
سامي أورفلي – رماية
في عالم الدفاع، حيث تُعتبر العوائق التكنولوجية وحظر التصدير من أبرز التحديات، استطاعت شركة أسيلسان (ASELSAN) التركية أن تحول هذه العقبات إلى فرص استراتيجية. فبدلاً من أن تكون هذه القيود عائقاً، أصبحت دافعاً لها نحو تحقيق “استقلال تكنولوجي” و”توطين” حقيقي، مما جعل منتجاتها تتفوق على نظيراتها الغربية وتعزز مكانتها كعلامة تجارية دولية مرموقة.
تستند استراتيجية أسيلسان إلى مفهوم “الاستقلال التكنولوجي” و”التوطين” كمحور أساسي لتجاوز التحديات الخارجية. فقاد هذا التوجه إلى تطوير منتجات تتجاوز جودة المنتجات الغربية، مما ساعدها على بناء سمعة قوية في السوق الدولية.
تتجلى هذه الاستراتيجية في أربعة محاور رئيسية: تحويل الحظر إلى تفوق تقني، استثمار استراتيجي في الأنظمة الفرعية الحيوية، تمويل مخصص للبحث والتطوير، والاستدامة من خلال جذب وتدريب جيل الهندسة الجديد.
1. رحلة التحول: ASELFLIR 500
يعتبر نظام الاستشعار الكهروبصري ASELFLIR 500 مثالاً بارزاً على كيفية تحويل القيود إلى إبداع. حيث كانت تركيا تتطور كقوة في تصنيع الطائرات المسيرة (UAVs)، اعتمدت شركات الطيران على كاميرات بصرية من موردين دوليين. بعد فرض حظر على استيراد هذه الكاميرات، تطلب الأمر من أسيلسان تطوير بديل محلي.
لم يكن مجرد توفير بديل عادي، بل تم إنتاج “نسخة محسنة”. تشير البيانات إلى أن كاميرا ASELFLIR 500 تقدم دقة كشف أفضل بنسبة تتراوح بين 20% و25% مقارنة بالكاميرا المنافسة، على الرغم من استخدام حجم حامل مماثل.
وبعد أن أعلنت أسيلسان عن المنتج الجديد، تمت رفع القيود، إلا أن أسيلسان لم تعد بحاجة إلى شراء المنتج الأجنبي. وقد حققت الكاميرا أيضاً نجاحاً على مستوى التصدير، حيث أبرمت الشركة عقوداً مع 16 دولة في عامها الأول من التطوير، والعدد الآن يرتفع إلى 24 دولة، مما دفع بعض العملاء الدوليين إلى استبدال كاميراتهم المنافسة بمنتجات أسيلسان.
2. الاستثمار في الأنظمة الفرعية لضمان الاستقلال
لتفادي تكرار الاضطرار إلى الاعتماد على التكنولوجيا الخارجية، تبنت أسيلسان استراتيجية صارمة لتحقيق الاستقلال في المكونات والأنظمة الفرعية. ويساهم هذا التركيز في رفع معدل المشاركة المحلية بنسبة تفوق 80% حالياً.
وتشمل استراتيجيتها الاستثمار المكثف في مكونات حيوية للأنظمة الدفاعية المتقدمة، مثل:
• الكاشفات الحرارية والمبردة: تقوم أسيلسان بتصنيع كاشفاتها الحرارية والجديدة محلياً.
• حلول الموجات الدقيقة: تشمل الإنتاج المحلي لحلول الموجات الدقيقة والأجزاء الحيوية للرادارات.
• المواد الحديثة والشرائح: الاستثمار في شرائح نيتريد الغاليوم المستخدمة في الرادارات المتقدمة، كما يتم تصنيعها في تركيا من خلال شراكة مشتركة، بما في ذلك أجهزة التبريد.
أسيلسان.. مهندس تكنولوجي
لقد أثبتت أسيلسان أن القيود المفروضة من الخارج لم تكن سوى عقبات مؤقتة على طريق بناء استقلال تكنولوجي أعمق وأكثر شمولاً. من خلال الاستثمار الاستراتيجي في توطين المكونات الحرجة، والالتزام بتمويل البحث والتطوير الداخلي بأكثر من 200 مليون دولار سنوياً، وتطوير منتجات متفوقة مثل ASELFLIR 500، نجحت أسيلسان في تحويل الحظر إلى ميزة تنافسية. إن هذه الاستراتيجية الشاملة، المدعومة بجيل من المهندسين الشباب ذوي الدافع الوطني، لم تخدم الردع الوطني فحسب، بل أيضًا رسّخت مكانة أسيلسان في السوق العالمية كـ “مهندس تكنولوجي” قادر على المنافسة ليس فقط في حجم الإيرادات (3.55 مليار دولار)، بل في جودة وكفاءة الابتكار.
3. هيكلة البحث والتطوير والتمويل الاستباقي (7% التزام سنوي)
لتحقيق استقلالها التكنولوجي وضمان استمرار تفوقها، تعتمد أسيلسان على هيكل تمويلي حازم ومزدوج للبحث والتطوير (R&D). حيث تُخصص الشركة 7% من إيراداتها السنوية لهذا الغرض، مما يعني تخصيص أكثر من 200 مليون دولار سنويًا لدعم البحث والتطوير داخلياً، بالإضافة إلى المشاريع التعاقدية.
أولاً: تُموّل بعض القدرات عبر مشاريع تطوير تعاقدية مع الحكومة. ثانياً: تلتزم أسيلسان بتمويل ذاتي متواصل يعزز من قدراتها البحثية. يتيح هذا التمويل استجابة سريعة لمتطلبات الميدان حتى بدون عقد رسمي أو ميزانية محددة.
على سبيل المثال، تم تطوير نظام التشويش Antidote 2 للطائرات المسيرة، والذي وصفه مسؤول شركة أسيلسان بأنه أخف نظام تشويش راداري في العالم بوزن 11 كجم، استجابةً لطلب من المستخدم النهائي في الميدان. وتم إنجاز هذا المشروع في 6 أشهر فقط باستخدام التمويل الداخلي، مما يدل على أن الابتكار هو عملية مستمرة ومستمرة تمويلها بشكل جيد.
4. الاستدامة عبر جيل الهندسة الشاب والدافع الوطني
تعتبر أسيلسان نفسها “شركة تكنولوجيا وهندسة”، مما يعكس الاستثمارات الهائلة في رأس المال البشري. تشكّل قوة المهندسين 65% من موظفي الشركة البالغ عددهم أكثر من 13,000 موظف، مما يمنحها ميزة تنافسية قوية.
• شركة شابة ذات خبرة: يبلغ متوسط عمر موظفي أسيلسان 33 عاماً مع أكثر من 10 سنوات من الخبرة.
• الامتياز والدافع الوطني: يُعتبر العمل في هذا القطاع في تركيا “امتيازاً”، مما يؤدي إلى وصول “عشرات الآلاف من طلبات التوظيف” إلى قسم الموارد البشرية في أسيلسان.
• ثقافة الابتكار والذكاء الاصطناعي: تتيح أسيلسان للمهندسين الشباب الانخراط مباشرة في التكنولوجيا المتقدمة، مما يضمن أن الجيل الجديد يعمل باستمرار على أحدث الحلول المعتمدة على التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
إن المحرك الأساسي لاستراتيجية أسيلسان ونجاحها في تحويل القيود إلى مزايا هو “رأس مالها البشري”، مما يُبرز أهمية الاستثمار في الجيل الجديد من المهندسين والابتكار المستدام.




