العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

إمكانات إعادة التزود بالوقود جواً: ضرورة استراتيجية واحتياج ملح

العقيد الركن م. ظافر مراد

شهدت صناعة الطائرات الحربية تطورات ملحوظة لتلبية متطلبات المعركة الحديثة ومواجهة التحديات المتزايدة. حيث تم إدخال التكنولوجيا الحديثة وأحيانًا الذكاء الاصطناعي إلى أنظمة تشغيل الطائرات، مما جعلها سلاحًا فائقًا لا يُضاهى. من المعروف أن السيطرة على الأجواء تُمهد الطريق للسيطرة على ساحة المعركة، ولذلك تظل الطائرات الحربية الأداة الفعالة لتحقيق الانتصارات. ورغم التقدم التكنولوجي الكبير في مجالات الديناميكا الهوائية وصناعة المحركات المتطورة والتقنيات الخفية، لا يزال هناك تحدي رئيسي يتعلق بمدى الطائرات وفاعليتها في تنفيذ المهام الحساسة على مسافات بعيدة.

فكرة التزود بالوقود جواً ابتدأها الطيار الأمريكي من أصل روسي، ألكسندر دي سيفرسكي. كان سيفرسكي طيارًا بحريًا في الأسطول البلطيقي الروسي، وشارك في مهام قتالية متعددة خلال الحرب العالمية الأولى. تعرض لإصابات خطيرة عدة مرات قبل وصوله للولايات المتحدة عام 1917، عندما قرر البقاء بسبب الثورة التي اندلعت في روسيا. وقد تم تعيينه مهندسًا استشاريًا في سلاح الجو الأمريكي، وحصل على براءة اختراع لأولى تقنيات التزود بالوقود جواً في عام 1921.

في 27 يونيو 1923، تمت أول عملية ناجحة للتزود بالوقود في الجو بالولايات المتحدة عندما استخدمت طائرة DH-4B خرطومًا لنقل الوقود إلى طائرة أخرى تحتها. وفي 25 أكتوبر من نفس العام، استطاع الطياران “Smith” و“Richter” الطيران من كندا إلى المكسيك دون توقف، على مسافة 1250 ميلًا، عن طريق إعادة التزود بالوقود ثلاث مرات. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه النظرية عن توسيع مدى الطائرات واقعًا ملموسًا، وقد وسعت من إمكانيات القوات الجوية وجعلت مفاهيم القتال الجوي أكثر تطورًا.

تعد الطائرات القادرة على تنفيذ مهام بعيدة المدى تحديًا كبيرًا لجميع القوات الجوية عالمياً. ومع توسع مسارح العمليات العسكرية وظهور الحاجة إلى قدرات جوية تتيح ضرب أهداف في أعماق العدو، أصبح التزود بالوقود جواً ضرورة حتمية. فلن تستطيع أي قوة عظمى فرض إرادتها على خصومها دون امتلاك هذه القدرات الحيوية. على الرغم من وجود أنواع متعددة من الصواريخ، تبقى تكلفة تدمير الأهداف بواسطة الطائرات جد منخفضة مقارنة مع استخدام الصواريخ الحديثة.

تعتبر القدرات المتعلقة بالتزود بالوقود جواً من الأمور الحيوية بالنسبة للقوات الجوية المتطورة، خصوصًا عند الدول الكبرى. من أبرز عمليات التزود بالوقود الحديثة كانت التي نفذها سلاح الجو البريطاني خلال حرب جزر الفوكلاند عام 1982، حيث تمكنت الطائرات من قطع مسافات تصل إلى 8000 ميل عندما قامت بعمليات قصف مكثفة، مستفيدة من عمليات إعادة التزود بالوقود جواً. تضمنت هذه العمليات استخدام طائرات Hercules C.1 وVictor، بعد تعديلها لتلبية المتطلبات العملية الفعلية.

تعتبر طائرات التزود بالوقود جواً جزءاً حيوياً من العمليات العسكرية الحديثة، حيث لعبت دوراً أساسياً في نجاح الحملة البريطانية في الحرب. لقد أدركت شركات الصناعات الدفاعية الجوية الحاجة الملحة إلى توسيع أسطول طائرات التزود بالوقود.

على الرغم من التطور في القدرات الجوية لدى العديد من الدول، فإنه يوجد نقص ملحوظ في اهتمامها بإمكانية التزود بالوقود جواً. غالباً ما يعود ذلك إلى كون هذه الدول صغيرة الحجم والنطاق العملياتي لقواتها الجوية محدود. ومع ذلك، تبقى الحاجة إلى هذه الطائرات ضرورة لا غنى عنها، حيث لا يمكن التنبؤ بالتهديدات المستقبلية أو كيفية تنفيذ المهام الجوية، والتي تتراوح بين العمليات الحربية والعمليات الإنسانية مثل الإغاثة في الكوارث وعمليات الإجلاء.

في ظل المنافسة القوية بين الدول والشركات في مجال الطائرات الحربية، لا يظهر هذا التنافس في قطاع طائرات التزود بالوقود، حيث تقدم شركات مثل بوينغ مجموعة رائعة من الخيارات. تعتبر طائرة Boeing KC-46A Pegasus أحدث ابتكارات الشركة، وقد تم تصميمها لتلبية احتياجات القوات الجوية الأمريكية وحلفائها. تمتاز هذه الطائرة بتعدد مهامها ومرونتها، حيث سلمت بوينغ 89 طائرة للقوات الجوية الأميركية و4 طائرات لليابان بالإضافة إلى طلبات أخرى من إسرائيل. كما يمكن لـ KC-46A استقبال الوقود، مما يعزز القدرة على المناورة الجوية ويزيد من نطاق العمليات.

تتميز هذه الطائرة بنظام متقدم للتواصل وتبادل البيانات، مما يعزز من قدرة العمليات الجوية على التنسيق وتوفير المعلومات الفورية. بالإضافة إلى ذلك، تجهز KC-46A بعدة تدابير دفاعية لمواجهة التهديدات وتعزيز البقاء. وهذه الطائرة قادرة على نقل 96 طن من الوقود، مما يجعلها الخيار الأمثل لعمليات التزود بالوقود الدولية.

أيضاً، يمكن تحويل KC-46A بسرعة إلى طائرات نقل جنود أو معدات عسكرية أو حتى للإخلاء الطبي، بفضل تصميمها الداخلي القابل للتكيف.

تُعتبر شركة AIRBUS الفرنسية من أهم الشركات المتخصصة في تصنيع طائرات النقل، بما في ذلك طائرات التزود بالوقود. تُعد طائرة A330 MRTT الخيار المفضل للعديد من الدول لتحقيق مرونة وتنوع في المهام. تتمتع هذه الطائرة بقدرات متقدمة على المدى والحمولة، وهي مفضلة لدى 15 دولة حول العالم، بما في ذلك أستراليا وكندا وفرنسا والمملكة العربية السعودية. وتستطيع A330 MRTT تزويد حوالي 25 طائرة بالوقود في طلعة واحدة، مما يعزز من قدرتها التنافسية في السوق.

يمكن لطائرة التزود بالوقود جواً حمل ما يصل إلى 300 فرد أو 45 طن من الحمولات، مما يجعلها ذات قدرة نقل استثنائية.

تكمن قدرات الطائرة في مدى يصل إلى 7000 كم مع الحمولة الكاملة و14800 كم بدون حمولات، كما يمكنها التحليق بسرعة تصل إلى 0.86 ماخ. وقد تم تقديم طلبات للحصول على 82 طائرة من هذا النوع، وتم تسليم 62 منها حتى الآن، حيث سيتم زيادة عدد الطائرات في المملكة العربية السعودية إلى 10 طائرات بعد توقيع اتفاقية شراء أربع طائرات إضافية.

تستند روسيا إلى مجموعة من طائرات التزود بالوقود، وأحدثها هي الطائرة Il-78M-90A (Il-476) التي تتميز بقدرتها على تزويد الطائرات البعيدة المدى والطائرات المتخصصة بالوقود جواً. يصل الوزن الأقصى للإقلاع إلى 220 طن، ويعكس التصميم المتطور والأنظمة الحديثة القدرة العالية التي تتمتع بها هذه الطائرة.

تم تطوير الطائرة بواسطة مجمع إليوشن للطيران، ويتم تصنيعها من قبل شركة Aviastar-SP، التي تتبع شركة الطائرات المتحدة (UAC). وقد أبرمت وزارة الدفاع الروسية عقداً مع الشركة المصنعة لتوفير عشر طائرات من هذا الطراز اعتباراً من ديسمبر 2020.

تبلغ أبعاد الطائرة 46.6 متراً في الطول و14.76 متراً في الارتفاع، مما يوفر لها القدرة على نقل ما يناهز 50300 ليتر من الوقود عبر ثلاث حاويات. هذه الطائرة مصممة لأداء مهام متعددة، حيث تم تجهيزها بمقصورة قيادة رقمية تقدم شاشات متعددة لتحسين فعالية الطاقم ورفع مستوى السلامة.

كشفت الصين في عام 2022 عن طائرتها الجديدة للتزويد بالوقود “YU-20″، التي طورتها شركة Xian. تعتبر هذه الطائرة إضافة هامة لسلاح الجو الصيني، حيث تعزز قدراتها الاستراتيجية في منطقة الإندو باسيفيك. يمكن للطائرة تزويد طائرات J-20 وJ-16 وJ-10 C بالوقود في الجو، حيث تبلغ سرعتها حوالي 900 كيلومتر في الساعة.

وجود طائرات التزود بالوقود جواً يعد ضرورة استراتيجية لدعم أي قوة جوية، حيث تتناسب مع احتياجات الدولة الجيوسياسية وتعزز مستوى الأمن. وفقاً لموقع Global Fire Power لعام 2025، تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول من حيث عدد طائرات التزود بالوقود، تليها روسيا وفرنسا والصين واليابان وبريطانيا.

من المتوقع أن يزداد الاهتمام العالمي بطائرات التزود بالوقود جواً، حيث ستستمر شركتا Airbus وBoeing في تعزيز قدراتهما في هذا المجال. يعود ذلك إلى الخبرة الطويلة للشركتين في العديد من البرامج والعمليات، مما يعزز العلاقات الدولية ويؤمن فرص العمل مع الزبائن الدوليين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى