
خاص – رماية
نظرة على المفاوضات السرية
تتوالى الأحداث في شمال إفريقيا حيث تشير تقارير استخباراتية إلى وجود مفاوضات سرية بين دولة إقليمية كبرى وطهران لشراء دفعة محدودة من صواريخ كروز إيرانية عبر وسيط غير رسمي في أوروبا الشرقية. هذه الخطوة تهدف لتجاوز القيود المفروضة على التجارة مع إيران، مما قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في موازين القوة شمال إفريقيا والبحر المتوسط.
يأتي هذا التوجه مع تزايد الطلب على أنظمة الردع الدقيقة بعيدة المدى، وسط سباق تسلح متسارع بين القوى الإقليمية، التي تلجأ إلى الصفقات الرمادية كوسيلة للتحايل على العقوبات الغربية دون ترك آثار واضحة.
عقد الصفقة: مسارات معقدة وإمدادات غير تقليدية
تتعلق المفاوضات بنسخ مطورة من صواريخ “سومار” الإيرانية، التي تمتلك مدى يتراوح بين 700 و1000 كم، وتستند إلى التصميم الروسي Kh-55. وتشير مصادر غربية إلى أن الصفقة تُدار من خلال شبكة من الشركات التي تتخذ من آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية مقراً لها، مما يصعب تعقبها. يُعتقد أنه إذا تمت الصفقة، ستُنقل الشحنات بطرق غير تقليدية على مراحل، مستخدمةً وسطاء من دول غير خاضعة لقيود العقوبات الأميركية.
وتتراوح قيمة الصفقة، إن حدثت، بين 200 مليون دولار، وتشمل خدمات تدريب وصيانة مختصرة، حيث ويلعب الوسيط الأجنبي دوراً رئيسياً بفضل علاقاته بشبكات التوريد الروسية والإيرانية.
الدوافع الاستراتيجية: السعي نحو التوازن
تحاول الدولة المعنية تعزيز قدراتها على الردع البعيد، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة وقلق متزايد من تفوق بعض جيرانها في المجال الجوي. أرخص تكلفة وارتفاع توفر صواريخ الكروز الإيرانية يجعلها خياراً مغرياً دون الحاجة إلى دعم تقني غربي.
أحد المحللين العسكريين في باريس يرى أن “الصفقة، إن صحت، لا تعكس فقط رغبة في زيادة القدرات العسكرية، بل تشير إلى تحول في ممارسات التسليح نحو الشرق بعيداً عن النفوذ الأوروبي المتراجع.”
إيران وتعزيز وجودها في إفريقيا
تهدف طهران إلى استغلال الانفتاح السياسي مع بعض الدول الإفريقية لتعزيز وجودها العسكري غير المباشر. بعد تأسيسها لشبكات نفوذ في الشرق الأوسط، تركز الآن على توسيع تواجد تقنياتها الدفاعية في شمال إفريقيا، متحدية النفوذ الغربي ومؤمّنة لمصادر دخل عبر صادرات الأسلحة.
مصدر دبلوماسي سابق يوضح أن “إيران تعرف أن بيع صواريخ كروز لدولة إفريقية كبيرة حتى سراً سيكون خرقاً كبيراً للعزلة المفروضة عليها، كرسالة بأنها لا تزال تستطيع النفاذ إلى أسواق جديدة.”
المخاوف الدولية: العقوبات والانتشار العسكري
يثير الحديث حول الصفقة المرتقبة قلقاً متزايداً في الأوساط الغربية، خاصة مع المخاوف من انتشار تقنيات الصواريخ الدقيقة خارج السيطرة. تحذر بعض مراكز الدراسات الأمريكية من أن “تحايل إيران على العقوبات بهذا الشكل يُضعف نظام عدم الانتشار، ويمنحها موارد مالية جديدة أثناء محاولات واشنطن تشديد العقوبات عليها.”
هذا القلق يتزايد لأنه قد يُستخدم لتطوير أدوات ردع إقليمية في سياقات متزايدة التعقيد.
الانعكاسات الإقليمية: توازن جديد أم اضطراب محتمل؟
قد يُعيد هذا التحرك رسم خريطة الردع في شمال إفريقيا. إدخال صواريخ كروز بمدى يتجاوز 800 كلم يمنح إمكانية ضرب أهداف استراتيجية في عمق الدول الغربية المتوسطة، مما قد يزيد من التوترات الدبلوماسية، خصوصاً مع دول مثل فرنسا وإسبانيا التي تعتقد أن المنطقة تعد امتداداً لأمنها.
لكن بعض الخبراء يرون أن هذه الصفقة، في حال تمت، قد تعزز التعاون العسكري بين الدول الأوروبية والمغاربية، بهدف احتواء النفوذ الإيراني ومراقبة خطوط التهريب عبر البحر المتوسط.
سباق الظلال مستمر
تسلط هذه الصفقة، مهما كانت تفاصيلها، الضوء على تحول استراتيجي في أنماط التسلح بشمال إفريقيا. لم يعد من الممكن الاعتماد على المعادلات القديمة التي تربط الحليف الغربي بالمصدر العسكري على نفس النمط السابق. تتجه بعض الدول نحو خيارات غير تقليدية تضمن لها استقلال القرار العسكري، حتى لو كانت ذلك عبر صفقات تتم بعيداً عن الأضواء.
ستظل نتيجة هذه المفاوضات محط أنظار الجميع، حيث تشير إلى مرحلة جديدة من “عسكرة الردع الرمادية”. في هذه المرحلة، تُستخدم التكنولوجيا كأداة توازن خفية، وتمتزج فيها الاقتصاد بالعقوبات، والطموحات الوطنية بالمخاطر الإقليمية.
قد يؤدي هذا التوجه إلى دفع دول مجاورة إلى البحث عن توازن مضاد، مما يفتح الباب لسباق تسلح صامت في منطقة معروفة بشدة التحديات الأمنية التي تواجهها.





