
أ.د. غادة عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
منذ اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، أثبتت التكنولوجيا دورها الحيوي. التطبيقات الحديثة التي توفر رؤية شاملة لساحة المعركة، والدفاعات السيبرانية التي تحمي البنية التحتية، واستخدام الطائرات بدون طيار “المسيرات” للأغراض العسكرية هي بعض الأمثلة البارزة. لقد شهدنا في هذه الحرب استخدام تقنيات متطورة حظيت بتطويرها عبر العقود.
إذا كانت أي دولة تسعى لتعزيز قدراتها الدفاعية، يجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار ما تعلمته أوكرانيا وروسيا من هذا الصراع. لقد أصبحت الحرب ساحة لاختبار الأنظمة العسكرية الحديثة، حيث لم يسبق أن شاهدنا هذا العدد الكبير من الطائرات بدون طيار في نزاع مسلح. كان للدفاعات السيبرانية والخدمات السحابية دور حيوي في دعم الاستراتيجيات العسكرية.
كما اتضح أن الأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي كانت أساسية في تحسين الأنظمة القديمة. وبفضل الأقمار الاصطناعية، تمكنت أوكرانيا من تعزيز قدرتها الدفاعية. وقد وصف بعض الخبراء هذا النزاع بأنه “أول حرب كبيرة تعتمد على الطائرات بدون طيار”، مؤكدين أن هذه “المسيرات” قد تشرع عصرًا جديدًا من التكتيكات الحربية.

في بداية الصراع، كانت طائرة “Bayraktar TB2” التركية تحظى بأغلب الأضواء، وكثيرًا ما اعتُبرت رمزًا للمقاومة الأوكرانية. غير أنه بعد فترة، بدأت “شاهد 136” الإيرانية الصنع، المعروفة أيضًا بالطائرة الكاميكازية بدون طيار، تأخذ الصدارة من حيث الاستخدام الفاعل، حيث استخدمتها القوات الروسية لتدمير المنشآت الحيوية. منذ ذلك الحين، جذبت أنظمة متعددة الأنظار، بما في ذلك الطائرات البحرية بدون طيار التي وضعت السفن الروسية في مرمى النيران.
لقد أثبتت أنظمة “المسيرات” أنها حاسمة في مجريات الأحداث المختلفة لكل من أوكرانيا وروسيا. يُستخدم اليوم مئات من الأنظمة غير المأهولة، التي تتنوع بين الأنظمة التجارية، الشخصية، والعسكرية، وهي تحت قيادة جنود ومدنيين. تمتاز “المسيرات” في هذه الحرب بأدوار متعددة تشمل المراقبة، جمع المعلومات الاستخباراتية، والدعاية المرئية.
لذا، فإن جميع “المسيرات” تحمل أجهزة استشعار لالتقاط الصور أو الفيديو، مما يمكنها من تحديد مواقع العدو ومراقبة تحركاتهم. وعلاوة على ذلك، تُستغل هذه الأنظمة لأغراض الدعاية بحيث تسهم في توجيه الضربات. على سبيل المثال، استخدمت القوات الأوكرانية طائرات TB2 لاستهداف قافلة دبابات ضخمة كانت تتجه نحو كييف، كما نجحت إحدى الطائرات من نفس الطراز في شغل الدفاعات البحرية للطراد الروسي “موسكفا”، مما سهل الهجمات الصاروخية.
برزت التقنيات الحديثة بشكل كبير في الصراع الحالي، حيث تم استخدام أنظمة متطورة كرادارات لتتبع صاروخ “نبتون” الأوكراني المضاد للسفن. تعد هذه الأنظمة ضرورية لتحديد الأهداف التي يمكن أن تهاجمها بطاريات الصواريخ. المثير للاهتمام هو الدور الحاسم للطائرات بدون طيار في تعزيز دقة الضربات المدفعية، مما أدى إلى تقليل كمية القذائف اللازمة. تبلغ تكلفة الأنظمة التجارية مثل تلك المصنعة من قبل شركة DJI الصينية حوالي 2000 يورو، بينما تكلف قذيفة المدفع أكثر من ذلك بكثير، مما يجعل من الصعب استبدالها خلال الاشتباكات. لذا، حتى عند فقدان الطائرة بدون طيار، يبقى استخدامها خيارًا مبررًا من الناحية اللوجستية والمالية. تم اعتماد زيادة كبيرة في استخدام “المسيرات” الانتحارية التي يقودها جنود يتم تدريبهم في بيئات واقعية.
استخدمت هذه الحرب “المسيرات” لأداء ثلاث مهام رئيسية: المراقبة، جمع المعلومات الاستخبارية، والدعاية.
تجلى تأثير الحرب السيبرانية في هذا النزاع عندما قامت روسيا بتدمير شبكات الأقمار الاصطناعية الأوكرانية Viasat قبل الغزو الشامل، مما أثر على وصول الإنترنت لعشرات الآلاف. هذا الهجوم الإلكتروني أثر على الاتصالات الحكومية والعسكرية، مما دفع الحكومة الأوكرانية لنقل بياناتها إلى السحابة لضمان الأمان. قامت أمازون بتزويد أوكرانيا بوحدات تخزين لحماية معلوماتها، بينما ساعدت شركات التكنولوجيا الأمريكية في تعزيز دفاعاتها السيبرانية وتبادل المعلومات حول الهجمات المكتشفة. في خطوة مماثلة، قدمت جوجل دعمًا عن طريق توسيع نطاق برنامج Project Shield، مما أدى إلى إنشاء “مظلة إلكترونية” فعالة لحماية المواقع الأوكرانية. وقدرت مايكروسوفت دعمها لأوكرانيا خلال عامي 2022-2023 بـ400 مليون دولار.
واجهت الحكومة الأوكرانية هجمات إلكترونية كثيفة من الجانب الروسي استهدفت خوادم الحكومة والبنية التحتية الحيوية. تضمنت هذه الهجمات عمليات التشويه، حيث كان المهاجمون يقومون بتغيير مظهر المحتوى على مواقع الويب، بالإضافة إلى هجمات حرمان الخدمة واستخدام برمجيات ضارة لمسح البيانات. ومن الأمثلة الأخرى على العمليات المنسقة استهداف روسيا لشبكات شركة الطاقة النووية Energoatom قبل احتلال محطة كهرباء “زابوريزهيا”.
استخدم الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتحسين الأنظمة العسكرية. تعمل التطبيقات المصممة خصيصًا على تعزيز قدرات القوات المسلحة، بما في ذلك أتمتة مهام الطائرات بدون طيار من الإقلاع إلى الهبوط، وتحديد الأهداف، وإخطار القوات بالتحديثات حول الأهداف المحددة. من خلال هذه التقنية، تم تقليص فترة الاتصال بين المستشعر ومطلق النار إلى ما يزيد قليلاً عن 30 ثانية. يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا لتحليل صور الأقمار الاصطناعية، مما يزيد بشكل كبير من سرعة معالجة المعلومات.
كانت هذه الحرب أيضًا أول صراع يستفيد فيه الطرفان من القدرات الفضائية بشكل ملحوظ. اعتمد الجيشان بشكل مكثف على الأصول الفضائية لأغراض الاستخبارات والمراقبة. استخدمت أوكرانيا تقنيات تحديد المواقع والملاحة لتوجيه الضربات بدقة على الأهداف الرئيسية. بالإضافة إلى ذلك، استطاع رادار الإنذار المبكر تتبع إطلاق الصواريخ الباليستية، واستخدمت أقمار ستار لينك في توجيه ضربات الطائرات بدون طيار.





