إيرانالأخبار العسكريةالأخبار العسكرية الإقليميةخاص

أساليب التلاعب والحرب الرقمية: دراسة حول “الضربة القاضية في الظلام”

خاص – دفاع العرب

تستمر التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط في التصاعد، حيث تُعتبر الطموحات الإقليمية لبعض الدول المحور الأساسي لهذه الأزمات.

في هذا الإطار، تُلقي عملية “مطرقة منتصف الليل” الضوء على بُعد جديد في ميزان القوى العسكرية، كاشفةً عن قدرات هجومية متطورة من الممكن أن تغير موازين اللعبة. حيث استهدفت هذه العملية، التي نُفذت بواسطة قاذفات قنابل شبحية من طراز B-2 Spirit، المنشأة النووية في فوردو الإيرانية، وهي تحصين متين مُخبأ في أعماق الجبال. تُظهر هذه العملية، بتفاصيلها الدقيقة والمعقدة، قدرة القوة الجوية على اختراق أقوى الدفاعات من خلال تكتيكات خداع متقدمة وحرب إلكترونية مكثفة.

لكن يُطرح السؤال: هل تُمثل هذه القدرات الحل النهائي لتحديات المنشآت النووية المحصنة، أم أنها تفتح الطريق أمام سباق تسلح أكثر تعقيدًا؟

خلفية العملية: التحدي النووي في فوردو

تُعد المنشأة النووية الإيرانية في فوردو، القريبة من مدينة قم، من أصعب الأهداف النووية على مستوى العالم.

تم إنشاء هذه المنشأة في عمق الجبل، وقد تم تعزيزها بشكل استثنائي لتقف بوجه الضربات التقليدية. تتواجد عملية تخصيب اليورانيوم على بُعد حوالي 200 متر من مدخل النفق، محمية بطبقة سميكة من الصخور والخرسانة المدعمة. وتشكل هذه التحصينات، الطبيعية والصناعية، معًا درعًا منيعًا يكاد يكون من المستحيل اختراقه بأسلحة تقليدية. كما أن الموقع الجبلي يوفر حماية إضافية ضد الهجمات الجوية المباشرة، مما يزيد من صعوبة أي عملية هجومية محتملة.

تنفيذ عملية “مطرقة منتصف الليل”: فن الخداع والقوة النارية

سلطت عملية “مطرقة منتصف الليل” الضوء على استراتيجيات متعددة الطبقات لتجاوز الدفاعات الجوية الإيرانية الصعبة، بالاعتماد على تنسيق دقيق بين الأصول العسكرية المختلفة:

  • المرحلة الأولى: استراتيجيات الخداع: بدأت العملية بإطلاق مجموعتين من قاذفات B-2 Spirit. تحركت المجموعة الأولى نحو الغرب، معتمدةً على الانجذاب الواضح لأنظمة المراقبة الإيرانية، بينما اتجهت المجموعة الأساسية، المكونة من 7 قاذفات، شرقًا نحو إيران حاملةً قنابل “مخترق الذخائر الضخمة” (MOP) القادرة على اختراق التحصينات العميقة. سيارات هذا التكتيك من فرص الوصول إلى الأهداف الحيوية دون اكتشاف.
  • المرحلة الثانية: دعم لوجستي وتفوق جوي: يحتاج تنفيذ مهمة بهذا الحجم، والتي تقدر بحوالي 37 ساعة للعودة والذهاب، إلى دعم لوجستي كبير. وقامت طائرات KC-135 Strato بتوفير الوقود بالطريقة الدقيقة في الأجواء الدولية، مما ضمن قدرة القاذفات على استكمال مهمتها دون الحاجة للهبوط. تعكس هذه القدرة على التزود بالوقود في الجو مرونة القوات الجوية الأمريكية وقدرتها على القيام بعمليات بعيدة المدى.
  • المرحلة الثالثة: شل الدفاعات الإلكترونية: مع اقتراب قاذفات B-2 من المجال الجوي الإيراني، قامت القوات الأمريكية بتفعيل مجموعة من تكتيكات الحرب الإلكترونية. تم نشر وسائل الخداع وأنظمة التشويش المتطورة لإرباك الرادارات الإيرانية وشل أنظمة الدفاع الصاروخي. وقد أوجد ذلك واقيًا إلكترونيًا يعيق اكتشاف القاذفات، مما يتيح لها مناهج آمنة للتقدم نحو الأهداف.
  • المرحلة الرابعة: الهجوم المتزامن لتشتيت الانتباه: قبل ساعة تقريبًا من وصول قاذفات B-2، أطلقت غواصة تابعة للبحرية الأمريكية أكثر من 30 صاروخ كروز نحو موقع أصفهان النووي. كانت الغاية من هذا الهجوم الثانوي إحداث الفوضى وتشتيت انتباه الدفاعات الجوية الإيرانية، مما أجبرها على تقسيم مواردها وأضعف قدرتها على الرد على التهديد الرئيسي من قاذفات B-2.
  • المرحلة الخامسة: الضربة النهائية بقنابل MOP: عند وصول قاذفات B-2 إلى منطقة الهدف، أطلقت 14 قنبلة MOP على فوردو ونطنز. designed to target the mountain edge right above the underground enrichment halls and tunneling network. يُعتبر هذا الاستهداف الدقيق عاملًا حاسمًا لتأمين الاختراق اللازم لتدمير المنشآت المحصنة.

B-2 Spirit: رمز الابتكار التكنولوجي الشبحى

تُعتبر قاذفة B-2 Spirit نموذجًا فريدًا في عالم الهندسة العسكرية، إذ تُظهر قمة التكنولوجيا المستخدمة في التخفي:

  • تصميم مميز يسعى لتحقيق التخفي: تختلف B-2 تمامًا عن الطائرات القاذفة التقليدية؛ إذ تفتقر إلى المثبتات الرأسية المعروفة بإنعكاسها الكبير لموجات الرادار. وبدلًا من ذلك، تعتمد على دَفّات السحب المقسمة التي تساهم في استقرارها الاتجاهي، مما يخفض بصمتها الرادارية بشكل كبير. وعلى الرغم من أن هذا التصميم يعني أنها بحاجة إلى وقت أطول في المناورات، إلا أنه يمنحها ميزة تخفٍ لا تُضاهى.
  • مواد بناء متطورة: المفتاح إلى المتانة والتخفي: تحتوي الطائرة على مجموعة متنوعة من المواد الحديثة التي تعزز من قدرتها على التخفي وقوة هيكلها. تُستخدم راتنجات الإيبوكسي المعززة بالألياف الزجاجية في الحواف، وراتنجات الجرافيت في الأجنحة، بالإضافة إلى الألومنيوم بمقصورة الطاقم. كما تدخل مواد مثل التيتانيوم وراتنجات البوليميد في الأجزاء القريبة من المحركات لتحمل درجات الحرارة العالية. تُساعد هذه المواد المتخصصة في تشتيت موجات الرادار، مما يقلل احتمالية اكتشاف الطائرة.
  • طلاء امتصاص الرادار (RAM): التحصين الخفي: تعد B-2 مغطاة بطبقة سرية للغاية تعتمد على البوليمرات تُعرف بالطلاء الماص للرادار (RAM). يسهم هذا الطلاء في امتصاص الطاقة الكهرومغناطيسية لموجات الرادار بدلاً من عكسها، مما يجعل الطائرة شبه غير مرئية أمام الأنظمة الدفاعية المعادية.
  • تعدد القدرات التسليحية: تُعتبر B-2 Spirit منصة متعددة الاستخدامات في التسليح، حيث يمكنها حمل ذخيرة هائلة، تشمل 80 قنبلة من نوع Mark 82، مما يتيح لها إحداث دمار واسع النطاق. فضلاً عن ذلك، يمكنها حمل 16 صاروخًا جو-أرض من طراز AGM-158 JASSM، مما يمكنها من استهداف أهداف بعيدة بدقة متناهية.

قنبلة MOP: المطرقة التي لا تُقهر

تعتبر قنبلة MOP (Massive Ordnance Penetrator)، التي تُعرف بـ “مخترق الذخائر الضخمة”، بمثابة قمة تكنولوجيا اختراق الحصون، وهي الأسلحة المثلى لاستهداف الأهداف المدفونة بعمق:

  1. منصة الإطلاق: تطلق قاذفة B-2 قنبلة MOP من ارتفاعات كبيرة، مما يمنحها الطاقة الكامنة اللازمة لتحقيق أقصى قدر من الاختراق عند الاصطدام.
  2. دقة استهداف متناهية: يتم توجيه القنبلة بدقة باستخدام أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) وأنظمة الملاحة بالقصور الذاتي (INS)، مما يضمن وصولها إلى هدفها بدقة لا مثيل لها.
  3. تعديل المسار عند الهبوط: تُعدل أربعة زعانف شبكية في الجزء الخلفي للقنبلة مسارها بشكل لحظي أثناء هبوطها، مما يصحح أي انحراف ويحافظ على توجيهها الدقيق نحو الهدف.
  4. قوة التأثير والاختراق: تُصمم القنبلة، التي تزن 30,000 رطل، لتضرب بشدة، حيث يمكن لقوتها الفائقة وتصميمها الخاص اختراق أكثر من 200 قدم من الخرسانة المسلحة، مما يجعلها قادرة على الوصول إلى أعماق التحصينات تحت الأرض.

المآلات والدروس المُستفادة:

تُسلط عملية “مطرقة منتصف الليل” الضوء على مستقبل الدفاعات الجوية والبرامج النووية السرية، مشددة على أن الحصانات العميقة، رغم قوتها، لم تعد تُعتبر حصينات مطلقة أمام التقدم الكبير في الأسلحة الدقيقة ومنصات الإطلاق الشبحية. تُملي هذه القدرات الاستراتيجية على الدول reevaluation لبرامجها النووية المحصنة وضرورة تطوير دفاعات جوية أكثر تقدمًا لمواجهة التهديدات غير التقليدية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى