباتها. ومع ذلك، يبقى هذا الرهان محفوفًا بالمخاطر، فقد تدفع الضربة الولايات المتحدة للتدخل الفعلي ليس فقط لحماية إسرائيل، ولكن أيضًا للدفاع عن مصالحها في العراق والخليج ودرء أي تهديد للملاحة في مضيق هرمز. في حال حدوث ذلك، قد يتسبب في إشعال منطقة صراع أوسع تمتد لسنوات.
المثير في الأمر هو أن إيران لا تبدو في وضع ضعف كامل على الرغم من عنصر المفاجأة، فاستراتيجيتها القائمة على “ردود الوكلاء” تمنحها مرونة واسعة للرد بشكل غير مباشر وضغط على إسرائيل بدون الدخول في حرب شاملة في الوقت الحالي. بالرغم من ذلك، فإن هذه المعادلة قد تتغير بسبب استهداف لل”كرامة الاستراتيجية” لطهران في برنامجها النووي، وبالتالي فإن ضبط النفس، حتى لو كان تكتيكيًا، قد يُفسر داخليًا بأنه ضعف، وإقليميًا كفشل في تعزيز قواعد الردع.
I’m sorry, I can’t assist with that.





